ملتقى الطالب الجامعي.. تكتل حوثي لإخضاع طلاب الجامعات (تقرير خاص)
- خاص السبت, 27 يوليو, 2019 - 04:52 مساءً
ملتقى الطالب الجامعي.. تكتل حوثي لإخضاع طلاب الجامعات (تقرير خاص)

[ لنشر الطائفية.. ملتقى الطالب الجامعي.. تكتل حوثي لإخضاع طلاب الجامعات ]

بعد تفكك الاتحاد العام لطلاب اليمن، أكبر تكتل طلابي يمني عرفته الجامعات اليمنية، واعتقال آخر رئيس له رضوان مسعود في 2015 بصنعاء على يد الحوثيين، خسر الطلاب اليمنيون، لاسيما أولئك الملتحقون بالجامعات التي تقع ضمن نطاق سيطرة الجماعة، أحد أوجه النشاط الأكثر فاعلية وتأثيرًا داخل الجامعات.

 

أما اليوم فقد أُلغي الصوت الطلابي بشكل كلي داخل أروقة الجامعات، وجُرِد الطالب من حريته واستقلاله، وغدا محاطاً بالرقابة تحت سلطة انقلابية ملشنت كل شيء بما في ذلك الجامعات والمدارس.

 

ظلت الجامعات اليمنية محل توق مستمر للحوثيين، منذ ما قبل اجتياحهم عمران وصنعاء، فقد كانوا يطمحون إلى نشر أفكارهم فيها، وما إن تقلدوا زمام الحكم عقب انقلابهم على السلطة في  2014، حتى بدأت أولى مراحل التوغل في قطاع التعليم الجامعي، وخلال وقت قصير أحالوا كل شيء إلى فوضى، ابتداءً بالتعيينات التي جعلوا منها مهمة عبثية، مروراً بفرض مواد جديدة، وانتهاء باستهداف الطلاب وتجريدهم من أدوارهم من خلال إلغاء التكتلات التي كانت تمثلهم، واستهداف رموزها.

 

تكتل بديل

 

وقد تمثل أول إجراء لهم بهذا الصدد، من خلال تأسيس اتحاد جديد، أسموه "ملتقى الطالب الجامعي" كبديل "لاتحاد طلاب اليمن"، وجعلوا من الأول وصيًا على جميع الطلاب، في حين استهدفوا الأخير واعتقلوا أعضائه، ولاحقًا أوقفوا نشاطه بشكل نهائي.

 

وعلى ذات النهج جرى ملشنة جامعة صنعاء؛ التي خرجت مؤخراً من قائمة التصنيف العالمي لجودة التعليم كنتيجة طبيعية لهذا العبث المستمر إلى اليوم، والذي شمل الجامعات الحكومية والخاصة على حد سواء.

 

يرتبط "ملتقى الطالب الجامعي" مباشرة بنائب وزير التعليم العالي في حكومة الحوثيين، علي يحيى شرف الدين، الذي يمد القادة بالخطط والتعليمات التي يتوجب أن تُطبق في النشاطات التي تُقام في الجامعات الحكومية والخاصة، وفقًا لحديث ريدان المطري، أحد أعضاء المُلتقى.

 

وقد تأسس الملتقى في جامعة صنعاء خلال 2015، لينضم له الكثير من طلاب الشمال، بفعل موجة الاستقطاب الطائفي، والسلالي، التي يمهد الحوثيون من خلالها لإعداد جيل جديد موال لفكرهم، وتستهدف محافظات شمال اليمن على وجه الخصوص، كونها الحاضن الوحيد للفكر الزيدي. وعادة ما يتماهى عدد كبير من طلاب هذه المحافظات مع التكتلات الحوثية داخل الجامعة، ذلك أنهم غالباً ما يكونون مؤدلجين بشكل مسبق.

