[ الحرب في اليمن فاقمت تسرب الأطفال من المدارس ]
محمد عبد الله أرغمته ظروف والده الصحية على ترك المدرسة ليعمل في بيع أمام مدرسته، فلم يكن يدرك أن الظروف المعيشية ستقضي على حلمه بهذه الطريقة. يقول محمد : "اتمنى العودة إلى إكمال الدراسة ولكن للأسف لم أجد من يساعد أهلي في المصاريف خاصة أن والدي أُصيب بإنزلاق بالعمود الفقري عندما كنت في الصف الثامن، حينها تمنيت أن أكون طبيباً ولكن ظروفي كانت عائقا بين تحقيق حلمي ومساعدة عائلتي".
يعد تسرب الأطفال من أبرز الظواهر الاجتماعية التي تترتب عليها منعكسات سلبية على الطالب نفسه وعلى أسرته وعلى المجتمع بشكل عام، توسعت بشكل مخيف خلال سنوات الحرب ومع ازدياد إعداد الأطفال الذين تركو التعليم ويلجؤون إلى الانخراط في سوق العمل.
الحرب.. وأثرها على التعليم
أصبح ما يقارب 2500 مدرسة غير صالحة للاستخدام نتيجة تعرضها للتدمير الكلي الذي وصل إلى 15% أو الجزئي وقد قُدّر ب 16%، حيث استخدمت هذه المدارس ثكنات للمسلحين ووقوعها في الخطوط الأمامية للقتال ما يقارب 21%، واستخدام48 % مأوى للنازحين داخلياً.
ويقول تقرير صادر عن منظمة اليونيسف للطفولة إن مليوني طفل خارج عن المنظومة التعليمية.
وأشارت دراسة حديثة للأمم المتحدة لشؤون الإنسانية التي قيمت وضع الخدمات الأساسية في اليمن، بتمويل من اليونيسف لحوالي 4.7 مليون طفل في التعليم الأساسي والثانوي – أي 81 % من إجمالي الطلاب – في حاجة إلى المساعدة لضمان استمرار تعليمهم، ويتوزعون بواقع 44.7 % فتيات و 55.3 % أولاد، ضمن الطلاب المحتاجين للمساعدة، وهناك 3.7 مليون طفل في حاجة ماسة للمساعدة التعليمية.
أسباب انتشار الظاهرة
تعتبر ظاهرة التسرب من المدارس من الظواهر والمشكلات التي تؤثر على الفرد والمجتمع، في كثير من البلدان، تعبر بلادنا واحدة من تلك البلدان، وقد زادت هذه الظاهرة في الانتشار والتوسع بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة نتيجة الأوضاع الراهنة التي تمر بها البلاد .
محمود البكاري أستاذ علم الإجتماع في جامعة تعز يرى أن ظاهرة التسرب من التعليم للأطفال ناتجة لعدة عوامل أهمها جهل الأسرة بما يعنيه ذلك وما يترتب عليه من أضرار تلحق بالطفل وبالمجتمع ككل.
في حديثه لـ"الموقع بوست" يقول البكاري إن الفقر المدقع الذي تعيشه بعض الأسر اليمنية وخاصة في ظل الحرب والإنهيار الاقتصادي أُجبرت العديد من الأسر على جعل أبنائهم يعملون بدلاً من التعليم.
ويشير إلى أن هناك عامل آخر وهو عدم وجود حافز والاحباط المنتشر بسبب عدم وجود وظائف وانتشار ظاهرة البطالة، الأمر الذي جعل التعليم ينظر له على انه غير مجدي.
من جانبه يرجع وديع المخلافي الأخصائي الاجتماعي في مركز خدمات الشباب أسباب الذي أدت لتسرب الأطفال من المدارس تعرض العديد من المدارس للدمار بشكل كلي أو جزئي نتيجة الحرب وتستخدم بعض المباني الدراسية لأغراض غير تعليمية سواء من أطراف النزاع المسلح أو كمأوى للنازحين أو غير ذلك.
ومن العوامل التي ساهمت في انتشار ظاهرة التسرب الدراسي يقول المخلافي إن "تجنيد الأطفال والشباب دون سن الثامنة عشر، وانخراط عدد كبير من هذه الشريحة في العمليات العسكرية وانقطاعهم وتسربهم من التعليم.
