[ المحللون تطرقوا لدوافع الانتقالي وفندوا ما يسوقه من مبررات ]
يخوض المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا عمليات عسكرية في المحافظات الشرقية لليمن، لاستهداف ما اسماها بـ" القوى الإرهابية" التي تهدد القوات الجنوبية.
بدأت تلك العمليات مطلع أغسطس الماضي في شبوة، وانتهت بضرب قوات الجيش النظامية، وإخراجها من المحافظة، بعد أحداث دامية، وبمساعدة الطيران الإماراتي، الذي تدخل وحسم المعركة لصالح قوات الانتقالي.
مساء الاثنين 22من أغسطس أعلن المجلس الانتقالي عن عملية عسكرية أطلق عليها "سهام الشرق"، وقال إنها تهدف لإخراج قوى الارهاب من أبين، والسيطرة على ما تبقي من المناطق في المحافظة، وهي المناطق التي تسيطر عليها قوات الجيش والامن.
وبالرغم من توجيهات رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لـعضو المجلس عيدروس الزبيدي بإيقاف العملية التي أعلن عنها إلا أن الانتقالي المدعوم من السعودية والامارات مضى في تمرده، ونفذت قواته عملية انتشار واسعة بمناطق شقرة وأحور، وقابلها عملية انسحاب لقوات الجيش في تلك المناطق، بفعل توجيهات وزارة الدفاع اليمنية.
حرب عيدروس الزبيدي
تلك التحركات جاءت من رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي الباقي في عدن، وبتنسيق مباشر مع التحالف العربي كما يردد إعلام الانتقالي، وهي تحركات تتعلق بقرار الحرب والسلم، والتي هي من مهام رئيس الجمهورية، والبت فيها يكون بالإجماع في تمرد واضح على توجيهات رئيس المجلس القيادي، وآلية نقل السلطة التي جرى الإعلان عنها في 7ا بريل الماضي.
الجدير بالذكر أن المجلس الانتقالي يعلن وراء كل عملية عسكرية يقوم بها على انها تهدف لمحاربة الإرهاب، وملاحقة العناصر الإرهابية، لكنه يذهب للسيطرة على مناطق الجيش، ويتعمد مهاجمتها وقتالها، ويقوم بإخراجها من مناطق سيطرتها بمساعدة طيران الجو الاماراتي حليف السعودية في حرب اليمن، وكان أبرزها أحداث عدن في أغسطس 2019م، وأحداث شبوة وأبين في أغسطس الماضي.
منعطفا جديدا للفوضى
اعتبر المحلل الساسي محمد العامري العمليات الاخيرة للانتقالي في شبوة وأبين وتوجهها نحو المحافظات الشرقية تحت مظلة مكافحة الارهاب منعطفا جديدا للازمة اليمنية.
وقال العامري لـ "الموقع بوست" إن الأزمة اليمنية تدخل منعطفا آخر، عنوانه المزيد من الفوضى والإرباك لما تبقى من الشرعية، بأوامر إماراتية، عبر أدواتها، وبغطاء سعودي.
وأوضح إن تلك المعطيات مع ذلك المؤشرات تقول إن الامور لن تستقر وتؤسس للفوضى والصراع ومزيد من الفرقة والتمزق، وبأن هناك ثمة مقاومة من جهة، وصراع بيني من جهة أخرى، أي بين المليشيات والتشكيلات التابعة للإمارات.
وكان تجمع القوى المدنية الجنوبية أعلن رفضه القاطع للعملية العسكرية التي أطلقها الانتقالي في أبين، ووصفها بـ الخطوات الاحادية والمشبوهة، وبأنها تؤسس لفوضى جديدة، وتأتي فقط لتلبية أوامر الوحدة الخاصة، في إشارة للخلية الإماراتية التي انكشف الحديث عن دورها مؤخرا.
هروب من تحرير اليمن وفوضى عامة
واعتبر عضو المجلس المحلي بمحافظة شبوة "تركي عمر باشيبة" الحرب التي أطلقها الانتقالي باسم الإرهاب بانها حرب عبثية، وتأتي هروبا من حرب تحرير اليمن من الانقلابيين الحوثيين.
