[ سلطان عمان كارق بن هيثم يستقبل الأمير خالد بن سلمان في مسقط - ارشيفية ]
سلط "المركز العربي واشنطن دي سي" الضوء على دور سلطنة عمان الفاعل في الصراع اليمني والذي سيظهر بلا شك كعامل مفصلي لآفاق السلام والاستقرار في اليمن الذي يشهد حربا منذ ثماني سنوات.
وذكر المركز في تحليل أعدته الباحثة اليمنية أفراح ناصر وترجمه للعربية "الموقع بوست" أن دور عمان برز بشكل جوهري وبطرق مختلفة في سياق الصراع باليمن، في الوقت الذي تتعاظم التطلعات بقدرة السلطنة لتقديم المزيد، خصوصا عقب استضافتها محادثات بين السعودية وإيران والتي مهد الطريق جزئيا إلى الصفقة الأخيرة بين الخصمين.
وأضافت ناصر أن أزمة اليمن الإنسانية والمخاطر الأمنية على حدودها مع عمان كانت من ضمن العوامل التي صنعت تفاعل السلطنة مع كل الأطراف اليمنية والأجنبية في الصراع المستمر كأمر لا مفر منه. عبر محاولات الوساطة الخفية على نحو مبكر، وكذلك بواسطة أكثر الوسائل العلنية مؤخرا لتسهيل المحادثات.
وذكرت أن مسقط استخدمت خبرتها الدبلوماسية الطويلة في حل النزاعات، وبالتالي لعبت دورا مهما في العمل على إنهاء الصراع ومعالجة الأزمة الإنسانية الرهيبة في اليمن. وبالرغم من أنه لم يبدو بعد بشكل واضح فيما لو نجحت الوساطة أم لا، إلا أن دور عمان سيظهر بلا شك كعامل مفصلي لآفاق السلام والاستقرار في اليمن.
ماذا تمثل اليمن بالنسبة لعمان؟
تقول ناصر "كما هو الوضع خلال الصراع، تمثل اليمن بالنسبة لعمان كلٍ من العبء الإنساني والتحدي الأمني، لقد امتدت المشاكل الإنسانية لتطال عمان كنتيجة للصراع في اليمن، كما أن عمان تشعر أيضا بعمق أزمة اليمن الإنسانية، فضلا عن كون البلدان يتشاطران قرابة 300 كيلومتر من الحدود، وكونها واحدة من دول قليلة فتحت حدودها لليمنيين".
تضيف "على مدار فترة الصراع، فر آلاف اليمنيين إلى عمان، كما أن جرحى الصراع تمكنوا من الاستفادة من العناية الطبية التي وفرتها عمان بشكل مجاني. ومع العدد الهائل من النازحين المحليين في اليمن والبالغين 4.5 مليون، تمثل اليمن حاليا مصدرا محتملا لتدفق اللاجئين إلى عمان، والذي سيثقل كاهل اقتصاد السلطنة بشكل مؤكد، وسيستنزف قدراتها في توفير خدمات متعددة".
أما من ناحية الأمن الوطني، العسكري، وإمكانية حدوث نشاطات إرهابية في محافظة المهرة المحاددة لعمان من جهة الغرب، ترى الباحثة اليمنية أن هذا يمثل هاجس أمني كبير للسلطنة، حيث أنها تتخوف من انتقال العنف بسهولة إلى داخل أراضيها، وبتنامي تنظيم القاعدة المؤقت في حضرموت عام 2016، حذرت عمان من هذه المخاوف والتي عبرت عنها منذ بداية الصراع في اليمن عام 2015. ونشرت السعودية والإمارات قواتها العسكرية للقضاء على تهديد تنظيم القاعدة، لكن حضورهما الموسع في اليمن، والذي بدأ بالوصول إلى المهرة في 2017 أثار مخاوف عمان الأمنية، خصوصا بالنظر إلى أن السلطنة قضت سنوات عديدة لتوطيد نفوذها على شرق اليمن.
