مع كورونا.. أطباء اليمن تحت المجهر بين المسؤولية والواقع (تقرير)
- خاص الأحد, 03 مايو, 2020 - 10:35 مساءً
مع كورونا.. أطباء اليمن تحت المجهر بين المسؤولية والواقع (تقرير)

[ فرق صحية لمواجهة كورونا باليمن ]

يسخرون منا لأننا حسب وصفهم "هربنا"، ويتداولون في مواقع التواصل الاجتماعي صور أطباء من بعض المستشفيات، هكذا يقول بمرارة أخصائي أمراض الباطنية (م.أ) الذي فضل عدم ذكر اسمه وهو يروي ما يحدث معهم هذه الأيام بعد انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) في اليمن.

 

وقال لـ"الموقع بوست": "يتصل بي المرضى يسألون عن موعد دوامي في العيادة، وحين أخبرهم أني في إجازة كإجراء احترازي من فيروس كورونا، يردون بصوت ساخر وضحك: هربتم؟ ومن سيعالجنا؟".

 

منذ الإعلان عن تسجيل حالات مصابة بكورونا في عدن وحين كان يتم الاشتباه بإصابة حالات، كان الناشطون والمواطنون يتداولون صورا ومقاطع فيديو لبعض المستشفيات التي كان يخرج طاقمها وموظفوها إلى خارجها عقب وصول أحد المرضى الذين يعانون من ضيق تنفس.

 

ويضيف (م.أ): "نحن نتأذى نفسيا حين نسمع كل ذلك من المرضى، وحين نقرأ التعليقات والمنشورات التي تحمل الطبيب ما لا يطيق"، وتابع: "نحن أيضا نتساوى مع المرضى، فإن أصيب أحدنا بالوباء لن يجد أي مساعدة وسيكون مصيره الموت إن ساءت حالته، فلا يوجد مستشفيات قادرة على استيعاب إصابات كثيرة".

 

انتقادات لاذعة

 

على إثر ذلك هاجم البعض الأطباء والممرضين لعدم تقديمهم يد العون للمرضى، خاصة بعد وفاة عدد من الحالات في عدن، الأمر الذي أعقبه صدور قرار من النائب العام الدكتور علي الأعوش قضى بالتحقيق في ملابسات وفاة البعض الذين كانوا بحالات طارئة بعد رفض مستشفيات في عدن استقبالهم خشية الإصابة بكورونا.

 

ويبرر أطباء تحدث "الموقع بوست" إليهم أنهم يفتقرون لأدنى التجهيزات وطرق الحماية من الوباء، ولم يلتفت أحد إلى نداءاتهم.

 

عدم إدراك الواقع

 

وبرغم عدم وجود الإمكانيات الضرورية لحماية الأطباء والممرضين والعاملين في المستشفى، إلا أن كثيرا منهم ما زالوا يعملون في مختلف المحافظات.

 

ويؤكد أخصائي الطوارئ والكوارث والحالات الحرجة في مستشفى الثورة بصنعاء جمال عبد المغني أن الأطباء جميعهم مستعدون للقيام بواجبهم في هذا الظرف العصيب الذي تمر به اليمن.

 

وطالب -في حديث مع "الموقع بوست"- بتوفير معدات الحماية للأطباء والعاملين في القطاع الصحي، الذين هم خط الدفاع الأول في مواجهة المرض، مؤكدا أنهم يعملون بدون أي وسائل حماية ومعرضون لخطر الإصابة في أي لحظة.

 

وأضاف عبد المغني: "لا تطالبوهم بالتضحية وأنتم استخسرتم عليهم معدات حماية لا تتعدى قيمتها 10000 ريال".

 

وتابع: "الأطباء مستعدون لبذل أرواحهم في سبيل أن تكونوا بخير، لكن في نفس الوقت حياة الطبيب ليست رخيصة لدرجة أنها لا تساوي أكثر من قيمة معدات حماية.. في النهاية الطبيب لديه عائلة وزوجة وأب وأم ينتظرون عودته سالما معافى، ولسنا ملزمين بالتضحية في سبيل أحد إذا لم يتم توفير معدات الحماية لنا".