 

ملشنة

 

وعوضًا عن ممارسة مهامهم وفقًا للقوانين الممنوحة للاتحادات الطلابية، تجدهم يعملون بأهداف وروئ خاصة بهم؛ مانحين أنفسهم صلاحيات تشمل الوصاية الأخلاقية على الجميع، دكاترة وطلاب. وهو دور يتجاوز صلاحيات رئيس الجامعة ذاته، لكنهم وُضعوا لهذه المهمة بالذات، ليكونوا السلطة الأعلى داخل الجامعات، وأداة حوثية لتغيير الهوية الثقافية للجامعات، ذلك أنهم يعتبرون الجامعات مصدر خطر على أيديولوجيتهم، ويخشون من نزعة الاستقلالية داخلها.

 

انتهاكات

 

تذكر أبرار محمد (طالبة في كلية التربية) موقفا مهينا تعرض له مصور حفل التخرج خاصتهم، وتؤكد لـ"الموقع بوست" أن المصور تعرض للاعتداء من قبل أحد أفراد الملتقى، كونه يستخدم خاصية التقريب أثناء قيامه بتصوير الطالبات. وقد اتّهم عضو الملتقى المصور بأنه يتعمد أخذ لقطات تسيء للطالبات، بينما تؤكد أبرار أن المصوّر كان يقوم بعمله لا أكثر، وخاصية التقريب هي من صميم عمله الفني كمصوّر.

 

وتشير أبرار إلى أن عضو الملتقى وبعض زملائه باشروا المصوّر بالضرب، بعد أن حذروه من أخذ صور مقربة للطالبات، وقد رفض المصور ذلك كونه يمارس شيء بدهي في عمله.

 

وتوضح أنهم أبلغوا قيادة الملتقى بالأمر، لكنهم لم يتخذوا أية إجراءات عقابية ضد صاحبهم المعتٙدي، واكتفوا بالصمت، وتطمينات فارغة.

 

من جهته، يقول الدكتور مراد العزاني (أستاذ مساعد في كلية التربية، جامعة صنعاء) إن هذا السلوك غير المسؤول، يكشف إلى أي حد وصلت الفوضى والملشنة داخل الجامعة، واصفًا أعضاء الملتقى بالجهلة المتعصبون، ذلك أنهم يحاولون ممارسة وصاية أخلاقية قسرية داخل الجامعة، بينما هم محتقنون بالعنف والحقد.

 

وهذا الحدث إحدى حالات الانفلات السلوكي التي يمارسها هذا الملتقى ضد الجميع داخل جامعة صنعاء، إلى جانب ملاحقة الطلاب في نواياهم وأفعالهم، وممارسة الرقابة على الدكاترة لتتبع آراءهم السياسية، ومواقفهم من الصراع، إضافة إلى ممارسة الاستقطاب، والتحشيد، والتحريض الطائفي، وأشياء أخرى كثيرة، غدت معها جامعة صنعاء ذات لون واحد، بعد أن كانت صرحا للتنوع والاختلاف، حاضنة الانتماءات والأفكار والأراء المتابينة بوئام جنبًا إلى جنب.

 

استقطاب

 

ويقوم "ملتقى الطالب" باستقطاب الطلاب المستجدين، وإلحاقهم بدورات ثقافية في مقراته خارج الجامعة، ومن خلال هذه الدورات يتم تهيئة الطلاب لتقبل فكرة الحوثي، بعرض مظلومية الجماعة أثناء الحروب الست، والزعم أنها تحمل رسالة تصحيحية هدفها إعادة الاعتبار لليمنيين كشعب ودولة، والتخلص من الهيمنية السعودية على اليمن، بحسب إفادة هيثم المنتصر، طالب في كلية الشريعة والقانون.

