انتعاش الثقافة العربية في حفل افتتاح المونديال
الإثنين, 21 نوفمبر, 2022 - 12:05 صباحاً

فيما كان النيتشويون ينتظرون احتفالًا جماليًا لافتتاحية كأس العالم، يشكلون من خلاله معاييرهم في تقييم البطولة، ويمنحهم انبهار لحظي، وشعورًا عابر بالمتعة والسعادة، يتلاشى مع انتهاء صافرة اختتام البطولة، كانت قطر تُعد لهذه اللحظة، وتتخذ منها فرصة تأريخية لإبراز الثقافة العربية بجوهرها الإنساني الخام، ونفض الغبار عن الفكر والفلسفة العربية، الذي ظل مدفونًا لمئات السنيين، تحت اللحى والعمائم التي طمست الوجه الحقيقي، والجانب المشرق من ثقافة الشرق والعرب أمام أنظار العالم القادم بصورٍ وقوالب بالية، يرى من خلالها حياة هذه المجتمعات وثقافاتها، التي ظلت غارقة بفتاوي وأفعال عطبت العقل، وأعاقت نهوضهم وتقدمهم الحضاري، وأنتجت التخلف والبلادة في أوساطهم، ما اتاح للعالم البقاء بالنظرة الواحدة والضيقة لهم، رغم محاولاتهم مواكبة العالم، والحصول على فرصة للظهور.
 
إن الثقافة والفكر العربي بحاجة ماسة لاستثمار الفرص، واستغلال المساحات لإيجاد مكانته في هذا العالم، وضمان وجوده في الحياة، دون يهرول في عالم الحداثة، وينغمس في الثقافات الأخرى، مقابل القفز على ثقافاتنا وتراثنا، إذ يجب علينا أن نقف بحذر أمام حلبة الأفكار، ونتمهل في الأخذ بكل ما ينتجه العقل البشري ويتوصل إليه، مقابل هدم الأصول والقيم الإنسانية التي تحفظ وجودنا البشري، وتمنح الحياة قيمتها، بدون أن نكتم صوت الضمير، الروح الحقيقية للإنسان، التي تصون حياته، بضوابط وقيود، تفيض من عمق احساسه بقيمة وجوده، وشعوره بالمسؤولية تجاه الحياة الإنسانية، وتضمن كرامته في الحياة، وتؤسس لحياة تحكمها الأخلاق والقيم الإنسانية كمعيار ثابت، تحت سقف انساني واحد، يضمن للشعوب حرياتهم الإنسانية، التي تراعي خصوصياتهم في الحياة، والوجود ولا تذبذبها مساعي العقل البشري في الإنكار، وتجريف الحياة الإنسانية بشكل عام.
 
ولذا تعمدت قطر تجسيد الصورة الحقيقية للإنسانية في الحياة، الصورة التي تحوي جميع الثقافات في عالم واحد، وتضمن الحياة للجميع على أساس انساني خالص، لا يمنح العقل سلطة على الضمير، ويحرض على العنصرية والهيمنة على الآخر، وفي الجانب الآخر قدمت نموذج حقيقي للثقافة الشرقية، لا تظل حبيسة صوت الضمير، والتسليم في الحياة للغيبيات بشكلٍ مباشر، خشية الانزلاق في عالم الحداثة، ما يعطب دور العقل، ويلغي المسؤولية المجتمعية في الحياة، ويجهض محاولات الانفتاح على العلم، والعالم، حيث أبرزت حوار انساني يحمل في جوهره بساطة الإنسان وتلقائيته من خلال حديث طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة مع رجل من الحضارة الغربية حول الأساليب الممكنة لتوليد تقارب حضاري وثقافي بين شعوب وبلدان العالم.
 
 
لا أحد ينكر أشكال التخلف والجهل التي تكتوي به بلداننا العربية، نتيجة الفهم المضاد للفكر الآخر والتعامل الدموي مع الثقافات الأخرى، ومأساة الصراعات الطائفية التي أفرزت واقعًا سيء لا يعول عليه، ويعدم صورة المستقبل أمامنا، لكن علينا أن نتمسك بأي بصيص من آمل، يبعث الوجه المشرق للثقافة العربية أمام العالم، ويقدم نموذج حضاري وثقافي يوازي مسار الثقافة الأوروبية الحديثة، ويؤصل المفاهيم الثقافية في رؤيتنا للعالم، ما يجعلنا نستشعر ذواتنا في هذا العالم، ويساهم في ولادة أخرى للحضارة والثقافة العربية، يقودها الفكر الإنساني المحكوم بصوت الضمير للإنسان، دون أن نفقد الإحساس بقيمتنا في الوجود.
 

التعليقات