 

وختم حديثه بقوله بشكل مقتضب: "الأطباء درعكم الواقي إن سقطوا ستسقطون جميعاً".

 

قلة وعي وتكتم

 

في حين لا تلوم طبيبة في مستشفى الثورة بصنعاء (فضلت عدم ذكر اسمها) انتقاد المواطنين لزملائها، فهي كما تعتقد أن الناس لا يعرفون ماذا يعني فيروس كورونا، ولا ماذا يحتاج الطبيب ليحمي نفسه، مؤكدة أنهم لا يستطيعون عمل شيء بسبب افتقارهم لوسائل حماية أنفسهم أثناء عملهم.

 

واستغربت -في حديثها مع "الموقع بوست"- من تكتم السلطات بصنعاء وعدم توضيحها ما يجري، مشيرة إلى وجود تحركات مريبة تقوم بها كإغلاق شوارع هناك ربما تعني وجود إصابات بكورونا.

 

وتطرقت إلى تكذيب بعض المواطنين للأطباء بشأن كورونا، وأرجعت ذلك إلى عدم ثقتهم بالطبيب اليمني والخدمات الصحية حتى قبل كورونا، إضافة إلى خوف الناس من الفيروس وعدم تصديقهم وجود وباء.

 

وحثت الحكومة والسلطات والمختلفة على التوقف عن تسييس كورونا، والعمل على توعية الناس بخطورته، مؤكدة أن المواطنين لا يستطيعون تحميل السلطات المسؤولية كونها لا تقدم لهم شيئا فيضطروا لتحميل الأطباء كل المسؤولية.

 

الخوف من الوضع الحالي

 

ويعمل في المستشفيات عدد كبير من الموظفين في مختلف المجالات، بينهم أطباء المختبرات منهم أحلام عبد الملك التي تتحدث عن خوفهم أثناء العمل من انتقال العدوى لهم من المصابين بكورونا.

 

وتابعت لـ"الموقع بوست" أن الكثير مستعدون للعمل إن توفرت وسائل حمايتهم، فلا أحد يريد أن يرى أهله يعانون أمام عينيه.

 

واستدركت قائلة: "لكن لا ألوم من يرفض العمل لعدم وجود إمكانيات، أو حتى في حال وجودها، فمن سيصاب في ظل الوضع الصحي الهش في اليمن، لن يجد من يقدم له يد العون لافتقارنا للمستشفيات الكافية لاستيعاب تبعات مثل هذا الوباء الذي عجزت عن مواجهته كل الدول".

 

ردود أفعال

 

وأثار ترك الأطباء المستشفيات وإغلاق بعضها أبوابه لعدم قدرتهم على استقبال أي حالات مصابة بكورونا، ردود أفعال عديدة من قِبل ناشطين وصحفيين وكتاب ومواطنين في مختلف منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.

 

فالناشط طارق الأثوري انتقد من يتحاملون على الأطباء بسبب طريقة تعاملهم مع فيروس كورونا، وقال إن الكادر الطبي هو الفصيل المتقدم الذي يكافح هذا المرض وغيره من الأمراض، فتخيل أن تلقاهم مع عشرات المرضى يوميا دون وسائل وقاية في حدها الأدنى.

 

وأشار إلى أن أبسط الاحتياجات الضرورية غير موفرة لهم، "كمن يضع شخصا بصدر عاري أمام مدرعة"، حسب تعبيره، مطالبا بتوفير ما يلزم ليقوموا بدورهم.

 

 

الأخوة الذين يتحاملون على الأطباء حول تعاملهم مع كورونا. الكادر الطبي هو الفصيل المتقدم الذي يكافح هذا المرض وغيره من...

Posted by ‎طارق مكرد‎ on Friday, May 1, 2020

 

وأكد الأثوري أن كل طبيب نخسره نفقد أهم مقاتل ضد هذا الوباء وكنتيجة نخسر عشرات المرضى بهذه الجائحة أو بغيرها من الأمراض، مضيفا "المليارات التي تنفقها الأطراف المتصارعة لصناعة الموت، انفقوا 10% منها للحفاظ على الحياة".

