[ تعدد وتنوع طباخة لحوم الأضاحي في اليمن ]
يتفنن اليمنيون في طهي اللحوم خلال أيام عيد الأضحى المبارك التي تستمر في بعض المناطق اليمنية إلى ثلاثة عشر يوماً، وتعُد الولائم اليمنية في العيد الكبير هي الأكثر تنوعاً في المنطقة العربية، والأشهى كما يراها الكثير من المتذوقين.
ويتم طهي أضاحي العيد من لحوم الأبقار والأغنام والماعز والجمال، وفقاً لطقوس خاصة لوجبات لها مسميات، تختلف من منطقة يمنية لأخرى، وقد لاقت تلك المأكولات شهرة واسعة مع تزايد أعداد اليمنيين الذين غادروا وطنهم إلى مختلف بلدان العالم، هنا يرصد "الموقع بوست" أبرز المأكولات اليمنية المعتمدة على اللحوم في عيد الأضحى.
الحنيذ
يتم إعداد الحنيذ عبر طقوس خاصة تبدأ من قبل أيام العيد، وذلك من خلال تجهيز حفرة عميقة تصل إلى مترين، إضافة إلى تجهيز حزم من الحطب التي يتم وضعها داخل الحفرة، وتُسمى هذه الحفرة عند اليمنيين بـ"الموفا"، وفي أول أيام عيد الأضحى أو أيام النحر، وعقب ذبح وتجهيز اللحم الذي يكون عادة من أغنام التيوس أو العجول، قليلة الدهون.
بعد أداء صلاة العيد يشترك أفراد العائلة حتى الأطفال في اعداد وجبة الحنيذ، وفيها يتم تتبيل اللحم ببهارات خاصة كالكمون والفلفل والكركم وورق غار والليمون الجاف وأعواد القرفة وحبات القرنفل والهيل.
ثم يتم وضع اللحم على سيخ مصلّبٍ من الرقبة ويتم تعليقه في الموفا، وهو المكان المبني تحت الأرض وعلى أن تكون نار الموفا قوية، وقد مات فيها اللهب واستحالت جمراً متوهجاً، وجُعل فوقها حلّة كبيرة فيها ما يراد طبخه من الأرز مع الماء وما يضاف إلى مثل ذلك، ثم يعلق اللحم من سقف الموفا، ويطمر غطاء الموفا بالتراب بما يتوازى مع سطح الأرض ويترك لثلاث أو أربع ساعات، ويقدم كوجبة غداء.
يف
وفي بعض المناطق خارج اليمن يعمل اليمنيون على إعداد وطبخ الحنيذ في أفران عادية.
يقول علي عمر، المهتم في التراث اليمني متحدثاُ لـ "الموقع بوست"، إنه يُعتقد بأن وجبة الحنيذ بدأت اعدادها في منطقة تهامة التي تضم محافظات الحديدة وحجة والمحويت وتعز. مشيراً الى أن تلك المنطقة هي مرتع مهم للثروة الحيوانية من الأغنام في اليمن.
المندي
يختلف تجهيز المندي عن الحنيذ من خلال وضع كميات من دهون الكباش أو العجول على اللحم ذاته، ويتم وضع المندي بعد لفه بورق القصدير في الموفا أو التنور، وهو ذات الحفرة العميقة التي يتم وضع الحنيذ فيها، مع الفرق بأنه يتوجب من يعمل على تجهيز المندي إغلاق التنور بغطاء يمنع دخول الهواء المتسبب في انطفاء النار، والتأكد بأنه لا يوجد أي متنفس لدخول الهواء حتى لا يساعد على اشتعال النار واحتراق اللحم.
ويستغرق وضع الأخير في التنور أو الموفا من ساعتين الى اربع ساعات، وعقب اخراج اللحم من التنور، يتم وضع عدد من البيض المسلوق وشراح البصل والليمون فوق الأرز.
وتُعد محافظة حضرموت اليمنية الموطن الأصلي لوجبة المندي، كما يحرص أهالي مدينة عدن وأبين ولحج والضالع على أن يكون المندي هو الوجبة الرئيسية في أيام عيدهم.
المضبي
يستغرق إعداد وتجهيز المضبي ساعات طويلة تصل إلى ست ساعات، لأن اللحم بعد تتبيله بالبهارات يتم طبخه فوق أحجار صغيرة بحجم قبضة اليد، ويُقدم المضبي بعد استوائه مع العسل والأرز كوجبة للغداء أو العشاء في أيام عيد الأضحى، وترجع تسمية المضبي إلى معناها اللغوي إذ يُقال ضبت الشمس اللحم بمعنى شوته.
