[ الصورة من معارك مأرب - أرشيف ]
ربما ينهي الرئيس جو بايدن تورط الولايات المتحدة في الحرب في اليمن، غير أن معاناة البلاد مستمرة.
إن قضية تصعيد الصراع في محافظة مأرب تعد اليوم واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إثارة للقلق والتي لاتحظى بالتقدير في اليمن. ومع اشتداد القتال والاقتراب من مدينة مأرب، هناك احتمال أن يتعرض مئات الآلاف من المدنيين للخطر.
قبل الصراع الحالي، كانت محافظة مأرب موقعًا غير محتمل لأن تصبح مركزاً لأكبر تجمع للعائلات النازحة في أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم.
قبل 2014 إذا اتجهت شرقًا من صنعاء نحو مأرب فستجد مدينة يبلغ عدد سكانها 40,000 نسمة. لن تكون قادرًا أبدًا على تخيل أنها ستصبح في وقتٍ قريب مكانًا للجوء مئات الآلاف من اليمنيين الفارين من الحرب.
على مدى عقود، كانت مأرب تتلقى القليل من الدعم من الحكومة اليمنية. وكان نهج صنعاء المهمل هو أنه عندما أسست الحكومة الوطنية أكبر محطة كهرباء في اليمن هنالك، رفضت ربط معظم المناطق المحلية بمحافظة مأرب بالشبكة.
وعلى الرغم من التخلف عن الركب في خطط التنمية في البلاد، أصبحت مدينة مأرب مدينة مزدهرة في السنوات الأخيرة. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه منذ بداية الحرب الحالية في اليمن في أواخر عام 2014، نجت مأرب إلى حد كبير من الصراع، حيث كانت محمية من عاصفة عنيفة من القتال المستعر في كل مكان من حولها.
وبعد أن سيطرت جماعة الحوثيين على معظم شمال اليمن، توقف قادة مأرب عن إرسال عائدات النفط والغاز إلى صنعاء وبدلاً من ذلك استثمروها في التنمية المحلية. وبفضل الوقود الميسور التكلفة (وهو أمر نادر في اليمن) والمياه والكهرباء في المدينة، شهدت مأرب نموًا هائلاً حيث شهدت معظم المحافظات الأخرى انهيارًا اقتصاديًا. النتائج واضحة: الطريق الوحيد في المدينة الذي تم بناؤه قبل عام 2015 يتضاءل الآن بسبب طريق سريع مكون من أربعة مسارات وتوجد فيه محال السوبر ماركت والبنوك والمطاعم والفنادق من فئة الخمسة نجوم.
رحب سكان مأرب بزملائهم اليمنيين الباحثين عن اللجوء، حتى مع وصولهم بأعداد كبيرة. تتبعت منظمة الهجرة الدولية (IOM) ما يقرب من 550,000 نازح داخليًا في مدينة مأرب و850,000 في جميع أنحاء المحافظة، لكن العدد الفعلي أعلى. تقدر المنظمات المحلية عدد النازحين في محافظة مأرب بأكثر من 2.2 مليون نازح.
على الرغم من أن استقرار مأرب وجعلها وجهة جاذبة للنازحين، إلا أن الحجم الهائل للوافدين أدى إلى ظروف صعبة.
النظام الصحي في المحافظة ينهار تحت الضغط. يفتقر أكثر من 100,000 نازح إلى إمكانية الحصول حتى على الرعاية الصحية الأساسية. ويعيش معظم النازحين داخليًا في مستوطنات مزدحمة تشبه المخيمات مع مرافق غير كافية.
أدى سوء الصرف الصحي والغياب شبه التام لإدارة النفايات في هذه المخيمات إلى خلق ظروف معيشية خطرة، وهذا يفسر سبب استمرار تعرض المحافظة لمرض الكوليرا على الرغم من انتشار الوصول إلى المياه الصالحة للشرب في مدينة مأرب.
الآن، يمكن أن تصبح مأرب موقعًا لأكبر كارثة إنسانية في اليمن إذا لم توافق أطراف الحرب اليمنية على الفور على وقف إطلاق النار والالتزام به.
على الرغم من صعوبة حياة النازحين داخليًا في مأرب، إلا أن هناك مخاطر أكبر على أعتابهم حالياً، حيث يجدد الحوثيون حملتهم العسكرية للسيطرة على المحافظة.
ستكون مأرب جائزة إستراتيجية للحوثيين: فهي المحافظة الشمالية الوحيدة التي تسيطر عليها القوات المتحالفة مع الحكومة المعترف بها دوليًا، كما أنها موقع لمصفاة نفط كبيرة وأكبر محطة طاقة في اليمن والمصدر الرئيسي للبلاد من الغاز الطبيعي المسال.
