دور الزيف اليهودي في تحريف الديانة المسيحية
الاربعاء, 06 يناير, 2021 - 05:33 صباحاً

العقيدة المسيحية ديانة سماوية نسبة إلى المسيح عليه السلام، مشتقة من لفظ  "مسيحا" كانت من الألقاب المعظمة عند بني إسرائيل، يطلقونها على نبي أو عالم أو نبي. وقد تدرج هذا اللقب و أُلبس معاني عديدة، إلى أن أفرغ من دلالاته الحقيقية، فصار مفهومه بالفرنسية " crètin" يعني مغفل أو غبي،ثم فَدم والفدامة حالة مرضية تتميز بتشوه خلقي عقلي، أما ألفاظ القران الكربم، فقد خلت من تعبير "المسيحية" أو الصفة  "مسيحي" وجاء لفظ النصارى بدلا منها.
 
جاءت الديانة المسيحية لترسيخ وحدانية الله تعالى، ورسالة موجهة إلى النصارى واليهود على السواء، ولم تأتي ناسخة لما قبلها- اليهودية- بل مكملة مقرة لها .
 
لعبت عقيدة التثليت المحور الرئيسي في الديانة المسيحية، بتأثير من الفلسفات اليونانية والرومانية، والديانات الوثنية القديمة في منطقة الشرق الأوسط، فتوغلت  أدرانها بأيعاز ومباركة الإمبراطورية الرومانية.
 
في خضم هذا التوثر العقدي الفسيفسائي الديني، ظهرت الدعوة الأريوسية نسبة لأريوس، رافضة كل دعاوي التثليت، ونادت بالتوحيد الخالص والعودة إلى ينابيع الديانة المسيحية الصحيحة.
 
أريوس هذا كان وقعه قويا في تشكيل المسيحية نحو مسارها الصحيح، وخاض معركة ضارية مع امبراطورية روما وأباطرتها الطغاة، يؤرخ لمولد اريوس مابين عامي 280-170م.
 
في منطقة ببطليموس شمال إفريقيا بليبيا.  وقد أختلف على تحديد مكان مولده، إذ نسبه بعض المؤرخين إلى مصر والإسكندرية إذ عاش وتربى بها، واستقى ينابيع العلم، بالإضافة إلي إختلاف تاريخ مولده مابين 280 أو 270م.
 
بولس اليهودي وأصول التثليت في العقيدة المسيحية
 
على النقيض من ذلك، وفي مرحلة سابقة عن آريوس ظهرت شخصية بولس ذو الجذور اليهودية، المخالفة لعقيدته الداعية إلى التثليت، فبثت هذه الأفكار التي هي امتداد عن الوثنية، والفلسفة اليونانية في العقيدة المسيحية، فتزامنت العقيدتين المتناقضتين، الشيء الذي خلق صراعات سياسية بين الدولة والكنيسة بسبب الطبيعة الفسيفسائية التي أنتجتها أفكار بولس، وبين آريوس الداعي إلى التوحيد، أي الإيمان بالنصرانية بأصولها المنزهة، كما جاء بها عيسى عليه السلام.
 
كل الكتب السماوية التي أتت بعد موسى، أو في عهد عيسى عليهما  السلام نادت بوحدانية الله كما صرح بذلك- على أنه ليس ناسخا للتوراة-  لآ تظنوا أني جئت لأنقض ناموس الأنبياء، ما جئت لأنقض الأكمل(2)، بالرغم من تلك الدعوة الصريحة إلى التوحيد في النصرانية، فإن عقيدة التثليت تعتبر هي محور العقائد في هذه الديانة.
 
الاضطهاد الديني
 
يهمنا التطرق للتعثر الذي لحق بالنصرانية، والمحن التي أدركت أتباعها، فقد نزل بالنصارى الأوائل من البلايا والكوارث على ايدي أعدائهم، خلال القرون الثلاثة الأولى ما جعل بعضهم يهجر هذا الدين، ويتنكر له، وجعل بعضهم الآخر يخفيه عن نفسه، ويفر به مهاجرا إلى أمم أخرى، وبذا لم تكن تعاليم عيسى قادرة على الظهور في مثل هذه الفترات الصعبة، فكان كتابها يغلفونها بأغلفة من الكتابات التوريات، وما إلى ذلك من الرمزيات التي عقدت هذه التعاليم الواضحة وجعلها أشبه بالطلاسم يصعب على العقل فهمها، وكانوا تارة يضيفون هذه التعاليم في تفسيرات وإضافات، أخذوا معظمها من الفلسفة والأفكار المعاصرة لهم، مما أدى إلى مسخها وتشويه الكثير من حقائبهم.
 
