المفارقة بين المفهومين نظريا لا شك انها ستأخذنا الى تشعبات كثيرة واستفاضة كبيرة للتفريق بين المفهومين وهو ما لا أحبذه ولا أريد الخوض فيه تجنبا للإسهاب الطويل.
وعموما المفارقة ليست بتلك الصعوبة التي قد تلزمك التمييز بينهما فطبيعة المصطلحين يبينان الفروق بينهما ،وربما لفظ المفهومين يعرفان بنفسيهما.
ولهذا أفضل أن يكون الموضوع عمليا أكثر، ولا أحتاج الى خلفية أو تمهيد للقول بأن التحالف بين الأحزاب اليمنية المعارضة لنظام صالح "اليسارية ،القومية ،الإسلامية" والتي عرفت" باللقاء المشترك" كان تحالفا حزبيا سياسيا مرحليا.
وهذا أحد الأسباب بل جوهر فشله في مرحلة ما بعد الثورة ثورة الـ 11 من فبراير، نظرا لطبيعة البيئة السياسية التي خلقها نظام صالح والتي كانت تحتاج الى تحالف استراتيجيا، لتخطي عقبات ما بعد صالح في إدارة البلاد.
بني التحالف الذي هندسه القيادي اليساري "جار الله عمر" بمعاونة شخصيات من حزب الإصلاح وأخرى من الناصري على هدف مرحلي، وهو انتزاع السلطة من شخص صالح الذي كان يمثل الرئيس والنظام والدولة في آن.
كان التصور لتحقيق الهدف هو الوصول للسلطة عبر العملية الإنتخابية في ظل الهامش الديمقراطي المتاح وقتذاك، وهو ما كاد يتحقق في الإنتخابات الرئاسية التي أجريت في العام ألفين وستة، لولا انقلاب صالح على ذلك الهامش عندما هدد بإنزال الدبابات الى الشوارع في حال الاحتكام لنتيجة صناديق الإقتراع التي كانت تحمل في أرقامها فوزا لمرشح المعارضة "فيصل بن شملان"، وهذا ما كشف لاحقا على لسان نائب الرئيس اليمني حاليا قائد الفرقة الأولى مدرع في نظام صالح علي محسن الأحمر.
عموما ظلت الأحزاب المتحالفة تناضل في خطها السياسي، وتحاول انتزاع مكاسب معينة من ضمنها تعديل أو تغيير السجل الإنتخابي ،التي كانت تعتقد أنه أحد أسباب فشلها، بعد أن أعلنت النتائج وفق هوى صالح الذي فوز نفسه بأغلبية كبيرة عكس ما حوته نتائج الفرز.
و ربما لم يكن اللقاء المشترك يعلم أن مرشحه هو من يفترض به أن يكون جالسا على سدة الحكم لولا انقلاب صالح على هامش العملية الديمقراطية المتاح.
بعد ذلك حدث المتغير الأبرز في الساحة اليمنية عندما قامت الثورة الشبابية التي انطلقت من خارج دوائر صنع القرار في هذه الأحزاب، بمعنى أنها لم تكن ضمن حسابات الأحزاب السياسية المعارضة، مثلما لم تكن أيضا ضمن حسابات نظام صالح.
التحقت هذه الأحزاب بركب الثوار المطالبين بإسقاط النظام وفق مبدأ "وإن هبت رياح الثورة فاغتنمها"، وسعت الى تحوير شعار الثورة من إسقاط النظام، بما يعنيه هذا من المصطلح من أبعاد يجعلها أحد المستهدفين كون اَي نظام سياسي هو ركيزتين أساسيتين سلطة حاكمة ومعارضة الى تغيير النظام كونها لا زالت تحتكم لهدفها المرحلي المتمثل بالوصول للسلطة وخلافة صالح أو انتزاع الحكم منه.
وظنت وكثير من الظن إثم أن ما فشلت في الوصول إليه بالآلية الديمقراطية قد تصل اليه بالركوب على الثورة.
