يحتفلون الليلة ولا أحتفل أنا.. يحتفل أغلب سكان الأرض برأس السنة، إلا أنا أتألّم وحدي بجراحاتي ومعاناتي.. لم أقدر على الاحتفال هذه الليلة، حيث سماوات العالم مضاءة بالألعاب النارية وسماؤك يا تعز تحترق بقذائف المدافع والصواريخ الحوثية.
لم أحتفل.. لأن نيران القذائف الصاروخية لم تتوقف لحظة عن سماء مدينتي منذ تسعة أشهر ولم يعد معها حاجة لإضاءتها هذه الليلة بالألعاب النارية.. يحتفل سكان الأرض هذه الليلة كلا بطريقته، وتركوا مدينتي وحيدة لا بواكية لها، ولا مكانا فيها للاحتفاء إلا بمآسيها.
لم أحتفل.. لأن جراحاتي أكبر من أن تندمل وأعمق من أن تُمحى في حفلة زور عابرة هذه الليلة.. لأن العالم يحتفل ويتبادل التهاني في هذه الليلة ونسي مدينتي تنتحب وتتبادل المآسي برحيل خيرة شبابها وأبناءها، محاصرة منذ تسعة أشهر بلا ماء صالح للشرب ولا غذاء ولادواء.
لم أحتفل.. لأن أبي وأمي، لأن أخي وأختي، لأن أستاذي وزميلي وصديقي وجاري وكل أبناء مدينتي تفتك بأرواحهم قذائف الموت الحوثية كل لحظة، ومنهمكون فيما يسد رمقهم من الجوع والعطش وبما يجبر جراحاتهم من العلاجات التي أصبحت في خبر كان.. منكبّون في البحث عن الأمن والأمان الذي افتقدوه طوال العام الراحل.
لم أحتفل.. لأني مثقل بهموم أبناء مدينتي، حيث يعيشون في سجن كبير اسمه (تعز) وحيث لا يجد أبناؤها منفذا للخروج أو الدخول.. محاصرون من كل شيء حتى من اسطوانات الأوكسجين.. محاصرون محليا من أبسط مقومات الحياة ومحاصرون خارجيا من أي تحرك دولي أو التفاتة أممية الى مأساتهم التي لا نظير لها.
تخلّفت هذه الليلة عن مشاركة أبناء جنسي حول العالم في الاحتفاء برحيل العام2015، لأني ببساطة مسكون بالصور المأساوية لأبناء مدينتي، حيث لا يجدون مكانا آمنا يقيهم وأسرهم قذائف الموت، لا يجدون كسرة خبز تسد رمقهم ولا ماء نظيفا يروي عطشهم ولا دواء يخفف عنهم آلامهم.
لم أحتفل.. لأن في مدينتي تعز، شبح الموت يخيّم على كل طفل جريح أو امرأة مصابة أو كهل عجوز أصيبوا فيها بقذائف الحوثيين، ويلاحقهم حتى الى المستشفيات، التي أصبحت أيضا هدفا للقصف الحوثي المجنون ومنعوا حتى إدخال اسطوانات الأوكسجين اليها، للمبالغة في تعذيب سكان هذه المدينة التي رفضت التمرد الحوثي على الإرادة الجمعية وعلى قيم المجتمع.
لم أحتفل.. لأن مدينتي تعز، تعيش خارج التغطية الإنسانية، تكابد الحياة بحثا عن أبسط الاحتياجات اليومية.. عن البيض، عن الفول، عن الفاصوليا، عن أرغفة الخبز والدقيق، عن الزيت والسكر، التي أصبح الحصول عليها ضربا من المحال.
لم أحتفل.. لأن أهلي وأبناء مدينتي، مشغولون بتوديع أبنائهم الموتى، بتجميع رفاة ضحاياهم، بدفن أحبابهم والغالين عليهم الذين سقطوا خلال العام الراحل، الذي غيّب كل شيء جميل عن حياتهم، وحرموا خلاله من أي حقوق إنسانية في تعز، حتى من (الحق في الحياة) حيث أصبحت الحياة فيها صعبة المنال.
لم أحتفل.. لأني متألم عليك يا معشوقتي..لأني مكلوم برحيل العام بمآسيك الحزينة وبأحزانك الغائرة.. لم أحتفل لأن أعداء الحرية والكرامة الانسانية دمّروا كل تراثك، منشآتك، شوارعك، أحياءك وأعادوك قرونا الى الوراء.. لم أحتفل لأني مكلوم برحيل هذا العام بالعديد من أعز الأصدقاء والزملاء ورفقاء الطفولة.
اعذريني يا معشوقتي لم أحتفل.. ولأجلك يا تعز قررت ألا أحتفل.. ولن أحتفل في حياتي حتى تعودي كما عهدناك حضنا دافئا لكل عشّاقك.