توكل كرمان

توكل كرمان

ناشطة يمنية، حائزة على جائزة نوبل للسلام. رئيسة منظمة "صحفيات بلا قيود"

كل الكتابات
نحن بحاجة إلى العدالة لليمن وإلى العدالة لخاشقجي
الثلاثاء, 01 أكتوبر, 2019 - 03:17 مساءً

إن الحكومة التي نظّمت عملية القتل الوحشية التي تعرّض لها الصحفي السعودي والكاتب في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي تطبِّق الآن نفس النهج على بلدي. مثلما ورد أن السعودية أرسلت فريقًا لإعدام جمال وتقطيعه، فقد أرسلت أيضًا قوات – مع حليفها الإمارات العربية المتحدة – في مهمة لتدمير اليمن وتمزيقه.
 
قبل عام، صُعِق العالم بخبر مقتل صحفي سعودي في قنصلية بلاده في إسطنبول من خلال جريمة بشعة ارتكِبَت في تجاهل صارخ لحرمة المنشآت الدبلوماسية والقواعد الأساسية للقانون الدولي. حاول النظام السعودي أن ينكر أي صلة بالجريمة، لكن الضغط الدولي أجبره على الاعتراف بحدوثها وتورط مواطنين سعوديين فيها.
 
على الرغم من أن مقتل جمال قد صعق العالم، إلا أن القليل منهم في اليمن فوجئوا. السعودية ترتكب جرائم في اليمن بذات مقدار الفظاعة والتهور. عندما يواجهها المجتمع الدولي، فإنه يتجاهل المسؤولية ويلقي باللوم على الآخرين. أيبدو الأمر مألوفًا؟
 
على مدى السنوات الخمس الماضية، قصف تحالف تقوده الحكومة السعودية اليمن من السماء. لقد استهدفت قاعات الزفاف والجنازات والأسواق والأحياء السكنية والبنية التحتية وحتى المواقع الأثرية التي يعود تاريخ بعضها إلى 4 آلاف عام. لقد توفي أكثر من 60 ألف شخص في النزاع، ونزح أكثر من 3 ملايين. في أوائل سبتمبر/أيلول، توفي 135 شخصًا في غارة واحدة قادتها السعودية على مركز احتجاز لميليشيا الحوثيين.
 
على الرغم من هذه اللامبالاة، غالبًا ما يتم نسيان محنة اليمن في جميع أنحاء العالم – ويمكن وضع المسؤولية عن ذلك أيضًا على عاتق السعودية. المال هو السياسة الخارجية المفضلة للسعودية. لقد استخدمت المساعدات وتجارة الأسلحة وأموال النفط لإسكات العالم عن ملاحقة قتلة جمال بشكل فعّال، وهي تستخدم نفس السياسة فيما يتعلق باليمن. لقد تحدث عدد قليل جدًا من الأشخاص حول العالم نيابةً عنا كنتيجة لذلك.
 
جمال كان استثناء. كان أحد الأصوات النادرة في السعودية التي رحبت بموجة التغيير الديمقراطي التي بدأت في عام 2011 في الشرق الأوسط، مما أثار غضب السلطات السعودية. استخدم جمال مقالاته لدعم السلام في اليمن، واتخذ موقفًا مبكرًا ضد المزيد من الصراع ودعا السعودية لإقامة مصالحة تاريخية.
 
تواصل جمال مع العديد من الشباب والصحفيين اليمنيين، وفي كل مناسبة أكد على أهمية إيجاد اليمنيين لحلول محلية. وأكد أن ذلك مرهون بتحرير صنع القرار السياسي اليمني، لذلك لم تتخذ القرارات لصالح السعودية أو إيران عندما كان للبلدين أهداف متباينة لا تتطابق بالضرورة مع أهداف الشعب اليمني. أقنعت حجج جمال الكثيرين في اليمن الذين لم يعودوا ينظرون إلى السعودية كبطل يسعى ببساطة إلى استعادة دولتهم.
 
في لقائي الأخير مع جمال في إسطنبول قبل شهرين من وفاته، اتفقنا على بذل جهد مشترك لوقف الحرب تحت شعار “أوقفوا الحرب، أوقفوا الانقلاب، أوقفوا الجوع”. لن أنسى كلماته لي في ذلك اليوم: “سوف أساعدك بكل ما أستطيع، إن لم يكن لصالح اليمن، فإذًا لصالح بلادي السعودية التي خسرت الكثير بسبب الحرب اقتصاديًا وأخلاقيًا”.
 
ساهمت جريمة القتل المأساوية والمخيفة التي تعرّض لها جمال في قيام صحوة عالمية ضد الانتهاكات السعودية في المنطقة وتوسيع نطاق الحركة المناهضة للحرب في اليمن وخارجها. وهكذا، في حين يبدو أن الحرب في اليمن ومقتل جمال مسألتين منفصلتين، فإنّ تهور وقسوة الزعيم الذي يقف وراء كل هذه الفظائع جعلتهما مترابطتين بشكل لا ينفصم. هكذا ترتبط العدالة في كلتا الجريمتين أيضًا: زيادة التدقيق في شأن مرتكبي جريمة قتل جمال الحقيقيين يمكن أن يحفز الدفع لإنهاء الحرب في اليمن. من شأن محاكمة المتورطين في جرائم الحرب والانتهاكات في اليمن أن تضيف المزيد من الزخم لمحاكمة ومعاقبة قتلة جمال.
 
الفظائع السعودية في الشرق الأوسط لا تعد ولا تحصى. العدالة الحقيقية ستشمل العدالة لجميع ضحاياه.

*نقلا عن الواشنطن بوست
 

التعليقات