[ وضع معيشي بائس يعيشه اليمنيون في ظل الحرب التي دخلت عامها التاسع ]
"العين بصيرة واليد قصيرة".. بهذه الكلمات يُلخّص المواطن عبدالرحيم محمد (46 عاما) الوضع المعيشي لليمنيين واستقبال الناس للشهر الفضيل في ظل العوز وعدم قدرتهم على شراء متطلبات رمضان في بلد مزقته الحرب منذ ثمان سنوات.
في حديثه لـ "الموقع بوست" يقول محمد الذي يعمل بالأجر اليومي ويعول أسرة مكونة من سبعة أفراد، ويسكن شقة بالايجار في مدينة إب (وسط اليمن) الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إن "الشهر الفضيل دخل ومطبخ البيت فارغا تماما ولم أشتر شيئا، نتيجة لعدم امتلاكي المال وتوقف الأعمال".
يضيف "لا أعمال متحركة لا مصدر دخل، نعيش على البركة، وسواء أنا أو جيراني، لم أشتر شيئاً للمطبخ أو لأطفالي"، مشيرا إلى أنه يعجز عن توفير قوت يومه الضروري، مع ذهابه فجر كل يوم إلى حراج العمال، إلا أنه يعود غالبية الأيام خائب الوفاض وبأحسن الأحوال يشتغل يوما في الأسبوع.
بصوت ممزوج بالحسرة، يواصل محمد حديثه بالقول "أصبح العيش في هذا الزمن مستحيلا مع انقطاع المرتبات وتوقف الأعمال وارتفاع الأسعار، وضعنا المعيشي تحت الصفر، وهذا هو حال غالبية الناس".
وضع بائس
يستقبل اليمنيون الشهر الكريم للعام التاسع على التوالي، في ظل أزمات مركبة، لا سيما مع الظروف الاقتصادية المتدهورة التي يكابدونها مع استمرار الحرب وانقطاع المرتبات وتوقف الأعمال وارتفاع الأسعار، خاصة مناطق سيطرة الحوثيين.
لثمانية أعوام اعتاد اليمنيون استقبال شهر الصوم تحت ظرف الحرب والأزمات الخانقة، لكنهم هذا العام يستقبلونه بأزمة إضافية يبدو أنها الأشد وطأة، لبلد يشهد أسوأ أزمة انسانية في العالم، كما وصفته الأمم المتحدة.
ومع قدوم شهر رمضان وجد أغلب المواطنين أنفسهم عاجزين عن شراء حاجاتهم الأساسية، مع قيام التجار برفع أسعار السلع المختلفة أو احتكارها من أجل زيادة الطلب عليها في الأسواق.
ألقت التحولات والأزمات الاقتصادية والإنسانية بظلالها على حياة السكان إلى حد كبيرٍ، مع تأثر شريحة كبيرة من اليمنيين بفقدان مصادر دخلهم مع توقف الرواتب والأعمال، كما هو الحاصل في محافظة إب (وسط اليمن) الخاضعة لسيطرة الحوثيين وهي ثاني أكبر المدن ازدحاما بالسكان والتي عادة ما ترتفع فيها وتيرة الحركة التجارية وتزدحم بالمتسوقين خلال الشهر الفضيل.
وشكا مواطنون في مدينة إب من غلاء أسعار المواد الغذائية والخضروات وقيام التجار برفع أسعار السلع المختلفة واحتكارها من أجل زيادة الطلب عليها في الأسواق.
فالشهر الفضيل الذي كان سيجلب الفرحة إلى منازلهم ووجوه أطفالهم كما الأعوام السابقة (قبل اندلاع الحرب) بات مناسبة لتذكيرهم بأوضاع بائسة أعجزت الكثيرين منهم عن شراء أبسط الاحتياجات الضرورية.
خبز وماء
وفي الشأن ذاته، هشام ناصر (38 عاما) هو الآخر عامل بالأجر اليومي، يرى أن رمضان كالأيام العادية، نتيجة لوضعه البائس، كما أنه لا بدائل متاحة أمامه في ظل عجزه عن توفير قوت الحياة الضروري، حد قوله.
بالنسبة لـ "ناصر " الذي يسكن شقة بالإيجار وسط مدينة إب ويعول أسرة مكونة من ستة أولاد إلى جانب زوجته خلال حديثه لـ "لموقع بوست" فإن قوت يومه الخبز والماء في أحسن الأحوال، ويعجز عن شراء متطلبات رمضان الضرورية، فهي بنظره ثانوية ومن الكماليات، لعدم امتلاكه المال الكافي، حيث لا رواتب ولا أعمال في بلد مزقته الحرب.
وأشار إلى أنه يعجز عن شراء اسطوانة الغاز المنزلي التي تباع حاليا في السوق السوداء بمبلغ (10500) ريال، بينما البلاد في وضع هدنة وميناء الحديدة مفتوحا أمام سفن النفط والسفن التجارية.
بلغة تخنقها العبرات يستذكر ناصر كيف كان يأتي الشهر الفضيل قبل الحرب وقد ملئ احتياجات المطبخ من السلع الخاصة برمضان من كل ما لذا وطاب، حد قوله.
نهب المليشيا وجشع التجار
هكذا هو الحال في مدينة إب، حيث يقبع سكان المدينة بين مطرقة الحرب وسندان جشع التجار وغلاء الأسعار واهمال سلطات الأمر الواقع وعدم الرقابة على التجار.
ووفقا لما ذكره مالكو محال تجارية متنوعة في مدينة إب فإن القدرة الشرائية لدى المواطنين تراجعت كماً ونوعاً، مع الارتفاع المضاعف للأسعار في سنوات الحرب، وشبحها الذي يلاحق السكان ويمنعهم من شراء أغلب الاحتياجات الرمضانية، فضلاً عن وجود عوائل تعيش أوضاعاً تشبه المجاعة ولا تتوفر لها الوجبات الأساسية.
ويرجع التجار ارتفاع الأسعار مع دخول شهر رمضان إلى رفع جماعة الحوثي الضرائب بنسبة تصل في بعض السلع إلى 50 بالمئة، إلى جانب فرضها اتاوات مالية على التجار كمجهود حربي لتمويل مقاتليها في الجبهات.
ومطلع يناير الماضي، قالت الأمم المتحدة إن أكثر من 21 مليون شخص في اليمن بحاجة ماسة إلى المساعدات خلال العام الجاري 2023، مشيرة إلى أن مستويات الجوع في البلاد لاتزال مرتفعة بشكل مثير للقلق.
وفي وقت سابق حذرت شبكة الإنذار المبكر المعنية بالجوع من أن ملايين الأسر في اليمن ستواجه فجوات غذائية ابتداءً من مارس الجاري، بسبب ارتفاع أسعار السلع عن المتوسط بشكل كبير.
وقالت الشبكة -في تقرير حديث لها- إنه على الرغم من الزيادة الطفيفة في المساعدات الغذائية في الأشهر الأخيرة، فمن المحتمل أن تواجه ملايين الأسر اليمنية فجوات في استهلاك الغذاء بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية عن المتوسط بشكل كبير.