وقال باشيبة لـ الموقع بوست "الحرب التي أطلقها الانتقالي باسم الإرهاب هي في الواقع عبثيه، وهروب من حرب تحرير اليمن من الانقلابيين، وامتداد هذه الحرب في المناطق الشرقية هي في الحقيقة أثارت النعرات، والثارات القبلية، التي سنحصد عواقبها بعد حين".
وأضاف باشيبة" ما أطلقه الانتقالي من عمليه تحرير الجنوب من الإرهاب إنما هي عملية إرهابية حصدت ارواح الأبرياء، ودمرت البنية التحتية، وجعلت الفوضى تعم المديريات من بلطجة، واعتقالات وتعسفات عنصريه، ومناطقية، بما تعنيه الكلمة بالإضافة الى انتشار المظاهر المسلحة وبيع السلاح بجميع أنواعه".
وتابع "أصبحت عواصم المدن التي تحت سيطرة الانتقالي تحمل داخلها ثكنات عسكرية، وكأنك في معسكر وليس في عواصم يفترض أن تكون خالية من السلاح، أما المديريات الاخرى فيسود فيها النهب، وتعيينات وتوزيع للرتب العسكرية على الأطفال والبلاطجة، وكل هذا بمباركة إماراتية كبيرة جدا، وإشراف مباشر منهم".
تمزيق النسيج الاجتماعي
رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية "عبد الكريم السعدي" اعتبر ما يقوم به المجلس الانتقالي من تحركات أخيرة يهدف لتمزيق النسيج الجنوبي والنسيج الاجتماعي في شبوة وأبين إلى جانب عدن، وفتح أبواب للصراع لن تنتهي، خصوصا في المناطق القبلية، وبأوامر من الوحدة الاماراتية".
وحمل السعدي رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي المسؤولية في كل ما يحصل اليوم، كونه جاء من تيار سياسي، أما البقية أغلبهم عبارة عن عصابات تشكلت لخدمة أجندات معينة، تتمثل في السيطرة على منابع النفط والغاز والجزر والمنافذ البحرية، وعلى الشريط الساحلي اليمني، حسب وصفه.
وأشار السعدي إلى إن القوى التي في ظل المجلس الانتقالي وتخدم توجهه، لم تلتقي بالحوثي ولم تقاتله، وجميع القوي التي حاربت الحوثي وحررت عدن تم تهميشها واقصائها وبعضها تم ادخالها السجون بتهم مصطنعة كـ الارهاب وغيرها من التهم الجاهزة .
غابة موحشة وممارسات مناطقية
سالم بن جدنان النهدي مستشار وزير الداخلية بدوره أعتبر ما اطلق عليها سهام الشرق ب "سهام السرق" لما خلفته هذه العملية من نهب وتسلط وفوضى وبلطجة حسب حديثع للموقع بوست، أما الناشط والاعلامي "محمد ناصر" فيقول إن الانتقالي حول الوضع في مناطق سيطرته الى غابة موحشة، وليس الى قرية فقط يوصف.
واضاف ناصر للموقع بوست: "لمجرد الانتقاد يتهمونك بالإرهاب أو بالتخادم مع الحوثي، ويتم تصفيتك تحت هذه الاتهامات، بالإضافة الى شحة الخدمات الاساسية من كهرباء ومشتقات نفطية وغيرها من مقومات الحياة".
وتابع ناصر الوضع في مناطق سيطرة الانتقالي لا يختلف عن الوضع في مناطق سيطرة الحوثي، فاذا كان الحوثي جماعة مذهبية فأن الانتقالي جماعة مناطقية، وكلا الطرفين يمارسان القمع والارهاب.
استهداف ممنهج
رئيس مركز الجنوب للدراسات "عمر بن غالب اليافعي" يرى أن هناك أهداف للتحالف من وراء دعمه لهذه العملية العسكرية تصب مجملها في مزيد من التفتيت للجيش وللدولة اليمنية، وتغذية الصراع بين أطياف المجتمع في مدن جنوب اليمن.
