إنني اشعر باشمئزاز وخوف دفين كلما سمعت مقولة تفصل بين الشعب وبين المتحاربين (اليمنيين) في اليمن.
هذه المقولة هي لغم ذهني معدّ بعناية فائقة يعطل القوى الحية في المجتمع ويعزلها كي لا تكون شريكة في صنع مستقبلها. وهي مقولة نخبوية بالطبع تبدو متعاطفة مع حالات البؤس التي ولدتها الحرب لكنها بالمعنى السياسي مريضة.
يصورون لكم أطراف هذه الحرب وكأنها قوى استعمارية خارجية قادتها المصادفة او تقصدت إلى الاحتراب في ارض غير ارضها وعلى شعب غير شعبها.
فاذا سلمنا بالفصل بين المتحاربين - وأخذهم جميعها على السواء وفي نفس المستوى من السوء دون الفصل بين البادع المعتدي والمدافع ودون الفصل بين مركزهم القانوني - فانهم لا يتحاربون كي يزيح احدهم الاخر بل كي يحكموا هذا الشعب وحربهم بأبناء هذا الشعب وبخيرة شبابه واطهر دمائه.
وبهذا لا يمكن فصل الحرب عن الشعب من حيث الدوافع او النتائج والالام.
ان ادعاء ان الشعب غير معني بهذه الحرب هو ادعاء باطل كليا منطقاً وحساً، وفي باطنه ارادة ضمنية مقصودة لعزل الجماهير العريضة عن الفعل السياسي النخبوي.
لكنه ادعاء نابع من جبن وتقاعس عن اتخاذ موقف تاريخي من هذه الحرب التي ليست مجرد صراع على الموارد او لتحسين ورقة التفاوض بين قوى سياسية يمكنها ان تتعايش معاً ولو بصيغة غالب ومغلوب.
انها حرب وجودية بين مشروعين. مشروع ماضوي استبدادي يعد بالجهل والمرض والتخلف والفقر والعبودية ويفخخ المجتمع بالتمييز والاحتقار ويفصل الناس على اسس مناطقية وقروية او على اساس العرق والسلالة والمذهب.
ومشروع آخر هو امتداد متعرج للجمهورية.
ان عزل الشعب يعني ترويضه للقبول بمشاريع التمزيق والاستعباد والكهنوت.
مرة اخرى، وبهكذا مقولات، تظهر النخب بلا قاعدة اخلاقية سياسية ولا فلسفة عمل سياسي لانها لا تميز او ترفض التمييز بين مشاريع الحرية والمساواة ومشاريع الاستعباد والكهنوت طالما اقتضى التمييز دفع ثمن فكري واتخاذ موقف اخلاقي نابع من مجاهدة النفس والاستعلاء على شهوات الربح والشهرة.
ان اتخاذ موقف اخلاقي لصالح الجماهير يعني احيانا الوقوف ضد التيار وتحمل العزل والإقصاء. وهذه ثمن لا يقوى عليه من اعتاد ان يكون نجماً.
احذروا من مثل هذه المقولات وحاذروها كلما تلفعت بالحزن والطيبة والحكمة والتعاطف والتواجد الكاذب.