لا أستطيع النكران أن أشخاص كثر وانا منهم كانوا من مناصرين تسييس الثورة أو بمعنى آخر تحقيق أهداف الثورة وفق عملية سياسية، نظرا لطبيعة البلاد وتعامل النظام القمعي مع الثورة والثوار، الأمر الذي كان ينذر بنشوب حرب أهلية - نشبت فيما بعد - خصوصا بعد انقسام الجيش في بلد تحكمه الهويات الصغيرة الجهوية والقبلية وافتقاره لمؤسسات دولة ناظمة وحاكمة.
وبالتالي كان الوقوف الى جانب العملية السياسية أمر ملح، لكنه أيضا لم يكن بتصور ما آلت إليه الثورة وأهدافها، اقصد هنا المبادرة الخليجية التي حولت الثورة من حدث جذري إلى المطالبة بتحقيقه، عوضا أن الثورة تحولت في مرحلة الحوار الوطني الى المطالبة بإصلاحات في النظام السياسي.
وكون عقلية اللقاء المشترك المحكومة بهاجس الوصول للسلطة وخلافة صالح في الحكم، فقد ارتضت بالمبادرة الخليجية، والمشاركة في الحكم مع سلطة صالح بعد أن ضاق هدف الثورة الأساس من إسقاط النظام الى تغييره، ثم تمحور أو اختصر بشخص صالح وهو ما لم يرتضيه الرجل الذي استغل الحصانة التي منحه إياه هوس المشترك بخلافته ليظل ضمن اللاعبين القدماء الجدد، وهو ما يعني هنا وجود قصور في نظرة أحزاب المشترك، وعدم امتلاكها لأهداف استراتيجية متعلقة بإحداث التغيير، وضرب الثورة في العمق، وحولها من مسار اجتثاث صالح من السلطة والنظام والدولة الى طوق نجاة له، بل وبعثته من جديد بعد أن حصنته من كل جرائمه السابقة، ليبدأ مرحلة جديدة من العبث انتهت بانقلابه على التغيير الذي وافق عليه بالتوقيع على المبادرة الخليجية.
غياب الاستراتيجية ظهر بوضوح في مرحلة مشاركة اللقاء المشترك في السلطة، في مرحلة حكومة الوفاق الوطني عندما راحت هذه الأحزاب تتقاسم المناصب والوظائف العامة، اَي تقاسم فساد صالح حتى اختلفت، ثم انقسمت في ما بينها وقدمت اسوأ نموذج لسلطة ما بعد الثورة، لتصبح فيما بعد الضحية الأبرز والخاسر الأكبر منذ تلك المرحلة الى الْيَوْمَ.
ومن هنا وجب القول انه لو كان لهذه الأحزاب رؤى استراتيجية لذهبت للوفاق اكثر، ولو أجلت قليلا نزعتها السلطوية، واتفقت في ما بينها للتغلب على إرث صالح الفاسد، وأغلقت أمامه الفرص للسخرية من الثوار وتمييع الثورة والانقلاب عليها.
في الأخير كان اللقاء المشترك تجربة سياسية متقدمة جدا في مرحلة ما لعدة أسباب، منها البيئة التي تشكل فيها والتضحية التي قدمها، ولعل اغتيال مهندسه الأول من أبرز تلك التضحيات، بالإضافة الى التوليفة التي قدمها من يسار وقوميين وإسلاميين، لكنها انتهت- أقول هنا انتهت نهاية سيئة، وتلك هي عاقبة المشاريع التي لم تكتمل، ولم تعتمد على الإستراتيجية منهجا في رسم سياستها.
قد يقول احد ما أن الأهداف الاستراتيجية دفنت في رأس جار الله عمر ووريت الثرى معه، لكن ذلك ليس عذرا.
يفترض بتجربة مثل اللقاء المشترك اللا يكون هذا الفشل مصيرها.