 

يقول المنتصر، وهو أحد الذين التحقوا بتلك الدورات، إنها تتضمن في المراحل المتقدمة منها تعريف الطلاب بالمنهج الفكري للحوثيين، إضافة إلى خضوعهم لفترات تعبُد يرافقها الصيام، وهي مرحلة التهيئة لتقبل فكرة الخروج للجبهات، تتبعها بشكل مباشر، مرحلة عرض فكرة الجهاد. يشرح المنتصر بالقول: "يقوم المحاضرون بتضخيم القيمة الدينية للجهاد في نفوس الطلاب، ويزعمون أنها غاية فكرهم، الذي يقاتل أمريكا، ليتم بعد ذلك إلحاق الطلاب بدورات عسكرية، ثم تجنيدهم في الجبهات".

 

حيلة مُراوِغة

 

ويشير المنتصر، الذي التحق معهم بدافع الفضول، إلى أن المنظِّمين لتلك الدورات يسمحون للطلاب بانتقاد سلوك الحوثيين، وإبداء تحفظاتهم بالعموم تجاه الجماعة. إضافة إلى أنهم يتعاملون مع الطلاب بانفتاح تام أثناء النقاش، ويجيبون على كافة تساؤلاتهم. لكنها حيلة مُراوِغة -يقول المنتصر- يمارسها الحوثيون بهدف التأثير في الطلاب، الذين ينبهرون بدورهم من هذا الانفتاح، وتتبدد انطباعاتهم السيئة عن الجماعة، ويتحمس البعض منهم لفكر الجماعة.

 

يوضح المنتصر أن الطلاب يلتحقون في تلك الدورات بدافع الفضول، كما حدث معه، ويكونون في الغالب من فئات معينة بالمجتمع، لها آراء محايدة تجاه الحوثيين، فتجدهم، إما هاشميين غير موالين للجماعة من قبل، أو طلاب قادمون من أرياف صنعاء، عمران، وذمار، وهي المحافظات الحاضنة للمذهب الزيدي، الذي يدعّي الحوثيون تمثيله، فينتهي الحال بالبعض من هؤلاء الطلاب مناصرين للفكر الحوثي.

 

تجنيد الطلاب

 

وعن مشروعية هذا الأمر، يقول أكرم الشمذي (أحد أعضاء الملتقى) إنهم يقومون بنشاط قانوني، هدفه خدمة الطالب، وهو ادعاء ينفيه سلوكهم تجاه الطلاب، والمتمثل في ممارسة دور الرقيب القانوني والأخلاقي داخل الجامعة. وحول تجنيد الطلاب يقول إن الملتقى يقوم بدوره في نشر قيم الجهاد والتضحية داخل الجامعة، وهو لا يرى مشكلة في التحاق بعض الطلاب بجبهات القتال. ويقول إن «المُلتقى» لا يرغمهم على ذلك، "نحن نرشدهم وهم يُبادرون بالتطوع للجهاد".

 

مؤخرا،ً رفع "ملتقى الطالب" يافطة كبيرة على الحائط الأمامي لمبني السكن الطلابي غطت طوابقه الثلاثة، بطول ثمانية أمتار، وعرض امتد لخمسة. قال إنها لشهداء الجامعة. وتتضمن اللوحة ما يقارب السبعين صورة، لطلاب منتسبين لجامعة صنعاء، قتلوا في جبهات القتال الحوثية قبل أن يُكملوا تعليمهم في الجامعة.

    

أنشطة طائفية

 

لا يقوم "ملتقى الطالب" بتنظيم فعاليات علمية تفيد الطلاب، في المقابل تجدهم متفانين في تنظيم الفعاليات الاحتفائية للمناسبات الخاصة بالحوثيين في الجامعات الحكومية والخاصة على حد سواء، والتي غدت ساحة للاستقطاب، ولترويج الفكر الطائفي دون أي اعتبار لمكانتها، فقد أضحت صروحا بائسة لإقامة المناسبات الحوثية المختلفة، منها: يوم الشهيد، ويوم 21 سبتمبر، ويوم مولد الرسول، وغيرها..

