[ طلاب يمنيين في إحدى المداريس - اللجنة الدولية للصليب الأحمر ]
برزت مؤخرًا أراء متباينة حول مسألة التعليم المختلط بين الجنسين في المدارس، ويعتقد الكثير من السكان في المجتمع اليمني أن التعليم المختلط في المدارس من المخالفات الشرعية، معتبرين أنه لا ينتج عنه سوى مفاسد أخلاقية وأضرار تربوية عديدة؛ فيما يرى البعض أن التعليم المختلط له جوانب إيجابية، وأن فصل الجنسين عن بعضهم ينعكس في خوف كل طرف من الآخر ويلاقون صعوبة في التعامل خلال المرحلة الجامعية، الأمر الذي قد يؤدي إلى ظهور سلوكيات خاطئة بسب الكبت عند الجنسين
وعلى حد تعبير بعض أولياء الأمور، فالطالبة في المدارس المختلطة لا تفكر إلا بعواطفها، وهذا يؤثر سلباً على التحصيل العلمي لها، ناهيك أن الفتاة قد تقع في الكثير من التجاوزات، وينعكس ذلك بشكل سلبي على السلوك السليم في المجتمع، فيقع الشباب من الجنسين فريسة سهلة للأمراض النفسية بما في ذلك الاكتئاب.
خوف وقلق
يخشى أولياء الأمور من الممارسات الخاطئة التي قد تحدث بين الجنسين في المراحل المبكرة من التعليم في المدارس المختلطة، وهذا من شأنه حرمان الكثير من الأباء، وبخاصة في الأرياف من تعليم الفتاة، ويكتفون بتعليمها القراءة والكتابة.
تقول والدة الطالبة "سدرة" إن ابنتها تدرس في إحدى المدارس المختلطة، وأنها تتحدث بشكل مستمر عن أحد زملائها الصغار في الفصل، وكيف تشعر عند يلمسها وأنها لا تذهب إلى المدرسة إلا لأجله، وكيف تخشى من فراقه في المستويات العليا، الأمر الذي أثار دهشة واستغراب وخوف "أم سدرة" من كلام ابنتها، الذي اعتبرتها أمرًا خطيرًا في مثل هذا العمر المبكر.
لا تتمثل المشكلة في خوف أولياء الأمور فقط، فالطلبة بشكل عام وبخاصة في مراحل المراهقة يميلون إلى جذب انتباه الآخر داخل المدرسة، سواء في الممارسات والسلوكيات الخاطئة التي يعتقدون أن من شأنها أن تثير انتباه الجنس الآخر نحوه، فيما يعتبر الكثير بأن التعليم المختلطة من شأنه أن يقيد حرية كل جنس في ممارسة الأنشطة الصفية والمشاركة أثناء الدرس.
تؤكد "أم آية" وهي معلمة في إحدى المدرسة المختلطة، إن الطلاب يميلون لإبراز أنفسهم ويجعلون من الفصل مهزلة بتصرفاتهم، وتضيف: "كوني مُعلمة وأيضاً أم أعاني العديد من المشاكل التي تواجهنا خاصة في الصفوف العليا، حيث أن الطالبات يمرنَّ بذات المُعاناة من حيث شعورهن بالإحراج وعدم أخذ الراحة الكافية في الصف، فهناك قيود في الحركة وذلك يمنعهن من حقهن حتى في المشاركة في الأنشطة الصفية خلال اليوم".
وتردف في حديثها لـ"الموقع بوست": "تعاني ابنتي الكثير من المضايقات من زملائها الطلاب، حيث يقوم البعض بكتابة أرقام جوالاتهم ووضعها في حقيبتها المدرسية، ولايقتصر الأمر عند هذه النقطة، ولكن يتطور إلى كتابة رسائل غزلية على الجدران ووضع أسماء الفتيات، وكذلك ابنتي، حيث يتم كتابة اسم الطالبة مقرونًا باسم الطالب، كما يقوموا بوضع رسائل سرية في دفتر زميلها معتبرين أنها مقدمة منها وهي لم تقم بذلك".
الحرب كأحد الأسباب
كانت اليمن قد اعتمدت نظام التعليم المختلط عام 1990 بعدما توحد شطراها، وتتبنى الحكومة اليمنية منذ العام 1994 تنفيذ استراتيجية لتطوير التعليم يدعمها البنك الدولي، وتهدف أساسا إلى تحسين مخرجات التعليم، وتشجيع تعليم الاناث.
يقول مدير مدرسة الشهداء في محافظة لحج "فوزي الأكحلي" لـ"الموقع بوست" "بالنسبة للمضايقات في المدارس المختلطة هي أكبر مشكله نواجهها" معتقدًا بأنه لايوجد أي مدرسة مختلطه ليس فيها مضايقات، خصوصاً في زمن الحرب والذي فقدت فيه معظم الناس أخلاقهم ومبادئهم، ويضيف: "نحن نواجه هذه المشاكل وبشكل صارم ويتم استدعاء أولياء الأمور وأحياناً يصل الوضع إلى طرد بعض الطلاب أو الطالبات من المدرسة".
