[ تقارير دولية سجلت عودة أمراض مميتة في اليمن - الصورة من موقع اليونيسيف ]
عندما أعلنت الحكومة اليمنية انطلاق حملة تطعيم ضد شلل الأطفال دون سن الخامسة مطلع شهر مارس الجاري، بدأت أم ميرا اتصالاتها المكثفة لصديقاتها لاستشارتهن بمأمونية هذا اللقاح التي أصبحت غير واثقة فيه، وسط عودة للأوبئة المميتة لبلد نظامه الصحي متهالك أصلا بفعل الحرب الذي تمزقه منذ سنوات.
وفي الخامس من مارس الجاري، أطلقت الحكومة بالتعاون مع منظمتي اليونيسف والصحة العالمية حملة تحصين شاملة ضد شلل الأطفال تستهدف مليون و290 ألف طفل دون سن الخامسة في 12 محافظة، بعد مخاوف محلية وإقليمية دولية من تفشي واسع للأوبئة في البلاد التي تشهد أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.
امتناع عن التطعيم
تقول الصحفية سحر الشعبي في عدن إنها تلقت اتصالات كثيرة من زميلاتها وصديقاتها يستشيروها بالامتناع عن تطعيم أطفالهم، بسبب عدم ثقتهم باللقاحات بفعل كثرها، من بينهم أم ميرا التي لديها طفلان، مضيفة "لكن في نهاية المطاف نصحتهن بتطعيم أطفالهن لحمايتهن من الأمراض، وأكدت لهن بأن اللقاحات أمنة".
ويشير تقرير لوزارة الصحة في عدن اطلع عليه "الموقع بوست" إلى أن 19 ألف و466 منزل امتنع عن تطعيم الأطفال في حملة التحصين الموسعة التي انطلقت مؤخرا، لكن هذا العدد وفق فرق الرصد بالوزارة مؤشر إيجابي لتقبل الناس لحملات التطعيم عن الحملات السابقة.
ويضيف التقرير أن مليون و224 الفا و153طفلا دون سن الخامسة تلقوا التطعيم في 12 محافظة يمنية، بينما زارت فرق الحملة مليون و47 ألف وخمسة منازل منزل خلال مرحلة الحملة التي استمرت ثلاث أيام.
أرقام مخيفة
ويؤكد مدير عام مكافحة الأمراض والترصد الوبائي بوزارة الصحة اليمنية في عدن أدهم عوض عودة الأمراض الوبائية خاصتا الحصبة وشلل الأطفال للارتفاع، مشيرا إلى أن الحصبة سجل هذا العام ونهاية العام الماضي ارتفاعا كبيرا، حيث تجاوز عدد الإصابات إلى 1500 إصابة في صفوف الأطفال بالمحافظات المحررة.
ويضيف "عوض" لـ"الموقع بوست" أن ارتفاع عدد الإصابات يعود إلى امتناع الناس وعزوفهم عن التطعيم الروتيني بجرعتين ، خاصة أن هذه التطعيمات مجانية، مضيفا أن أغلب الحالات أو 91 في المائة من الحالات المصابة بالمضاعفات هم الأشخاص غير المطعمين، مؤكدا وفاة أكثر من 20 حالة غير مطعمين للأطفال.
وهناك جرعتين أساسيتين لمرض الحصبة يتلقياها طفل تبدء في الشهر التاسع من العمر والثانية بعد عام ونصف من ولادته، في المقابل يتم تنفيذ حملات كل عامين لتعزيز مناعة الأطفال، كما تشمل الأطفال الذين لم يتلقوا الجرعات من قبل، لافتا إلى أن كل هذه الجهود الحكومية للأسف تنصدم بعدم استجابة المواطنين رغم هذه الأعراض الخطيرة التي يصاب بها الطفل غير المطعم.
خريطة انتشار شلل الأطفال
ووفقا للتقرير بلغ إجمالي حالات الشلل الرخو الحاد المكتشفة 139 حالة في عام 2023، مقابل 229 حالة في عامين 2021 و2022 موزعة على 19 محافظات أغلبها بالمحافظات الخاضعة للحوثيين للوباء المتحور النوع الثاني CVDPV2 الذي يعد هو الأخطر والاشد شراسة وانتشار.