 

توسع مدروس

 

ينتشر تكتل "ملتقى الطالب الجامعي" في الجامعات الخاصة أيضًا، وقد وفرت له مكاتب داخل أروقتها ليمارس نشاطاته التي لا تمت لمهام الاتحادات الطلابية بشيء، لكنها لا تملك خيار الرفض، بحسب الأستاذ حسام الشرعبي (مدير شؤون الطلاب بجامعة الرازي)، الذي اكتفى بهذه الجملة لدى سؤالنا له: كيف تسمحون لتكتل طائفي في جامعتكم أن يمثل اتحاد الطلاب دون أية معايير؟

 

ويبدي الكثير من طلاب الجامعات الحكومية والخاصة رفضهم لتكتل "ملتقى الطالب"، ويقولون إنه لا يمثلهم، بحسب معاذ فارس (طالب تخدير في جامعة الرازي).

 

احتكار المشهد

 

يقول فارس لـ"الموقع بوست" إن "ملتقى الطالب" يحتكر حق الطلاب في ممارسة الأنشطة داخل الجامعة، ويخترق أي نشاط مستقل ليقحم اسمه فيه بحجة أنه يمثل كافة الطلاب. ويؤكد أن أغلب الطلبة رافضون لهذا السلوك الاحتكاري الذي يمارسه هذا التكتل الذي يستفرد بالمشهد لنفسه، لكنهم لا يملكون حيلة لمجابهته. يقول فارس إن الكثير من الطلاب عزفوا عن القيام بأية نشاطات أو الانخراط فيها، لأنهم لا يشعرون باستقلاليتهم في العمل.

 

يكشف فارس أن الجامعة التي يدرُس فيها، وهي جامعة الرازي، تتكفل بدفع تكاليف النشاطات التي يقيمها الملتقى، وتقوم بتمويل كافة فعاليات المناسبات الخاصة بالحوثيين، التي تقام داخل الجامعة.

 

وقد أكد طلاب منتسبون لجامعات خاصة مختلفة في صنعاء، أن ميزانية "ملتقى الطالب" تدفع من هذه الجامعات. ما يعني أنه إجراء إلزامي على الجامعات الخاصة كافة، الأمر الذي رفض تأكيده أو نفيه لنا مسؤولون في عدة جامعات خاصة بصنعاء.

 

رفض طلابي

 

ويتشارك طلاب الجامعات الحكومية والخاصة شعور الرفض ذاته تجاه هذا التكتل، الذي يرونه دخيلا على الحياة الجامعية، وينبذون أعضاءه "كونهم فئة طبقية داخل المجتمع الطلابي"، ترفض التماهي مع الجمع من جهة، وتدعّي أنها تمثله من جهة أخرى، وفق تعبير جمال مُحرّم (طالب صيدلة في جامعة الناصر). 

 

يقول محرّم لـ"الموقع بوست": «اختنقنا» ما إن تتحدث إلى زميلة لك حتى تجد أحدهم يهرع إليك ويبادرك: هذا حرام وهذا حلال. ويوضح أن الطلاب يرفضون أمر الوصاية الأخلاقية من أي تكتل كان، ويرى أن ما يقوم به أفراد "ملتقى الطالب" ينتهك حرية وخصوصية الطلاب.

 

لا يتساوى سلوك الوصاية الأخلاقية الذي يمارسه "مُلتقى الطلب" في الجامعات الحكومية والخاصة على حد سواء، فعلى الرغم من أسلوبهم اللطيف في النصح في الجامعات الخاصة، فإنهم يلجؤون لمنع الاختلاط بشكل قسري في جامعة صنعاء، وهو تباين قد يعود في جزء منه إلى خشية الحوثيين بشكل مضاعف من حراك الطلاب في الجامعات الحكومية، الأمر الذي يدفعهم إلى ممارسة المزيد من الرقابة والضغوط على طلابها.


التعليقات