[ مليشيات الانتقالي المدعوم من الإمارات بعدن ومحاربة حرية التعبير ]
تصاعدت الانتهاكات ضد الصحفيين في المناطق الواقعة تحت نفوذ التحالف الحكومي متعدد الولاءات، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ بداية الحرب باليمن قبل نحو ثماني سنوات، في بلد مصنف أصلا أسوأ مكان للصحفيين، وسط صمت مثير للجدل لمجلس القيادة الرئاسي عن الانتهاكات لهامش الحريات.
وبحسب تقرير حديث لنقابة الصحفيين اليمنيين فإن الحكومة المعترف بها بكافة تشكيلاتها تصدرت قائمة المنتهكين للحريات الصحفية في النصف الأول لهذا العام، بواقع 23 حالة انتهاك بنسبة 46 بالمئة، تليها جماعة الحوثي بـ 16 حالة بنسبة 32 بالمئة، رغم توقف النشاط الصحافي المعارض والمستقل في مناطق سيطرتها بفعل القيود والقمع، فيما ارتكب مجهولون 11 حالة انتهاك بنسبة 22%.
وبهذه المؤشرات، افتتح المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا المشارك في مجلس القيادة الرئاسي النصف الثاني للعام الجاري صفحة جديدة من الانتهاكات، عندما اقدمت مليشياته على اعتقال الصحفي أحمد ماهر من أمام منزله بعدن، قبل نشر تسجيل فيديو له الأسبوع الماضي يعترف فيه تحت التهديد عن ارتباطه بتنظيم القاعدة، ويظهر عليه أثار التعذيب.
-تنديد واسع وصمت المجلس الرئاسي
وأثار المقطع الفيديو، تنديدا واسعا بين أوساط الصحفيين والمنظمات الحقوقية، داعين إلى الوقوف بمسؤولية أمام هذه الواقعة وإطلاق سراحه، وتوفير بيئة آمنة للصحفيين، بينما دشن على الفور نشطاء من الصحفيين والحقوقيين حملة الكترونية تضامنية معه على منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب اصدار منظمات حقوقية بيانات تدين أساليب التعذيب والانتهاكات الممنهجة بحق الصحفيين، والتي تهدف إلى إسكات حرية الرأي والتعبير.
واقتصر دور مجلس القيادة الرئاسي في هذه الواقعة التي حدثت في مناطق نفوذه، بتسريب معلومات بتوجيه رئيس المجلس رشاد العليمي المقيم حاليا في العاصمة السعودية الرياض بإجراء تحقيق في واقعة استجواب وتسريب فيديو للصحفي ماهر، مكلفا مدير مكتبه يحيى الشعيبي بمتابعة القضية التي تنتهك كرامة الإنسان.
ويقول المحامي والناشط الحقوقي عبدالرحمن برمان إن توجيه المجلس الرئاسي بالتحقيق بقضية اعتقال الصحفي ماهر واجباره على الظهور في فيديو يؤكد ممارسته للارهاب بالاكراه، "لا يتجاوز الورقة التي كتب عليها والحبر الذي كتب فيه"، مشيرا إلى أن المجلس فاقد السيطرة بشكل تام على المناطق المحررة خصوصا المحافظات الواقعة تحت سيطرة الانتقالي الجنوبي.
يضيف برمان لـ"الموقع بوست" أن الانتهاكات ضد الحريات الصحفية يقودها الانتقالي، بينما تعمل قيادات نافذة بقوة السلاح على فتح سجون خاصة بها وممارسة عمليات اختطاف الصحفيين والمواطنين، بسبب عدم وجود من يردعه في ظل غياب مؤسسات الدولة وضعف القضاء وتلاشي دور وزارة الداخلية في مناطق سيطرت الانتقالي.
-الانتقالي يبعد الشهود على جرائمه
ويؤكد "برمان" أنه اطلع على توجيه من قبل المجلس الانتقالي للقنوات الفضائية وشركات البث عبر الأقمار الصناعية لمنع عدد كبير من الصحفيين من الظهور في هذه القنوات وشركات البث أو نقل تصريحات لهم أو مشاركتهم عبر قنوات خارجية.