ويشتهر أهالي حضرموت ومناطق يافع ومأرب والجوف وصعدة بإعداد المضبي.
المعجين
هي أهم وجبة لدى قاطني أرخبيل جزر سقطرى والمهرة الشرقيتين، ويُفضل الأهالي هناك لحوم الجمال والأبقار، فمنذ الصباح الباكر يتم إعداد المعجين من خلال تقطيع اللحم إلى قطع صغيرة جداً ووضعها في ماء فوق النار، ومن ثم شوي أو قلي قطع اللحم بواسطة الشحم الخاص به، ثم يتم تجميده وتقديمه كوجبة غداء أو عشاء.
الزربيان
في عدن والمناطق الساحلية يحرص اليمنيون خلال عيد الأضحى على تجهيز الزربيان وهو اللحم المطبوخ مع الأرز والزعفران والزبادي، ويؤكل مع العشار أو الفلفل الأحمر العدني.
المرق
في مناطق صنعاء وعمران وذمار وإب وريمة يهتم الأهالي هناك بتجهيز المرق خلال أيام العيد، وهو حساء فيه تم طهي اللحم والخويضة (بصل محروق)، ثم يتم إضافة بهارات مكونة من الكمون والكاري والفلفل الأسود، جميعها يتم وضعها وسط كميات من الماء الذي يوضع على النار حتى ينضج اللحم سواءً كان لحم ماعز او أبقار، وتستخدم غالبية العائلات القاطنة في المدن الحضرية طنجرة الضغط أو الضغاطة لتوفير وقت تجهيز المرق الذي يُقدم مع قطع الليمون كحساء رئيسي أثناء تناول الغداء.
الفحسة
تتكون وجبة الفحسة من المرق ولحم الأبقار المفروم الناضج ولحم مستوي مقطع قطع صغيرة وكميات قليلة من الأرز الناضج وحبوب القمح المفرومة الناضجة وبهارات، ويتم جمع كل هذه المكونات وخلطها فوق اناء خاص يُسمى بالحرضة أو المدر.
يتم وضعه على درجة حرارة عالية مضافًا إليه الحُلبة والسحاوق وهو فلفل حار معصور مع الطماطم. وعادة ما تقدم هذه الأكلة وهي تفور، وتؤكل بالملوج أو الكدم وهي أنواع من الخبز البلدي، وتُعد هذه الوجبة من أهم الوجبات التي تُقدم في أيام العيد في كافة المناطق الشمالية من اليمن بجانب وجبة السلتة الشبيهة بالفحسة.
تحكي الحجة سعديه الشاوش لـ"الموقع بوست"، كيف أنها تقضي أيام عيد الأضحى في العاصمة صنعاء مع عائلتها وفي أجواء تسودها الاُلفة، حينما تعمل على تجهيز وجبات الإفطار والغداء " والعشاء متحدثة بأنها "في الصباح الباكر وبعد الانتهاء من ذبح الاضحية، نبدأ بتقسيمها وتوزيعها، جزء منها للفقراء والمساكين وجزء منها للجيران وجزء منها للأقارب، والمتبقي للعائلة والجزء الأهم من الاضحية هي الكبدة التي نطبخها كإدام يُقدم وجبة للإفطار، وهي الوجبة المفضلة لدى عائلتها وعائلات كثيرة في اليمن".
تُفضل الحجة سعدية طباخة لحم الحنيذ بعد أن تعمل على تنضيج اللحم خلال اعدادها وجبة المرق، وتشعر بسعادة غامرة وهي تساهم في طقوس توزيع وطباخة الأضحية مع ابناءها الخمسة، وترى أن توزيع وطباخة الاضحية هي شعيرة دينية تتوارث الأجيال على تأديتها عند كل عيد أضحى، كما تقول لـ"الموقع بوست".
وفي السياق ترى المديرة التنفيذية السابقة لمجلس الترويج السياحية فاطمة الحريبي، في حديثها مع "الموقع بوست" إن وجبات المطبخ اليمنية في أيام العيد وغيرها وصلت إلى مختلف بلدان العالم عبر الجاليات اليمنية المقيمة هناك، إلا أن تلك الوجبات ينقصها الترويج الإعلامي من قبل اليمنيين المنشغلين بهموم وتداعيات الحرب التي تدخل العام العاشر في بلادهم.