الأعمدة الثلاثة التي قامت عليها الرأسمالية وهي حرية انتقال رؤوس الأموال ، حرية التجارة وانتقال السلع ، حرية انتقال العمل تواجه ضغوطا ضخمة بسبب النمو المتفاوت في البلدان الرأسمالية حيث اصبحت بعضها جاذبة والأخرى طاردة . لكن المشكلة هي ان التي جذبت رأس المال تحركت نحوها العمالة تلقائياً من البلدان الاخرى بطريقة ضج منها عمال البلد الأصليين وهو ما جعلهم يتذمرون ويصوتون على نحو غير متوقع في بريطانيا للخروج من الاتحاد الاوربي ، وهو ما اعتبره البعض تصويت على صلاحية قواعد النظام الذي اصبح يحتاج الى إصلاحات عميقة والتي فيما لو تمت فإنها ستمس بكل تاكيد أسس هذا النظام والتي بدت ذات يوم انها راسخة وغير قابلة للمراجعة .
بريطانيا بقيادة حزب المحافظين تحاول ان تفكك منظومة الحريات الثلاث لتستفيد من بعضها وتتجنب المضار المترتبة عن حرية انتقال العمل دون جدوى لان الحريات الثلاث مترابطة وذلك هو موقف بقية بلدان الاتحاد الاوربي .. مؤتمر حزب المحافظين الذي سيبدأ جلساته يوم غد في برمنجهام سيعيد بحث هذه المشكلة داخل الحزب خاصة وان رئيسة الوزراء قد وضعت عملية الخروج بيد ثلاثة من قادة حملة الخروج وهم وزير الخارجية جونسون ودافيد دافيز ووليام فوكس وزير التجارة الخارجية والذين لم يستطيعوا حتى الان ان يضعوا خارطة عمل لتفعيل المادة خمسين من النظام الأساسي للاتحاد الاوربي والخاصة بمغادرة اي دولة للاتحاد .
خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي عملية مكلفة لمراكز النظام
الراسمالي العالمي وهي لا تقتصر على الاقتصاد ولكنها تمتد الى ما هو ابعد من ذلك وهو ان اوربا التي كانت مركز لحربين عالميتين بسبب جنوح القوميات المتطرفة فيها وما خلفته من كوارث كانت قد استطاعت ان تعيد بناء نهضتها على اساس التعايش وتجميد الصراعات والحروب.. وحتى اثناء انقسامها الى معسكرين جعلت الصراع يدور في نطاق ما أسمته الحرب الباردة بتقديم النموذج بين المعسكرين ... وعندما كانت امريكا تدفع بانقسامات أوروبية نحو الحرب كانت اوربا كلها تقف لتمنع ذلك . ومع محاصرتها الحروب والعمل على بناء اوربا الموحدة والمتكاملة تراجع اليمين المتطرف الذي كان سببا في إشعال الحروب والصدامات المسلحة وتراجعت معه الأيديولوجية العنصرية .. هذا اليمين المتطرف الاوربي هو الذي هتف لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي لان هذه الخطوة تفتح أمامه الطريق للعودة الى ساحة العمل السياسي بزخم اكبر مع ما يحمله ذلك من احتمالات لعودة الاضطرابات الى هذه القارة التي تقف في هذه اللحظة امام خيارين : التكامل والتعايش او الانقسام والصراع .. هذا ما اعتقد ان مؤتمر المحافظين معني بالتعاطي معه من واقع ما تقدمه التجربة التاريخية من اجابات بعيدا عن ضجيج الدافعين بضرورة تسريع عملية مغادرة الاتحاد الاوروبي .