في حديثه لـ "الموقع بوست" يشير الممخلافي إلى أن انتشار ثقافة العنف في المجتمع بالإضافة إلى ضعف القواعد النظامية والإدارية في المدارس الحكومية، ساهم ذلك في ظهور الكثير من سلوكيات الطلبة السلبية ذات طابع العنف والفوضى وكان لذلك دوراً في انتشار ظاهرة التسرب الدراسي.
يتابع "غياب خدمات وبرامج وأنشطة الدعم النفسي الاجتماعي ساهم في انتشار ظاهرة التسرب الدراسي، حيث خلفت الأزمة القائمة في البلاد بأبعادها المختلفة انعكاسات سلبية متعددة شملت جميع جوانب حياة افراد المجتمع - من طلبة ومعلمين وأسرهم- الجسدية والنفسية والمعرفية والاجتماعية، وفي ظل غياب او شحة خدمات الدعم النفسي الاجتماعي، والذي بدوره يساهم بدرجة كبيرة في التخفيف من تلك الآثار ومعالجة الاضرار الناجمة عنها، وتلبية الاحتياجات النفسية والاجتماعية مما فاقم من انتشار الظاهرة".
العنف يجبرهم على التسرب
الدكتورة ألفت الدبعي أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز هي الأخرى ترى أن العنف سبب من جملة الأسباب التي تجعل الطالب لا يذهب إلى المدرسة وهناك مقولة تقول المدرسة للطالب وليس الطالب للمدرسة بمعنى أن المدرسة وضعت لكي تخدم الطالب وتقدم له العلم بالطرق المناسبة والتي تراعي حقوقه الانسانية وتعمل على تحبيب الطالب بالعلم بشتى الوسائل التربوية السليمة مثل التعزيز والمكافأة والتقدير وغيرها من الأساليب فعند استخدام العنف المفرط في المدارس يخلق طالب مسلوب الإرادة وتجعل منه طالب عنيف في المستقبل وغير متزن وعدواني .
تقول الدبعي في حديث لـ "الموقع بوست" كلما كان المعلم قريب من عقول وقلوب تلاميذه كلما كان الطالب متعلق بالمدرسة ويحب التعليم ومبدع وكلما كان المعلم على دراية بالفروق الفردية بين تلاميذه ويعاملهم حسب قدراتهم العقلية كلما بذل التلميذ أو الطالب الجهد لكي يتعلم ويكون عند حسن ظن معلمه لأن المعلم هنا خلق رابط الحب بينه وبين تلاميذه .
أسباب نفسية
التسرب المدرسي من أبرز الظواهر التي بدأت تنتشر بشكل كبير وتعني غياب الطالب عن المدرسة بشكل متكرر او لمدة طويلة او عدم استكمال الدراسة في مرحلة معينة أو الهروب من المدرسة بشكل متكرر، وهناك أسباب عدة ومنها النفسية.
تقول نوار المقطري أخصائية نفسية : القلق من الانفصال عن الوالدين والذهاب إلى المدرسة وإلى مجتمع جديد لا يعرفه الطفل بالإضافة إلى التدليل الزائد للطفل يجعله دائم التعلق بأمه أو الأسرة ويرفض الذهاب إلى المدرسة وإذا ذهب إليها تجده لا يريد أن يفارق والدته مما يؤدي إلى عودته معها مرة أخرى إلى المنزل.
وتضيف : الاحباط والضغوطات النفسية التي يتعرض لها الطالب من خلال الصراعات الأسرية والشعور بالنقص أو عدم الثقة بالنفس وذلك بسبب الوضع الاقتصادي والأسري والذي يظهر من خلال ملابس الطفل أو سوء التغذية لديه فيشعر أنه أقل من رفاقه فيعزف عن الذهاب للمدرسة ويذهب للبحث عن عمل لا إعالة أسرته.
وأشارت إلى أن العدوانية والعنف الذي يتعرض له الطفل من قبل المعلمين بسبب تقصير في الواجبات أو المهام الموكلة إليه تنمي عقدة عند الطالب وتجعله ينقطع عن التعليم، أو ظهور عنده ما يسمى بالخوف المرضي من المدرسة (فوبيا المدرسة) وتظهر على الطفل سمات بارزة لها وهي التردد وعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة ورفض المدرسة، وتظهر على الطفل أعراض جسمية كالتقيؤ وألم الرأس والمعدة والإسهال، فيختلق الطفل الاعذار لعدم الذهاب إلى المدرسة وأيضاً القدرات العقلية العالية للطالب والملل من المنهج أو طريقة التدريس الخاصة به تجعله يتغيب أو يهرب من المدرسة .