 

وهو ما يتفق معه الناشط أسامة المحويتي الذي كتب: "الحقيقة أن موقف الأطباء صعب، انسحابهم خيانة ولعنة تأريخية، ومزاولة أعمالهم في التصدي لكورونا مغامرة كبيرة قد تقضي عليهم وعلى أسرهم في ظل عدم توفر أدنى معايير وأدوات السلامة".

 

 

الحقيقة أن موقف الأطباء صعب. انسحابهم خيانة ولعنة تأريخية، ومزاولة أعمالهم في التصدي لكورونا مغامرة كبيرة قد تقضي عليهم وعلى أسرهم في ظل عدم توفر أدنى معايير وأدوات السلامة. ما هو الحل من وجهة نظرك؟

Posted by ‎أسامة المحويتي‎ on Friday, May 1, 2020

 

السياسي عدنان العديني من جهته حاول تشجيع الأطباء على أداء عملهم، ورأى أن "الأطباء آخر السياجات الوطنية في معركة كورونا، وكل طبيب هو بطل قومي يخوض بروحه معركة إنقاذ المجتمع، وبطولاتهم هنا لا تقل عن بطولات المقاتل في الجبهات".

 

 

الاطباء اخر السياجات الوطنية في معركة كورونا ، كل طبيب هو بطل قومي يخوض بروحه معركة انقاذ المجتمع وبطولاتهم هنا لا تقل...

Posted by ‎عدنان العديني‎ on Friday, May 1, 2020

 

وتابع: "نعم هناك نظام صحي مهلهل وغير متماسك، لكنكم وحدكم يعلم ماذا يعني أن يفتقدكم الناس حيث يتوقعون وجودكم"، وقال: "كل التحية للأطباء وهم يتقدمون صف الحماية والدفاع عن مجتمع خذله الجميع".

 

بدوره الكاتب والطبيب مروان الغفوري ذكر أن ما تخوف منه في البداية يبدو في طريقه إلى التحقق، خاصة بعد ترك أطباء أماكنهم.

 

وقال إن "المنظومة الصحية بلا سند، إذ هي محاطة بتنظيمات فاشية مسلحة (الحوثيون والانتقاليون)، وفي الوقت ذاته يلزم الجميع المنازل ويطالبون الطبيب بالخروج إلى الجبهة (لمواجهة كورونا)، وهو يفتقر لأبسط وسائل الحماية الذاتية أبرزها المعلومة".

 

وأضاف الغفوري: "من خبرتي الشخصية فإن شكل الحياة داخل المشافي يتغير بشكل راديكالي، ويحل الوسواس محل المعرفة وتصبح مهنة الطبيب مهنة خطرة. تخيل نفسك، كطبيب، وأنت عائد إلى منزلك مع احتمال أن تكون قد عدت بالشيطان في ثيابك لتضعه في رئة أطفالك. هذا هو شعوري اليومي خلال الشهرين الماضيين. لا توجد متعة ولا رومانسية في هذه الأجواء".

 

 

ما تخوفنا منه في البداية يبدو في طريقه إلى التحقق بدرجة ما: أن يتمكن الهلع من الأطباء فيتركوا أماكنهم. بالأمس شاهدنا...

Posted by Marwan Al-Ghafory on Friday, May 1, 2020

 

وتساءل: "بماذا يفكر الطبيب في اليمن وهو عار من كل شيء، من وسائل الحماية، من المعلومة، من الإحساس بوجود الدولة، ومن الغطاء الطبي فيما لو سقط ضحية للوباء؟ بالهرب، بالانعزال في البيت، بالخلاص الفردي؟".

 

وتم حتى اليوم تأكيد إصابة ثمانية يمنيين بكورونا، أحدهم في حضرموت تحسنت حالته، كما تم الإعلان عن وفاة اثنين في عدن، في حين يبدو الوضع في صنعاء غامضا، ولم تصدر جماعة الحوثي أي تأكيد أو نفي بشأن وجود إصابات برغم شهادات كثير من المواطنين حول إغلاق أسواق ورش منازل.


التعليقات