[ مسنقبل الوحدة اليمنية محفوف بمخاطر الانفصال ]
تواجه الوحدة اليمنية في ذكراها الـ33 تهديدات مصيرية مع توسع دعوات مطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال، وسط ضعف الحكومة الشرعية واستمرار الحرب التي طال أمدها في البلد، لكن سياسيون يمنيون يقللون من أهمية هذه المطالب المتصاعدة ويحملون الحرب مسؤولية رئيسية عن التمزيق، فضلا عن الدعم الخارجي المثير للجدل لبعض الفصائل الجنوبية.
وعشية 22 مايو 1990، أعلن قيام الوحدة اليمنية بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، في وحدة اندماجية كاملة، وبعد أربع سنوات فقط اندلاع الحرب بين شريكي إعلان الوحدة التي انتهت في7 يوليو من ذات العام باجتياح قوات الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح للمحافظات الجنوبية وإقصاء آلاف العسكريين والمدنيين الجنوبيين من وظائفهم.
وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات والاحتقان الشعبي مع استمرار سلطات الرئيس الأسبق صالح في تجاهل المطالب الحقوقية في 30 أبريل 2009، بينما بدأ الحراك الجنوبي تحويل مساره نحو مطالب سياسية بالانفصال واستعادة استقلال دولة اليمن الجنوبي.
وتوسعت هذه المطالب بشكل كبير منذ اندلاع الحرب في عام 2015، بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثيين وتدخل التحالف بقيادة السعودية والإمارات، حتى أصبحت القوات الانفصالية مسيطرة على مدينة عدن والمحافظات الجنوبية.
استغلال أطراف إقليمية
وتعرضت الوحدة اليمنية من قبل نظام صالح لظلم وإساءة بالغة أعطت الجنوبيين انطباع سيء عن مشروع الاتحاد الاندماجي، وبعدها استغلت أطراف محلية وإقليمية الفرصة للعمل على تفكيك وإضعاف البلد، بسبب أطماعهم في مواقعه وثرواته وموارده حتى أصبحت الوحدة مهددة بشكل حقيقي، وفق الكاتب السياسي الجنوبي، عبدالجبار الجريري.
وأكد "الجريري" لـ"الموقع بوست" أن مشروع التفكك لن يتوقف عند الجنوب والشمال ربما سنرى محافظات أخرى تطالب باستقلالها وبهذا ستدخل البلاد مرحلة الدويلات الكرتونية التي ستظل متناحرة بينها البين مما سيضعفها كلها، متهما مجلس القيادة الرئاسي بتجاهل تجاوزات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا والمشارك في هذا المجلس المعترف به دوليا.
وأضاف أن اليمن مهدد بشكل غير مسبوق ليس في وحدته السياسية بل في مستقبله ومصيره، مؤكدا أن الطريقة المثلى في الحفاظ على وحدة هو البدء بتطبيق نظام الأقاليم وتدشينه من محافظة حضرموت والمهرة، مشيرا إلى أنه الخيار الأفضل لكل اليمنيين ويضمن للجميع حقوقه ويحقق لليمن التكامل الاقتصادي في ظل حكم رشيد.
الوحدة في ذاكرة اليمنيين
واعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي عبدالكريم غانم دعوات المجلس الانتقالي ومساعيه للتحشيد وتوسيع النفوذ لن تؤثر على الوحدة اليمنية، مشيرا إلى أن الواقع التجزيئي المُر، يعلي من أهمية الوحدة في ذاكرة اليمنيين، باعتبارها نقطة الضوء الوحيدة التي ارتبطت بالرخاء والحريات، وكلها باتت مفقودة حاليا.
ويضيف "غانم" في تصريحه لـ"الموقع بوست" أن قادة المجلس الانتقالي يدركون أكثر من غيرهم صعوبة الحصول على اعتراف دولي يفصل جنوب اليمن عن شماله، في ظل أوضاع حرب ووصاية دولية على البلاد، بينما النزعات الانفصالية ستظل خلال هذه الفترة مجرد طموحات في أذهان اصحابها.
وينصح أستاذ علم الاجتماع السياسي القوى التي تنادي بالاستقلال انتظار خروج اليمن من مأزقه المتمثل في اختطاف الدولة من قبل الحوثيين ورفع الوصاية الدولية عنه، وذهاب نحو التوافق حول دستور جديد، قبل إمكانية فتح الباب أمام دعوات الاستقلال التي تنادي بها بعض القوى السياسية.
وبحسب "غانم" فان الوحدة ما تزال قائمة في الوعي الجمعي لليمنيين، وفي المحافل الدولية، وفي الأوراق الرسمية، ولها حامل سياسي متمثل في المجلس الرئاسي والحكومة المعترف بها دوليًا، ومؤسسات الدولة، مضيفا أنها تعرضت طعنة في خاصرها نتيجة أطماع بعض دول التحالف العربي.
ويعتقد الصحفي فؤاد مسعد أن التهديدات للوحدة بدأت منذ عدة سنوات، بسبب انهيار الدولة وتدمير مؤسساتها ومقوماتها ومكتسباتها وفي مقدمتها الجيش والأمن والاقتصاد والإدارة المحلية الانقلاب الحوثي على مؤسسات الدولة.
التمويل الخارجي وضعف الحكومة
وتمثل دعوات التحشيد الذي يقودها المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال في المحافظات الجنوبية بحسب "مسعد" خطرا على الوحدة، في ظل ضعف الحكومة الشرعية وانحسار نفوذها وتراجع أدائها، فضلا عن وجود دعم وتمويل خارجي لمشروع الانفصال الذي يطلق عليه أصحابه مشروع استعادة الدولة.
ويمنى الصحفي الجنوبي النفس بوجود دولة وطنية ذات سيادة ومؤسسات للتخفيف من حدة الخطر الذي تمثله نزعة الانفصال فإن غياب الدولة، قائلا لـ"الموقع بوست" إن "القوى والأطراف الدولية في الأخير لا تزال فاعلة في الملف اليمني، وليس بمقدور أي طرف يمني منفردا تقرير مصير اليمن مهما بلغت قوته".
مواطنة متساوية
واستبعد الصحفي اليساري صامد السامعي وجود أي مساعي للانفصال قبل انتهاء الحرب المستمرة من 9 اعوام، لكنه يؤكد في نفس الوقت بوجود خطر حقيقي بالزوال الوحدة اليمنية، مضيفا أن مصيرها مرتبط باستقرار البلد والذهاب نحو استفتاء هذا الطريقة الوحيدة التي ستقرر مصير الوحدة في اليمن.
وقلل "السامعي" في حديثه لـ"الموقع بوست" من أهمية التهديدات القائمة منذ فترة للوحدة، التي اعتبرها تهديدات على مستوى الخطاب اليومي، وليست حقيقية، مشيرا إلى أن انتهاء الحرب ووجود دولة مواطنة متساوية وتحقيق عدالة انتقالية وجبر ضرر حقيقي هو الضامن لعدم تفتيت اليمن وتقسيمه.
وفي مسعٍ لاحتواء حالة التذمر في اوساط الجنوبيين، وقع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الإثنين الماضي على مرسوم رئاسي بتسوية أوضاع 52 الفا من الموظفين المدنيين والأمنيين والعسكريين المبعدين عن وظائفهم في المحافظات الجنوبية بعد حرب صيف 1994.