لا تستطيع لبنان تحمل الهدوء السياسي لفترة طويلة سرعان ما تنفجر "القنبلة الثقيلة"، الجاثمة على صدور السياسيين اللبنانيين، وهو ما أعطته "أزمة انتخاب الرئيس"، فالـفشل رقم (35) ينبئ بمتفجرات سياسية، متوقعة خلال المراحل الحاسمة من التدخلات الإيرانية في البلدان العربية وربط الأزمات ببعضها.
حتى بداية مارس/آذار القادم ستكون الحمى السياسية في لبنان، مرتفعة، فالتهديدات ستطال الجميع، والقذائف ستنتشر لتصيب عمّق المجتمع اللبناني، ما يعيد شبح الحرب الأهلية اللبنانية، طالما وأن الفاعل واحد في تأزيم العلاقات السياسية في ذلك البلد.
المرشحان الرئاسيان ميشال عون وسليمان فرنجية، هو ما تدور عليهم التوصيات وبالرغم من كون الإثنين قريبان من حزب الله ونظام الأسد إلا أن حزب الله، بالرغم من تأييده لـ"عون"، لا يريد انتخاب رئيس للبلاد، ويبدو أن فشل 35 مرة الماضية كان وراءه الحزب المنخرط بشكل كامل في القتال على الأراضي السورية.
وقد حرّك رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عندما رشّح فرنجية، رئيس تيار المردة، للرئاسة بعد لقاء سرّي بينهما في 17 تشرين الثاني/نوفمبر في باريس. وكان ذلك مثيراً لـ"حسن نصر الله"، الذي التقى بفرنجية في ديسمبر/ كانون الأول في محاولة من الأخير إقناع الحزب بالعدول عن قراره وترشيحه وهو ما رفضه وأعلن تمسكه بعّون.
في الوقت الذي كان الحريري يرشّح فرنجية، كان حليف الحريري رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يرشّح شريك فرنجية، عون الذي هو قائد سابق في الجيش ومؤيد لحزب الله.
يرى كثيرون أن ذلك يعني رئيس لبناني قادم يعطي المزيد من المكاسب ل"إيران"، وقد كان ذلك ممكناً، لولا أن إيران تنظر بشكل أبعد كثيراً، وتنظر للبنان أنها ورقة ضغط ممتازة تستخدم في ملفاتها الإقليمية، وليس من صالح طهران الوصول إلى استقرار سياسي في "لبنان" بشأن أزمة اختيار الرئيس، فالسياسيين الإيرانيين ينظرون بمنظار آخر، حتى ولو كان الرئيس القادم سيأتي على "سجاد إيراني"، كما يحب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، أن يتهكم على دور إيران في تعطيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية.
ليس تهكم "جنبلاط" هو الوحيد الذي يشير إلى "تعطيل إيران" للانتخابات وهو ما أشار إليه رئيس لبنان السابق ميشال سليمان بالقول «عدم انتخاب رئيس للجمهورية يعود الى رغبة البعض بإبقاء لبنان ورقة ضغط ايرانية الى حين ايجاد الحل للازمة السورية»،
التركيبة اللبنانية بطبيعتها قائمة على توازنات طائفية، حسب اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية في لبنان بعد 15 سنة والذي تم توقيعه في 1989م، فالرئاسة "للمسيحيين" الموارنة ورئاسة الحكومة للسنة ورئاسة البرلمان للشيعة ـ بحسب اتفاق الطائف ـ لكن "المسيحيين" منقسمون سياسيا فبعضهم مع نظام الأسد وإيران لمصالح يرونها مثل عون والبعض الآخر ضد نظام الأسد وإيران مثل القوات اللبنانية وحزب الكتائب وبالتالي اختيار الرئيس الجديد يخضع لحسابات طائفية وسياسية.
المشكلة الآن هي أن عون يحتاج إلى ثلثي اعضاء البرلمان (86 من أصل 128 نائب). وفي هذه الاثناء يوجد إلى جانب الحريري خصمين قويين هما رئيس البرلمان نبيه بري، الشيعي، ورئيس الدروز وليد جنبلاط. الاثنان لا يتلهفان لتعيين عون. لكنهما صامتين، ولن يتحدثا، فيما يعّول على اتحاد المسيحيين تجاه أحد الشخصين. من أجل المقايضة مع "السعودية" في "الملف السوري" وطالما أن العلاقات توترت بين "الرياض" و "طهران" على خلفية اقتحام السفارة السعودية في "مشهد" فيبدو أن رئيس لبنان سيتأخر كثيراً.
فالخطورة تكمن حسب "ميشيل سليمان": «في طرح الحلول السورية أمام الفراغ الرئاسي في لبنان»، ويبدو أن القوى السياسية اللبنانية رأت أن تضع "حزب الله" في الزاوية، فبالنسبة لـ"حزب الله -إيران" فإن أياً من الشخصين "فرنجية" أو "عون" هو كالتخيير بين الأحلى والحلو، لكنه في نفس الوقت مُرّ، فالوصول إلى "رئيس جديد" يعني ضرورة الخضوع لمطالب اللبنانيين بكّف الأذى في "سوريا" و وقف أن تكون "لبنان" قاعدة انطلاق الميلشيات الشيعية للقتال في سوريا، الذي يزيد من أزمة اللاجئين في البلاد، وينذر بعواقب وخيمة.
وبالنسبة لـ"عون" الذي يدافع "حزب الله" من أجل أن يكون رئيساً، ورفض الحزب الحضور لأي جلسة في "البرلمان" ما لم يكن هو المرشح الوحيد ليصعد بالتزكية وحدها وليس بالتصويت، فإن النظام في إيران منقسمون حيال ذلك، بين من يريدون ميشيل عون على اعتبار أنه شخص استطاعت إيران شراءه لصالح حزب الله واثبت ولاءه وتنفيذ ما يطلب منه، وبين من يعتبرون أنه شخص يمكن شراء ولائه بسهولة، فكما تم شراءه لصالح حزب الله، يمكن شراؤه لصالح جهة أخرى اذا كان المبلغ أكبر، ويزعم هذا الفريق أن "عون" كان يأخذ مبالغ طائلة من "صدام حسين" عدو إيران القديم، لذلك يتخوفون منه.
من الواضح أن انتخابات الرئاسة اللبنانية مرتبطة بمدى قدرة "إيران" على احتواء أزمات المنطقة (العراق وسوريا واليمن)، ولم يعد شأناً داخلياً لبنانياً، فحزب الله الذي أعلن بيعته للمرشد في الثمانينات لن يتلقى تعاليمه إلا من هناك، وفي ظل استخدام إيران لـ"لبنان" كورقة ضغط دائمة في القضية السورية، منذ عام 2011م، فإلى جانب ورقة الضغط في "اليمن" تعتقد طهران أنها تستطيع "إخضاع" السعودية واللبنانيين قبل ذلك إلى هزيمة سياسية في ظل رغبة دولية بعد الاتفاق النووي، لكن يبدو أن المفاجآت اللبنانية ستكون مخيبة لآمال الإيرانيين، فكما كانت مفاجآت "الحريري" و "جعجع" متفجرات أربكت الأوراق الإيرانية، فالمستقبل سيكون كذلك.
*عن مجلة البيان