وتردف قائلة : الفشل الدراسي في مرحلة معينة من مراحل الدراسة تجعل الطالب لا يحب الذهاب إلى المدرسة والتقليد وحب إثبات الذات للأقران، وأنه يستطيع أن يتخلف عن المدرسة متى شاء، وتأثير الاصدقاء على الطالب والذهاب إلى أماكن اللعب أو الحدائق أو محلات الالعاب الالكترونية.
إصلاحات للحد من الظاهرة
تقول الدبعي ينبغي أن يكون هناك تنسيق تام بين وزارة التربية والتعليم المسؤولة بشكل مباشر عن عملية التسرب وبين منظمات المجتمع المدني والمنظمات الخارجية، بحيث تقوم بتقديم توصيف كامل عن المشكلة وعن إحصائيات ونسب وذكر العوائق ودراسة الحالة وتقوم بعمل فريق ميداني لزيارة أولياء أمور الأطفال الذين يتسربون عن التعليم ومعرفة ظروفهم وعمل ابحاث ميدانية علمية لمعرفة الأسباب والظروف من واقع الأسر.
وذكرت أن هذه الدراسات سوف تحدد أبعاد المشكلة وواقعها من خلال الزيارة للأسر وتصنيف هذه الأسباب ثم بعد ذلك وضع حلول وآلية لتنفيذها من أجل تطبيق هذه الحلول بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية.
ومن جانبه يقدم البكاري بعض الإجراءات التي يجب العمل عليها من أجل الحد من هذه الظاهرة هي تكاتف مؤسسات المجتمع المدني مع المؤسسات التعليمية وتقديم جزء من نشاطها لتقديم البرامج والمساعدات اللازمة للأسر لكي تعيد أطفالها إلى المدارس ومراقبة ذلك، وكما يجب على الدولة تقديم التسهيلات والإعفاءات من الرسوم الدراسية ولابد أن يقوم الإعلام بدور هام بنشر الوعي بمخاطر التسرب من التعليم.
وتقدم المقطري بعض المقترحات للحد من التسرب وهي مجانية التعليم وجعله متاح دون رسوم، بالإضافة إلى توفير الحقيبة المدرسية لكل طالب بكل مستلزماتها وتوفير الزي المدرسي للطلاب المعسرين دون إشعارهم بالحرج ومراعاة نفسياتهم وتوفير وجبة غذائية للطالب في وقت الراحة مجانية وتوفير مواصلات مجانية للطلاب الذي تبعد بيوتهم عن المدرسة.
وتواصل " مواكبة التطور العلمي بالمناهج وبطرق التدريس الحديثة واستخدام وسائل التدريس المشوقة لعرض المادة العلمية بطريقة سهلة وسلسة للطالب، وعدم استخدام العنف من قبل المعلمين على الطلاب واستخدام أساليب تربوية مناسبة في التعليم وأن لا يتحاوز عدد الطلبة المتواجدين في الفصل الواحد أكثر من ثلاثين طالب حتى يتسنى للمعلم متابعة جميع الطلاب وتوفير الجو المناسب للتعليم والعمل على إقامة أنشطة ترفيهية وتحفيزية لتشجيع الطلاب.
ودعت القائمين على التعليم بأن يقومون بتوفير الاخصائيين النفسيين والاجتماعيين لدراسة حالات الطلاب الذين يعانون من مشاكل نفسية أو اجتماعية والعمل على حلها بالتشارك مع الادارة والجهات ذات الاختصاص و توفير الفحص الدوري للطلاب من قبل طبيب المدرسة وتوفير العلاج مجانا للطالب.
يعد تسرب الأطفال من التعليم ظاهرة اجتماعية ازداد ارتفاعها في ظل الأوضاع التي تمر بها اليمن منذُ 8 اعوام، ووجد الكثير من الأطفال أنفسهم مجبرين على ترك التعليم ومع تدني التوعية بالمخاطر ونقص الحاجات أصبح الأهالي يشجعونهم على ذلك، الأمر الذي جعل الظاهرة تتفشى بكثرة وتصبح سببا في ازدياد عمالة الأطفال لدى البعض، إلا أن الظاهرة تتفشى وتزيد بازدياد الحاجة في اليمن مع سكوت كبير من طرفي النزاع الذين لا يمثل لهم الأمر شيئا مستغلين المواقف والحاجات في تجنيدهم وارسالهم للجبهات.