نجاح بولس في تثبيت التثليت
 
نجح بولس في تثبيت دعوته- اي التثليت بمباركة من روما، وذلك أن دعوته كانت امتدادا لأصول وأفكار سائدة عند الرومان، وقد تضمنت أفكار بولس البقاء على الأرقاء والعبودية، فخدمت دعوته بذلك حكام روما وتطلعاتهم، فوجد عندهم سندا قويا، فكان حريا بروما أن تبقي على على فيلسوف طيع يخدم أهواءها ويحقق مآربها التوسعية. وتعاملت مع أفكاره على أنها تشريع من الكتاب المقدس. وبذلك أصبحت كلماته( كتابا مقدسا )، وصارت رسائله ذات حرمة وتقديس، تنزل منزلة الإنجيل. وتناولها الشراح والدارسون من علماء الكنيسة، ورجال الكهنوت بكل ما يملكونه من طاقات، فكانت منها تلك الفلسفة التي شغلت العقل المسيحي طوال هذه العقود الماضية اللاحقة .  وبذلك دخلت دعوته في أخص خصائص اللاهوت المسيحي، حيث لا نجد في لاهوت بولس اي سند إلا بعض الأقوال الغامضة أشد الغموض في أقوال المسيح، وهو في ذلك إنما كان متأثرا بالأفلاطونية والرومانية والرواقية، إلى جانب سيطرة الأفكار اليهودية والوثنية. 2*
 
مثل التضحية والفداء والتكفير عن خطايا الناس
 
لقد عرف عن بولس التبشير بأساليب يونانية ورومانية، وبعقيدة يهودية الأصل، وقد مكن له وضعه الآمن برعاية الامبراطورية الرومانية من تحقيق أهدافه بالإضافة إلى تمتعه بالجنسية الرومانية ، ودعوته إلى عالمية الديانة، وبداية التبشير بها من بني إسرائيل إلى مناطق العالم الاخروي.
 
هكذا حرص بولس على نشر دعوته، والتعرف بها، لنقل دعوته من الأرض التي يعيش بها اليهود، إلى الشعوب الوثنية الأخرى، كالرومان واليونان.  ومن الملاحظ أن دعوة بولس بعد موته لم يتم انتشارها مباشرة، بل على العكس تماما، فقد غرقت في سبات دام مائة عام كاملة، وبدأت الديانة المسيحية يدب فيها الركود، وتداخلت فيها الكثير من الشوائب.  فالتفت الكنيسة حول( رسائل بولس ) وكان قد صرح بأن الإنجيل الجديد الذي بشر به ليس هو( إنجيل عيسى ) بلهو إنجيل تلقاه بإلهام عن المسيح، بمعنى أنه لا يبشر بما ترك المسيح، حيث يقول: أعرفكم ايها الإخوة - الإنجيل الذي بشرت به ليس بحسب إنسان ولا علمته، بل بإعلان يسوع المسيح 4*
 
لاقت دعوة بولس تجاوبا كبيرا لتجانسها مع الفلسفة آنذاك، ويبدو أن الدولة الرومانية لم تساند الديانة المسيحية إلا لما شعرت أنها في حاجة إليها لدعم استقرار أمنها- إذ هي حضنت المسيحيين وديانتهم.
 
"ظهور شخصية آريوس وأسباب اظطهاده  من رجال الكنيسة "
 
بعد المرسوم الذي أقره المجلس سنة 313م المعروف بمرسوم ميلانو الذي تم فيه الإعتراف بالنصرانية كدين رسمي للدولة بأمر من قسطنطين .في هذه الفترة ظهرت شخصية( آريوس) الذي وقع ضده وذلك بالرجوع إلى الينابيع الصحيحة، والأصل في الديانة الذي تمثل في التوحيد.
 