وقال اليافعي لـ "الموقع بوست": "يبدو أن هناك ثلاثة أهداف لهذه العملية، الهدف الاول يتمثل بـالقضاء على الوحدات التابعة للدولة سواء الداخلية أو الدفاع، واستبدالها بمليشيات تحت ما يسمى بالأمر الواقع، والهدف الثاني السيطرة على الحقول النفطية والمنافذ الدولية والموانئ وتسليمها للمليشيات سواء مليشيات طارق أو الانتقالي، حتى يتم التحكم بالجغرافيا اليمنية من خلال التحالف، وافقاد الجيش اليمني السيطرة على هذه المناطق، أما الهدف الثالث فيتمثل بتفكيك المنطقة الأولى، والتي هي المنطقة الوحيدة التي ما زالت متماسكة ولديها سلاح ثقيل".
وأوضح "التحالف يقوم بهذا التمزيق والفوضى من خلال عمليتين: العملية الأولى هي الوحدة الخاصة التي تقوم بالجانب العسكري، ودعم المليشيات بالعداد العسكري والتنسيق معها، أما العملية الأخرى فهي عبر المجلس الرئاسي الذي وظف قلمه للتوقيع على قرارات تؤيد هذا التمرد، وهذا الانفصال، وتسليم الجنوب عسكريا للانتقالي، علما بأن الأمر لن ينتهي للجنوب بالانفصال فقط، بل سيظل الوضع هكذا ضمن هامش اللادولة".
واعتبر اليافعي عملية سهام الشرق التي أطلق عليها الانتقالي أنها طريقة ممنهجة ومدروسة بدقه للتخلص من الجيش اليمني، وليس المستهدف شبوة أو أبين فحسب، وانما ستستمر إلى حضرموت وحتى المنطقة الأولى.
شيطنة الجيش
المحلل السياسي سالم النهدي قال إن الجيش اليمني في الجنوب يتعرض لنفس النهج الذي مارس ضده في الشمال من ضخ الهالة الاعلامية لتشطينه ووصفه بأنه تابع لطرف أو حزب معين وليس جيش الدولة.
وأكد النهدي في حديثه لـ"الموقع بوست بأن ما يحصل في جنوب اليمن اليوم يشير إلى أن الجيش الذي يحارب من قبل المجلس الانتقالي سواء جيش المنطقة الأولى أو الجيش الذي تمت محاربته في شبوة وأبين وغيرها من المحافظات الجنوبية هو جيش نظامي محايد، وظل مدافعا على الجمهورية والوحدة والنظام والدستور والقانون، لكن ما نراه ونسمعه من قبل قيادات واعلام الانتقالي هو تصنيفه بأنه تابع لجهة او لحزب او جماعات معينة كقوات الاخوان أو قوات حزب الإصلاح، وهناك أصوات تصف تلك القوات بالداعمة للإرهاب، وكل هذا بهدف شيطنته والانقضاض عليه، ليأتوا ببديل آخر لهم، لم يكن يوما ما جزء من هذا الجيش، وذلك لتمرير مشاريع خارجية جاءوا من أجلها.
أما عبد الكريم السعدي فيعتبر ما يحدث اليوم في المناطق المحررة لا يصب في صالح القضية اليمنية أو القضية الجنوبية في شيء، وما يودر هو صراع يصب في صالح قوى اقليمية مازالت حتى اللحظة تعبث باليمن وبإمكانياته وشعبه.
وتابع بالقول "إن تحرك القوات الجنوبية نحو شبوة وأبين واستمرارها نحو الشرق اليمني بحجة مكافحة الارهاب ليس له مبرر على الاطلاق، وكان بالإمكان إوكال هذه المهمة إلى القوات التي تتواجد في تلك المناطق كونها جزء أساس من عملها وهي بالمناسبة نظامية وتخضع للمجلس الرئاسي".
استخدام ملف الارهاب
وعن استخدام الانتقالي لمصطلح الارهاب في عملياته العسكرية يقول السعدي إن الارهاب أصبح مظلة مشبوهة من أراد تنفيذ عملية معينة أو تصفية حساباته مع تيار أو جماعة يصفها بالإرهاب.