ويشير قائلًا: " طرحنا مشكلتنا للأخوة مجالس الأباء، وكذلك مكتب التربية بضرورة فصل البنين عن البنات، لكن دون جدوى، وبعذر عدم وجود فصول دراسية كافيه، وكذلك عدم وجود مدارس قريبة من المدرسة، وتكون تابعة لمحافظة لحج حتى يتم نقل الطلاب أو الطالبات إليها بشكل سلس وبدون أوامر تحويل عبر المحافظات".
تبدو مسألة الفصل بين الجنسين معقدة إلى حد كبير، وخاصة في زمن الحرب، وذلك لأن الأمر يحتاج إلى زيادة في عدد المدرسين، حيث فقد المئات من المعلمين وظائفهم بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
ظاهرة تستحق الدراسة
الصحفية والناشطة الحقوقية "منال شرف" تقول بأن إزاحة الفجوة بين الجنسين تبدأ من تركهما يفهمان بعض منذ الصغر، وتؤكد بأن الطلاب والطالبات الذين يتعلمون تحت حواجز تمنعهم عن بعض بحجة "الاختلاط عيب" يصبحون أكثر تخوفًا من الجنس الآخر في مراحل الدراسة الجامعية، وربما أكثر إندفاعًا تجاه بعض بطريقة خاطئة، وذلك لأن تفكيرهم في الجنس الآخر يكون بصورة عاطفية وجنسية فقط.
وتنوه "منال" في حديثها مع "الموقع بوست" قائلة: "نحن بحاجة لفهم فسيلوجية بعضنا وأنماط تفكيرنا، وأن نتوقف عن التصور بأن الجنس الآخر لن يرانا إلا في إطار الحاجة العاطفية، نحتاج لأن يتربى الأطفال على كيفية احترام بعضهم البعض، وعدم الإنتقاص من قدرات الجنس الآخر الفكرية والإبداعية، وهذا لن يتم من خلال بناء الأسوار وتعبئتهم بالأوهام منذ صغرهم ."
أما الناشط الحقوقي "عمر الحميري" يقول في حديثه لموقع لـ"الموقع بوست" إن "الاختلاط في المدارس موضوع يستحق تناوله بدراسات موضوعية من النواحي التربوية والاجتماعية المختلفة، لقياس تأثير وجوده وعدمه على سلوك الطلاب في المراحل التعليمية، وفي الحياة العامة بشكل عام، وبعيدا عن واقع الاختلاط الذي تفرضه حدود الامكانيات التعليمية، وضعف البنية التحتية، وعدد المدارس والمعلمين، مما يظهر في واقع المدارس الحكومية في الأرياف والمناطق النائية، وكذا المدارس الأهلية".
ويشير "الحميري" إلى أنه يمكن معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية بين علاقة الرجل بالمرأة على مستوى الأسرة، أو في الحياة العامة، وجميعها سلوكيات تتأثر بالتربية والوعي بأهمية التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة، وعلى ذلك الأساس يمكن القول إن تنظيم الاختلاط الدراسي بطريقة منهجية واعية منضبطة سوف يساهم في تخفيف الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية التي نعيشها اليوم، حد تعبيره.
وفيما يتعلق بتأثير التعليم المختلط وعلاقته بالعملية التعليمية، يشير أستاذ علم الإجتماع "محمود البكاري" إلى نسبه الاختلاط التعليمي في اليمن يعد نسبيًا، حيث أن هناك بعض المناطق التي لا تتوفر فيها المدارس الخاصة بالبنات، فيكون الحل الوحيد هو التعليم المشترك وخاصو في مراحل التعليم الأساسي، أما في المدن يوجد مدارس خاصة بالبنات، لكنها ليست كافيه ويظل قرار مواصلة التعليم في هذه الحالة قرار شخصي واسري.
وينوه" البكاري" في حديثه مع "الموقع بوست" إلى أن هناك أسر تمنع بناتها من مواصلة التعليم لهذا السبب، وهذا من أهم الأضرار التي تلحق بالمجتمع، حيث يتم حرمان المرأة من مواصلة الدراسة، وفي بعض المناطق يتم السماح بالدراسة المختلطه باعتبار المدرسة مكان عام، وليس في ذلك ما يعيب الفتاة من مواصلة التعليم، لاسيما وأن التعليم العالي أو الجامعي في اليمن الحكومي أو الجامعات الخاصة هو تعليم مختلط، ولاتوجد جامعات أو كليات خاصه بالبنات، والمجتمع متقبل ذلك، وهذا يعني أنه لا توجد موانع اجتماعية من الإختلاط في التعليم، إلا في حدود معينة .
وتشير بعض الاحصائيات إلى أن واقع التعليم في اليمن سيئ، حيث تبلغ نسبة الأمية القرائية حوالي 70% في الأرياف، وتصل في المدن إلى 38%، ويشكل سكان الريف 71 في المئة من مجمل السكان، 45% من المعلمين لا يحملون حتى الشهادة الثانوية، و 18% في المئة منهم بمؤهل ثانوي" وهناك فحسب 13,8 % حاصلون على شهادة جامعية.