لقد أغفل التاريخ هذه الشخصية ومورس عليها التعتيم والتضليل من طرف روما، كونه جاء منددا بسياستها المتطرفة، وتحريفها للمسيحية، فاعتبرت الكنيسة حركته هرطقة ومروق ديني، فلم يأتي ذكره في المصادر التاريخية إلا بالقدر الذي أسيء إليه، والنزر اليسير  ياتي ذكره في الرسائل بين القساوسة والاباطرة.
 
  تذكر المصادر التاريخية بان آريوس تتلمذ على ألوقيانوس "Lucain" زعيم المدرسة الأنطاكية الذي نسب إليه جميع تلاميذته الذين شغلوا مناصب كبرى بالكنيسة، ويعده المؤرخون الأب الروحي للآريوسيين.
 
تأثير شخصية" لوقيانوس " على شخصية آريوس
 
يجدر بنا هنا- التأكيد على شخصية لوقيانوس لأرتباطها بأريوس في تشكيل مساره الفكري الديني، وإثبات البذور الأولى للعقيدة الأريوسية. كما تذكر المصادر أنه أسس مدرسة أنطاكية لتفسير  الكتاب المقدس)إلا أنه كما يبدو أن تاريخ الديانة المسيحية إبان دعوة التصحيح ومحاربة البدع، اشتهرت على يد آريوس، لتزامنه مع تبني الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، وإخراجها من مضمونها الجوهري.
 
 إضافة إلى الثراء الفكري والصفاء العقدي، وبالبرغم من تنكر التاريخ من  فقد احتفظت له المصادر بأوصافه الحسنة الخلقية، على أنه كان مكتمل الرجولة، مديد القامة نحيفا في نظراته  حزنا وكآبة، زاهدا في ملبسه، كلامه جذاب، حجته مقنعة ،  لهذا كان محط إعجاب الراهبات، وله بين الرهبان شعبية متحمسة، وكل هذه صفات وفرت له أن يكون صاحب إتجاه ديني مذهبي.
 
ويجذر القول أن مجمل  الأوصاف التي قيلت في حقه كان مصدرها خصومه، إذ كانوا يشهدون بمثانة علمه وباعه المعرفي.
 
 ونستقي هنا شهادة إحدى القساوسة المحدثين قوله" ليس هناك في تاريخ الأساقفة ورجال الدين العظماء من فعل مثلما فعله آريوس، كان رجلا طويل القامة متطرفا متهورا، ذا عينين متوهجتين ذاتي بريق، وقدرة على عقلية من الفوران العاطفي الرهيب، بل ليس هناك رجل يحمل السامعين على تغيير رأيهم مثله، لأنه كان عالما مثقفا وصادقا وأصيلا، لكن تعاليمه التي بشر بها قضت على الحقيقة الإلهية من جذورها، بيد أنه لم يقصد ذلك من خلال تلك المعارضة إذ كان يعتقد أنه يدافع عن حقيقة العقيدة ويدعم طهارة المسيح وجلال مكانته6*
 
 أثرت شخصية آريوس في مسار الفكر الديني، إذ أن دعوته قامت على أساس تنقية جذور المسيحية من التثليت ومخلفات الوثنية القديمة، إلا أنه وجد نفسه بين شقي رحا، معارضة رجال الكنيسة، واضطهاد حكومة روما له.
 
 ولمعرفة شخصية آريوس عن قرب في اتجاهها العلمي، أو الفكر الديني، لابد من تحديد بصماته في هذا المجال، وتسليط الضوء على القضايا التي ناد بها، والتي عارضها، إذ أن مذهبه لم ينشأ من فراغ أو تحمس لتيار فكري معين، أو من أجل حظوة علمية طمعا في ارتقاء السلم  الكنائسي، بل هدفه كان واضحا، عمل على إظهار جوهر العقيدة المسيحية كما نزلت أول مرة على عيسى عليه السلام.
 
 ولنطرح السؤال الذي أجيب عنه من خلال مشاهد تاريخ الكنيسة، ونفوذ رجال الدين على السلطة الدينية و المدنية.
 لماذا أُضطهد أريوس من طرف روما وقساوستها.
 
 للقصة بقية
 
 مراجع البحث في التتمة. 

*المادة خاصة بالموقع بوست.

التعليقات