وأضاف: "لا يوجد ارهاب، الارهاب في سجون الامارات المستحدثة في عدن وغيرها، وفي عملية الاغتيالات التي تديرها أبو ظبي بمساعدة حلفائها في المناطق الجنوبية وعدن تحديدا".
وتابع "قوات الانتقالي تستخدم مظلة الارهاب لإذكاء مزيدا من التمزق في المحافظات المحررة، وهذا مشروع يخدم الحوثي، فمهمة محاربة الحوثي وانهاء الانقلاب لم تعد موجودة، بدليل المعارك التي اخترعها التحالف والاقليم كل يوم في أبين وشبوة وحضرموت وغيرها من مناطق الجنوب".
من جانبه يعلق الدكتور والمحلل العسكري علي الذهب على استخدام ملف الإرهاب في حديثه لـ"الموقع بوست" قائلا بأن هناك من يستخدم ملف ومصطلح الارهاب من قبل اطراف سياسية بهدف تصفية حساباتهم مع الطرف الأخر، وفي مساعي لخلط الاوراق وعرقلة دمج القوات المسلحة تحت وزارتي الدفاع والداخلية وفق اتفاق نقل السلطة الذي جرى في السابع من أبريل العام الجاري.
ويوافق الذهب في ذلك المحلل السياسي ياسين التميمي الذ قال لـ "الموقع بوست" إن هناك مؤشرات على وجود أجندة سياسية وراء استدعاء ذريعة الارهاب مجددا في المحافظات الجنوبية بهذا التوقيت وبالتحديد محافظتي أبين وشبوة.
ويرى التميمي أن التحركات التي يديرها الانتقالي ضدا على صيغة التوافق التي يمثلها المجلس السياسي تتطلب هذه الذريعة لتكون غطاء لتمرد جديد، منوها أن الانتقالي يريد فرض سيطرته الأمنية على كافة محافظات الجنوب، وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا من خلال استدعائه مكافحة الارهاب الذي جعل منه مظلة لعملياته وتحركاته.
الانتقالي ليس الجنوب
واعتبر عمر اليافعي رئيس مركز الجنوب للدراسات المجلس الانتقالي بأنه ممثل غير شرعي للجنوب، ولا يحظى بالتفاف جماهيري، وصعوده جاء بوصاية وأهداف خارجية، ولا يملك قرار ولا مشروع وطني، وكل تصرفاته حسب ما يوجه الكفيل وصناعته تمت بطريقة ساذجة، حسب وصفه.
وقال اليافعي "إن كل أعضاء المجلس الانتقالي من العناصر المنتفعة بانتهازية، والكثير منهم صاروا أثرياء بطريقة فاحشة، ومنذ السيطرة على عدن في 2015 لم يصنع شيء يحتفى به".
وتابع "الشعب الجنوبي يدرك أن هذه الأدوات ليست إلا بيادق على رقعة الشطرنج وسيرفضها المجتمع قريبا، ونحن نراهن بدرجة أساسية على هذا الوعي الشعبي المتصاعد >
أما سالم النهدي فقد علق في حديثه بهذا الموضوع بالقول "إن المجلس الانتقالي وقواته القائمة ركبت القضية الجنوبية والمقاومة الجنوبية، وهو في الحقيقة لا يمثل الجنوبيين ولا يمثل مطالبهم ولا قضيتهم، وقواته لم تحارب الحوثي".
وتابع النهدي" الانتقالي عبارة عن أداة تم وضعه لتمرير مهام لأجندات خارجيه تمولها وتسلحها للقيام بما يملئ عليها، وهو عبارة عن جسر عبور يتم عبرها العبور بحزب المؤتمر للواجهة للعودة بالوضع في الجنوب الى ما قبل 2011، من حيث الابقاء على الاتفاقيات هناك، سوى ما يتعلق باتفاقية ميناء عدن مع الإمارات، أو غيرها من الاتفاقيات مع الشركات الأجنبية، في مجال النفط والغاز، وما تخلل تلك الاتفاقيات من مظاهر فساد، أما الانتقالي فسيتم التخلص منه متى ما انتهى الدور الذي صنع من أجله بطريقة أو باخرى.