ويشير إلى أن هذه الإجراء الحديث يسعى إلى ابعاد الشهود واسكاتهم أما بالقتل والاعتقال والتعذيب، كما حدث مع أحمد ماهر أو الاغتيال أو بالتهجير من المناطق المتواجدين فيها حتى يكونوا بعيدين من الحدث، حيث يستطيعون أن ينقلوا الواقعة، مؤكدا على عدم وجود أي نفس للحريات الصحفيين، فيما يوجد صوت الانتقالي وحده أو المؤيدين والمروجين لفكرته.
وتؤكد نقابة الصحفيين أن مؤشرات تقريرها للربع الأول للعام الجاري تشير إلى استمرار حالة الإفلات من العقاب لكل مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين، وتخلي السلطات المختلفة عن مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه هذه الجرائم، فضلا عن استغلال السلطات للجهات القضائية في مضايقة الصحفيين، وجرجرتهم في المحاكم ومحاكمتهم في القانون الجنائي.
وتضيف النقابة أن ضعف مركزية الدولة في مناطق سيطرة الحكومة، وتعدد صيغ السلطات المحلية والعسكرية ساهم في استهداف الصحفيين، معتبرة استمرار جرائم اغتيال الصحفيين عن طريق التفجيرات بعدن مؤشر خطير يهدد حياة مئات الصحفيين، خصوصا مع عدم ظهور نتائج التحقيقات للجرائم السابقة التي استهدفت رشا الحرازي ونبيل القعيطي وأديب الجناني وأحمد بوصالح، ومؤخرا صابر الحيدري.
ودعت نقابة الصحفيين في تقريرها الحكومة الشرعية إلى فتح تحقيق في كل الجرائم التي تعرض لها الصحفيون، والزام السلطات العسكرية والأمنية بالتعامل اللائق والقانوني مع الصحفيين للحد من الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في مناطق سيطرتها.
-عقلية أمنية وضعف الدولة
وتعود زيادة الانتهاكات ضد الصحفيين والحريات الصحفية إلى ضعف المؤسسات القضائية بدرجة كبيرة جدا ووجود فصائل مسلحة تخضع لقياداتها ومعسكراتها بعيدا عن سلطة الدولة حتى أصبح العمل الصحفي في مناطق سيطرة الشرعية مقلق، فيما لا يوجد محافظة في اليمن إلا ومورس فيها انتهاك ضد الصحفيين، وفق رئيس منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي.
ويقول الحميدي لـ"الموقع بوست" إن العمل الحالي يقتصر على توثيق هذه الانتهاكات والتحرك إعلاميا لكشف منتهكيها، مشيرا إلى عدم وجود إجراءات محددة بإستثناء التوثيق والرصد والكشف والتعاطي الإعلامي معها، بفعل الحرب المستمرة وانهيار منظومات الحماية الداخلية، بينما الحماية الخارجية التي يفترض اللجوء إليها تأثيرها محدود.
ويؤكد أن البلد أصبحت محكومة بعقلية أمنية بدرجه أساسية حتى في مجلس القضاء الجديد المعين من مجلس القيادة الرئاسي، عندما عقد أول اجتماعاته وجه بإنشاء نيابة متخصصة للصحفيين والسوشال ميديا، بعيدا عن توضيح الخلفية القانونية التي ستستند إليها النيابة بتعاملها مع القضايا نتيجة عدم وجود قانون.
ويضيف رئيس منظمة سام أن جميع التشكيلات الأمنية غير مدربة على قضايا حقوق الإنسان، الأمر الذي جعلها تمارس الإقصاء والقتل خارج إطار القانون والاخفاء القسري والاعتقالات التعسفية، مؤكدا أن هذا أكبر الاشكاليات التي تواجه الصحفيين والنشطاء السياسيين.