وعمل برنامج ترصد الشلل الرخو الحاد جميع المؤشرات المعيارية بصورة ممتازة خلال السنوات من 2017-2022م، في وقت يعاني البرنامج من تأخر وصول نتائج العينات المرسلة حيث ماتزال 20 عينة بينية مرسلة لم تصل نتائجها حتى الآن من قبل منظمة الصحة العالمية.
وسجلت صنعاء وريفها خلال العامين الماضيين أعلى معدل للإصابة بمعدل 42 حالة لشلل الاطفال من المتحور النوع الثاني، وتأتي محافظة الحديدة ثانيا في 20 حالة ومحافظة إب ثالثا بمعدل 19 حالة و17 حالة في محافظة صعدة المعقل الرئيس لجماعة الحوثيين التي تمنع إجراء عملية تطعيم.
وتؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أنه بين يناير ويوليو 2022، كان هناك حوالي 1400 طفل في اليمن يشتبه إصابتهم بالحصبة، حيث توفي 15 بسبب المرض في 7 محافظات يمنية بينهم مدينة عدن.
فيما تقول منظمة الصحة العالمية إن 197 طفلاً أصيبوا بالشلل بسبب CVDPV2 في المحافظات الشمالية لليمن، ما يمثل ثلث جميع الحالات العالمية المسجلة لهذه السلالة في عام 2022، بينما تراقب بقلق تفشي المرض الذي طال أمده في اليمن والقيود المستمرة على تنفيذ التطعيم للاستجابة للفاشية في المحافظات الخاضعة للحوثيين.
وصعدت جماعة الحوثيين مؤخرا حملاتها ضد اللقاحات، فيما اتهم زعيمها عبدالملك الحوثي واشنطن "ببيع الأدوية واللقاحات غير المأمونة التي تتسبب بحدوث أعراض صحية ونشرها في أوساط المجتمعات".
وبدأت الجماعة هذا التصعيد منذ وقت مبكر، بشن حرباً مفتوحة ضد اللقاحات الطبية للأطفال، ومنعت المواطنين من تلقيح أبنائهم، قبل تنظيمها ندوة بعنوان "خطورة اللقاحات على البشرية"، شارك فيها وزير الصحة في حكومة الحوثيين طه المتوكل الذي أشار إلى أن وزارته تعتبر "اللقاح ليس إلزامياً بالمطلق"، وإن "من يصر عليه ويطالب به نمنحه إياه على أن يتحمل المسؤولية".
وتحمل الحكومة المعترف بها مرارا جماعة الحوثيين مسؤولية منع فرق التحصين من الوصول إلى بؤرة تفشي مرض شلل الاطفال في محافظتي صعدة وحجة، بعدما كان يعتقد أن اليمن تخلص من هذا المرض عام 2006.
انتشار الأمراض
فيما أعلن رئيس منظمة "أطباء بلا حدود" الدولية كريستوس كريستو قبل أكثر من عشر أيام خلال زيارته لمستشفى عبس العام في محافظة حجة، انتشار مرض الحصبة لدى الأطفال بالمحافظة الخاضعة لسيطرة الحوثيين شمال غربي اليمن، داعياً إلى توسيع نطاق التطعيم، بعدما شاهد عديداً من الأطفال المصابين بعدوى الحصبة.
ويضيف "كريستو" أن السبب الرئيس في زيادة عدد المرضي يعود إلى الفجوة الكبيرة في اللقاحات الروتينية وانخفاض مستوى التطعيم بين الأطفال"، لكنه أكد تلقيه وعودا من سلطة الحوثيين - التي تمنع التطعيم- ببذل جهود لتوفير اللقاحات للجميع".
وكان مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في عدن محمود طاهر اعتبر أخذ هذه اللقاحات أمرا مهما، خصوصا وانه تم تسجيل نحو 30 حالة إصابة مؤكدة بفيروس شلل الأطفال في المحافظات الخاضعة لنفوذ الحكومة المعترف بها دوليا، مضيفا "هذه الأرقام مخيفة جدا"، مؤكدا على مأمونية اللقاح الذي مر بعديد التجارب قبل ان يتم اصدار التراخيص اللازمة لاستخدامه.