الموقع بوست يزور النازحين في ميدي وينقل معاناتهم
تدمير الاتصالات في حجة يحيل حياة النازحين إلى جحيم ويضطرهم للحيلة في سبيل البقاء (تقرير ميداني)
- محمد الوافي الجمعة, 16 سبتمبر, 2022 - 02:12 صباحاً
تدمير الاتصالات في حجة يحيل حياة النازحين إلى جحيم ويضطرهم للحيلة في سبيل البقاء (تقرير ميداني)

[ تدمير الاتصالات والحصار أثر على النازحين والسكان في حرص - الموقع بوست ]

فوق كثبان رملية في صحراء قاحلة مترامية الأطراف بمديرية ميدي، محافظة حجة، شمال غرب اليمن، تعيش مئات الأسر، وسط أكواخ من القش والطين، وفي خيام متداعية على بصيص أمل أن تعود لهم أبسط مقومات الحياة.

 

وفي فناء منزل سوره من القش وأغصان الأشجار، يقف الشاب سلطان علي جربحي البالغ من العمر (28) عامًا أمام لوح من الخشب وضعه عندما انحسرت وضاقت الحلول للتواصل مع ابيه المغترب في المملكة العربية السعودية منذ عقدين من الزمن.

 

استقبال إشارة الاتصالات

 

يقول جربحي وهو يضع جهاز استقبال (انترنت) داخل كيس بلاستيكي لـ "الموقع بوست" إن أكثر من خمسة أعوام مضت وهم يعيشون في عزلة كاملة عن العالم الخارجي، يضيف: "لا اتصالات ولا شبكة انترنت، وليس بمقدورنا التواصل مع أهالينا وأصدقائنا في المحافظات الأخرى"، مؤكدًا على أن "جميع أبراج الاتصالات جرى تدميرها بفعل الحرب".

 

 

يواصل جربحي وهو يقوم برفع جهاز الاستقبال بواسطة حبل إلى أعلى قمة اللوح الخشبي الذي يبلغ ارتفاعه نحو (6) أمتار قائلاً " هذه وسيلتنا الوحيدة لكي نستطيع استقبال وإرسال الرسائل الصوتية والمكتوبة، بالإضافة إلى الصور من أهالينا وأحبائنا".

 

وأشار جربحي إلى أنه " لم يلتقى بوالده منذ بداية الحرب، جراء الحصار المفروض عليهم من قبل جماعة الحوثي، واستمرار وتيرة المعارك حول المنافذ البرية، التي أحالت دون قدرتهم للوصول إلى مناطقهم وسط عزلة وتوقف تام لجميع أبراج الاتصالات".

 

حرب الاتصالات

 

اكتسب قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات أهمية بالغة كأحد أدوات الصراع في اليمن، الرازح تحت وطأة الحرب التي تشنها السعودية والإمارات منذ قرابة ثمانية أعوام، وهو أحد القطاعات الحيوية التي تمثل مصدر دخل قومي للبلد، وخدمة من الخدمات الأساسية في الوقت الراهن.

 

جرى السيطرة على هذا القطاع من قبل جماعة الحوثي التي على عدة محافظات من بينها العاصمة صنعاء في سبتمبر أيلول 2014 والتي يتواجد فيها أغلب القطاعات السيادية، ومنها البنك المركزي، ووزارة الاتصالات والمعلومات، ونتيجة لذلك حصلت الجماعة المتمردة على موردًا اقتصاديًا وعسكريًا في حربها مع الحكومة المعترف بها دوليًا.

 

 

 ويعد قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات أحد أهم الموارد الاقتصادية بعد قطاع النفط، إذ تشير التقديرات إلى أن الصراع قد تسبب في خسائر مالية كبيرة بلغت حوالي 4.1 مليار دولار وفقًا لتقرير صادر عن مركز صنعاء للدارسات الإستراتيجية "غير حكومي" في 11 يناير من العام الماضي تحت عنوان "آثار الصراع على قطاع الاتصالات في اليمن".

 

ووسط الاستحواذ والخسائر الاقتصادية لهذا القطاع، تتفاقم معاناة ملايين النازحين والعائدين إلى بيوتهم بعد أن أحالت الحرب مناطقهم إلى خراب، فضلاً عن العزلة المتواصلة مع العالم الخارجي.