سيدفع المدنيون، ولا سيما النازحون داخليًا، ثمنًا باهظًا للقتال في مأرب. في العام الماضي، عندما كانت الخطوط الأمامية بعيدة عن المدينة، تعرض السكان لهجمات عشوائية بالصواريخ والقذائف وتسببت غارات التحالف بقيادة السعودية في مقتل 15 مدنيا وإلحاق أضرار بأكثر من 100 مبنى مدني، وفقا لمشروع مراقبة الأثر المدني.
منذ فبراير، تم تهجير أكثر من 11,000 نازح في مأرب مرة أخرى مع إخلاء بعض المخيمات بأكملها.
ينحدر معظم النازحين داخليًا في مأرب من المحافظات الشمالية ويخشون الانتقام والمعاملة القاسية إذا تمكن الحوثيون من السيطرة على المنطقة.
أُجبر العديد على الفرار عدة مرات قبل أن يجدوا الأمان في مأرب وليس لديهم الموارد اللازمة للتحرك مرة أخرى. هناك طريق واحد فقط خارج مأرب يتصل بأراضي أخرى تسيطر عليها الحكومة، لكنه يمر عبر صحراء شاسعة إلى محافظتي شبوة وحضرموت، والتي قد لا يرحب بهم سكانها كما فعل أهل مأرب.
يجب على المجتمع الدولي أن يدخر جهدًا لإنقاذ مليون أو أكثر من الأشخاص الأكثر ضعفًا في العالم من الاضطرار إلى السير بسرعة عبر صحراء قاحلة دون حماية أو ماء أو طعام أو وجهة آمنة.
في حين أنه من غير الواضح ما الذي يتطلبه الأمر لوقف هجوم الحوثيين في مأرب، فمن الواضح أن الحوثيين مهتمون بالتصورات العالمية للصراع.
تشكلت هذه التصورات إلى حد كبير من قبل المواطنين والمشرعين خارج اليمن الذين عارضوا عن حق دعم حكوماتهم غير المشروط ومبيعات الأسلحة للقوى الخليجية التي تقاتل في الحرب.
أدى الغضب العام، إلى جانب التقارير الإستقصائية إلى إحداث تغيير في السياسات وأنقذ الأرواح في اليمن. وقد ساهمت في الاستئناف الجزئي للواردات المنقذة للحياة واتفاقية ستوكهولم، التي أنقذت مدينة الحديدة الساحلية من القتال (وكل اليمن من مجاعة واسعة النطاق). إن هذا الإهتمام العام والتراجع المستمر وضع اليمن على رأس أجندة السياسة الخارجية لإدارة بايدن ودفع بتغييرات شاملة في السياسة.
في الأسابيع الأولى من ولايته، أعلن بايدن أن الولايات المتحدة لن تدعم العمليات الهجومية في اليمن بعد الآن، مما يمثل تقدمًا طال انتظاره نحو سياسة متماسكة تركز على سلامة اليمنيين بدلاً من الأولويات السعودية أو الإماراتية.
يجب على الكونجرس والشعب الأمريكي الضغط من أجل الوفاء بهذا الالتزام الأولي، لكن يجب ألا يصرفوا انتباههم عن الدور المميت الذي تلعبه أطراف النزاع الأخرى أيضًا، لا سيما في الوقت الذي تتكشف فيه كارثة ذات أبعاد هائلة، وليست من صنع المملكة العربية السعودية أمام أعيننا.
في الوقت الحالي، يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ممارسة الضغط بشكل عاجل وممارسة الدبلوماسية الحاذقة لإنهاء القتال في مأرب لتجنب كارثة في الأيام المقبلة ووضع اليمن أخيرًا على طريق السلام والتعافي.
التعريف بالكاتب:
سكوت بول هو رئيس السياسة الإنسانية في منظمة أوكسفام أمريكا. خلال فترة عمله في منظمة أوكسفام، قاد بول عمل المنظمة بشأن الأزمات الحادة بما في ذلك الأزمات في اليمن والصومال ونيجيريا وميانمار وبنغلاديش. تركز دعوته على الدوافع السياسية للعنف والضعف، فضلاً عن الإقصاء المالي للأفراد الضعفاء وشركات التحويلات والجمعيات الخيرية التي تخدمهم. بول مسؤول أيضًا عن صياغة نهج أوكسفام أمريكا للسياسة الخارجية الأمريكية من حيث صلته بالتعددية والحوكمة العالمية.
لقراءة المادة الأصل على الرابط هنا