تورط عماني في الصراع اليمني
وأشارت إلى أن تورط عمان في الصراع الجاري في اليمن قد تجلى عبر أوجه متعددة. في الأول، لقد اختارت تقديم السلام المرتقب بدلا من المشاركة في الصراع العسكري؛ حيث كانت بالفعل الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة في التحالف العربي بقيادة السعودية.
وتابعت "هكذا أدارت عمان ايمانها القوي بأن الخيار العسكري لم يكن الحل للصراع، ولكن بالأحرى أن الدبلوماسية والحوار السلمي هما السبيل الأمثل. وهذا بطبيعة الحال قاد إلى الوجه الثاني للتورط العماني، حيث كانت تقود محاولة وساطات على نحو هادئ بين أطراف الصراع المختلفة. وفي الوجه الثالث والحالي، باتت عمان تستضيف محادثات مباشرة بين جماعة الحوثي المسلحة والسعودية منذ انتهاء الهدنة الأممية في أكتوبر 2022 بدون تمديد".
وطبقا لناصر فإن الشك حول تورط عمان في اليمن يتزايد مع تزايد التقارير التي تتحدث عن تهريب الأسلحة قبالة سواحلها وحدودها مع اليمن. لافتة أن المزاعم التي بدأت تتحدث بأن عمان تدعم الحوثيين بأسلحة مهربة منذ عدة سنوات، وفي ذلك الوقت، نفت وزارة الخارجية العمانية بشدة تلك المزاعم، موضحة أنه لا أساس لها من الصحة، وأن تجار الأسلحة يستغلون تلك المناطق الغير خاضعة للرقابة على سواحل اليمن.
وبالنظر إلى أن عمان لا تزود وسائل الإعلام بمعلومات عن مقاربتها للصراع اليمني، تشير ناصر إلى خطوتين من التي اتخذتها لكونهما مؤشران على نهجها الأمني وآلياتها المتبعة لمعالجة عمليات التهريب المتزايدة. أولاً، منذ العام 2013، سعت السلطنة إلى تعزيز أمن حدودها عبر بناء جدار أمني مكلف على طول الحدود مع اليمن. ثانيًا، في العام 2021، أنفقت عُمان ما يقارب 7.3% من ناتجها المحلي الإجمالي على الإنفاق العسكري، مما يدل على تزايد اهتمامها بتوسيع محتمل للصراع. وحتى الآن، نجحت عُمان في تجنب انتشار العنف إلى مدنها، كما نجحت أيضًا في تجنب الانجرار إلى العنف في اليمن. ومع ذلك، لا تزال عمان يقظة بخصوص احتمال تهديدات قادمة من جارتها.
تورط عماني مع لاعبين خارجيين في صراع اليمن
وتشير إلى أن مسقط متسلحة بموقفها الداعم للسلام في اليمن، حيث حافظت على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف الخارجية المشاركة (بشكل مباشر وغير مباشر) في الصراع: السعودية، والإمارات، إيران والولايات المتحدة.
وقالت "لقد فعلت ذلك برغم مخاوفها الأمنية من تنامي النفوذ والتعبئة العسكرية للسعودية والإمارات جنوب اليمن. لافتة إلى أن دعم الإمارات للمجلس الانتقالي، الذي يدعو إلى "دولة اتحادية مستقلة ذات سيادة" في جنوب اليمن، ووجود قوات إماراتية بالوكالة تسيطر على جزيرة سقطرى اليمنية، مثل كل ذلك قلقا بالنسبة لعمان.
وأردفت "الأكثر إثارة للقلق هو دعم الإمارات والسعودية للجماعات اليمنية المسلحة خارج سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، والتي غالبًا ما تتحدى قوات الحكومة عسكريا. وفي تلك الغضون، يبدو أن لدى المملكة تطلعات لبناء خط أنابيب نفط عبر شرق اليمن إلى البحر العربي".
وأكدت أن تلك الديناميكيات الأمنية في دول الجوار ربما تُترجم إلى حالة عدم استقرار في المنطقة الغربية للسلطنة لوقت بسيط في المستقبل.