 

حيل للاتصال والتواصل

 

يقوم السكان البالغ عددهم أكثر من (4200) أسرة ثلثهم من النازحين بالمديريات الحدودية مع المملكة العربية السعودية، الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا بوضع أعمدة مختلف الاشكال والارتفاعات فوق المنازل، وبالقرب من الأكواخ المبنية من القش والطين، لاستقبال التغطية من أبراج الاتصالات الدولة المجاورة.

 

 

ويصل أقصى ارتفاع لبعض الأعمدة من أجل الحصول على إشارات التغطية من أبراج الاتصالات المجاورة (السعودية) حوالي (15) مترًا، ويوضع جهاز استقبال داخل كيس أو وعاء بلاستيكي أعلى قمة العمود ويتم رفعه بواسطة حبل.

 

 

مكابدة الحزن

 

يكابد مرارة المعاناة يوسف محمد موسى على أمل أن تعود الفرحة إلى عائلتيه، بعد رحلة غيابه عن أمه وأشقائه الأربعة، لأكثر من ستة أعوام.

 

يقول موسى وهو في منتصف العقد الثالث من عمره لـ "الموقع بوست" "وصلني خبر وفاة خالي الأكبر بعد أسبوع من وفاته، لازال الحزن عميقًا في قلبي منذ ذلك اليوم، وهمًا يورق حياتي على أمي"، مشيرًا إلى أن " الدمار الذي لَحِق بأبراج الاتصالات جراء الحرب ناهيك عن الحصار المفروض عليهم، شكل عائقًا وتحديًا أمام الأهالي في التواصل مع اقربائهم في المناطق المجاورة".

 

 

يوضح موسى وهو بداخل سيارته التي تهالكت بفعل الزمن إلى أن السكان في هذه القرى المبعثرة عادوا إلى الطرق التقليدية في الأفراح والمناسبات لإبلاغ الضيوف بموعد المناسبة.

 

وتمر عملية البحث عن تغطية "ذبذبات الاتصالات" بمراحل بدءًا بتأمين عمود من باقي المنازل المدمرة سوءاً من الخشب أو البلاستيك ووصولاً إلى البحث عن مكان مناسب لألتقط إشارات الأبراج المجاورة، وتستغرق هذا العملية يومان في احسن الأحوال وقد تصل إلى أكثر من ذلك.

 

معاناة مضاعفة

 

في الضفة المقابلة لمنزل موسى، ينهمك الطفل شوعي أبكر أحمد البالغ من العمر (14) عاماً في التواصل مع أخته يومياً، بعد أن فقد أخيه في الـ13 من أغسطس 2020 جراء السيول القادمة من المناطق الجبلية، والتي أدت إلى تدمير أكثر من (230) منازلاً بمديرية ميدي الساحلية.

 

 

وبعد قرابة العامان من الحادثة التي شكلت صدمة نفسية له، يقول أحمد لـ "الموقع بوست" إنه "كان بالإمكان تقليل الخسائر التي لحقت بنا لو كانت أبراج الاتصالات تعمل ولم تدمر بفعل الحرب"، مؤكدًا على أن "جميع الأسر بمن فيهم أسرة أخيه لم يعلموا بالسيول الجارفة إلا عند اقترابها من قراهم مع دخول منتصف الليل وهم نيام".

 

اتهامات متبادلة

 

وتتهم السلطات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا بمحافظة حجة المتمردين الحوثيين باستخدام الاتصالات كإجراء عقابي لعزل ومحاولة اخراج السكان في المديريات الحدودية مع المملكة العربية السعودية لتحويل مناطقهم إلى ساحات حرب إضافة إلى تدمير أكثر من (10) أبراج اتصالات كانت تغذي هذا المناطق.

 

 

 وكانت قوات أمنية في محافظة عدن (جنوب البلد) أغلقت مؤخراً، المراكز التابعة لشركة "يو" لخدمات الهاتف النقال، التي استحوذت على أصول وحدة شركة "إم تي إن" الجنوب أفريقية قبل انسحابها من اليمن، الأمر الذي أدى إلى انقطاع وتوقف الخدمة عن مشتركي الاتصالات في هذه المحافظة.

 

ويقدر عدد المشتركين في خدمة الهاتف النقال في اليمن بنحو 18.6 مليون مشترك بحسب الأرقام الواردة من وزارة الاتصالات والمعلومات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.

 


التعليقات