وتوقعت أن الاستجابة لهذه المتغيرات تعد أولوية في أجندة الأمن القومي العماني. ومع ذلك، لم تبدأ مسقط أي مواجهة- سواء دبلوماسية أو عسكرية- على الأرجح نظرا لسياستها طويلة الأمد المتمثلة في التسامح مع الاختلافات والحوار السلمي للصراعات.
واستدركت إن عمان حريصة على مواصلة علاقاتها الودية سواء مع الإمارات أو السعودية، كما يبدو أنها تركز بشكل رئيسي على مواصلة وترسيخ جهودها الدبلوماسية لبناء جسر بين المملكة والإمارات من جهة، وإيران من جهة أخرى. الآن وبعد أن استأنفت الرياض وطهران العلاقات الدبلوماسية، فإن انخراط مسقط بين البلدين سوف يتطور إلى فصل جديد، يتجاوز مجرد استخدام القنوات الخلفية للتواصل بين البلدين.
ولفتت إلى أن الولايات المتحدة تواصل الإعراب عن امتنانها للجهود العمانية والوساطة في النزاع في اليمن؛ لكن عمان لا تزال حذرة. والجدير ذكره أن المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ لم يلتق رسميًا برئيس الوفد الحوثي المفاوض في مسقط، محمد عبدالسلام.
كما توقعت أن عُمان تدفع بجهود الوساطة الأمريكية جانبا لأنها تعتبر مشاركتها في عملية السلام في اليمن إشكالية، وقالت إن أحد التفسيرات هو أن مسقط تعتبر تنظيف سمعة واشنطن السيئة في اليمن- بُنيت في جزء كبير على تواطؤ الولايات المتحدة في جرائم الحرب- تستغرق وقتا طويلا.
وزادت "من المحتمل كذلك أن تكون عُمان قلقة من أن الأولى قد تأخذ كل الفضل في حال التوصل لاتفاق سلام، على الرغم من أن السلطنة هي الدولة التي بذلت ذلك الجهد".
واستطردت "لطالما كان دور عمان في اليمن حيويا، كما يتضح من جهود الوساطة المبذولة. وينظر اليمنيون إلى عمان بشكل إيجابي، على الرغم من التقارير الإعلامية عن تهريب الأسلحة عبر أراضيها. كما يعترف اليمنيون بعمان كصاحبة الفضل الأولى في صناعة السلام، بالنظر إلى أنها تدخلت بمبادرة في وقت مبكر من الصراع، لم تكن فيه دول أخرى مستعدة للقيام بذلك. إن توقعات اليمنيين من عمان إيجابية، والأكثر تقديرا للسلطنة على قرارها الحكيم بعدم المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية، فضلا عن إعطاءها الأولوية للحل السلمي عوضا عن ذلك".
"وفي ذات الوقت، تنظر أطراف الحرب إلى عُمان كطرف ثالث يتمتع بعلاقات جيدة مع الجميع، ويمكن أن يساعدهم هذا في حفظ ماء الوجه أثناء المحاولة للوصول إلى تسوية لإنهاء الصراع. ويعد هذا التحدي هو الأكبر الذي تواجهه عمان في الوساطة، لأن وضع الأطراف المتحاربة في مواقف غير مريحة قد يؤدي إلى العودة إلى السابق. وهكذا، فإن التكتيك العماني المتمثل في بدء جهود الوساطة سرا منذ بداية الصراع واستمرارها قد ينقذ الآن جميع الأطراف من الحرج وعدم الراحة"، حد قولها.
وتساءلت: هل سيتحقق السلام في اليمن على يد عمان؟ هل تملك القدرة على التأثير على جميع أطراف الصراع؟ مضيفة "بالنسبة لعمان، تعتمد الإجابات على تكتيكات تلك الأطراف، كونها صديقة للجميع فهذا يمنحها فرصة للتواصل مع ممثليهم، ولكن ليس بالضرورة التأثير عليهم.
وتؤكد أن النهج الذي تتخذه عمان ليس فرض الحلول على أحد، بل لتوفير مكان للأطراف للجلوس على طاولة الحوار والتوصل إلى حل بأنفسهم وبالسرعة المناسبة لهم.
*يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست