لا ليمن جديد في ليبيا والجزائر
الإثنين, 15 أبريل, 2019 - 11:53 صباحاً

نفس المحرضين على الفتنة وإجهاض طموحات الشعوب، أولئك الذين تورطوا منذ أربع سنوات ونصف في حرب اليمن؛ فدمروا بلدا آمنا وروعوا أطفاله واستحيوا نساءه ونشروا فيه المجاعة والكوليرا وهجروا شبابه وأتلفوا زرعه ونسله. نفس المهووسين بعداء حريات الشعوب وقيم الإسلام الذين قصفوا صنعاء والحديدة، واحتلوا جزيرة سقطرى واغتالوا أطفال اليمن في المدارس، بعد أن دكوا حافلة تحمل أطفالا يمنيين إلى مدارسهم أو ما بقي من مدارسهم، فاستشهد أربعون تلميذا وتبعثرت أشلاء أجسادهم وامتزجت مع دفاترهم وكتبهم.
 
 
هؤلاء هم أنفسهم الذين خربوا العالم العربي بجنون، حكام مراهقون لم يرعوا حرمة ولم يراعوا ذمة، هم الذين بهداية من الله اكتشفهم أحرار ليبيا حين أدركوا من حرض المتمرد خليفة حفتر في أثناء زيارة دعوه فيها للخارج، وعاد إلى مليشياته في ليبيا ليبدأ عدوانه على الشرعية، التي رغم هشاشتها إلا أنها اكتسبت الاعتراف الدولي والأممي بنواة دولة مدنية ديمقراطية، اتفق العالم أنها الوحيدة التي ستنقذ ليبيا من حالة اللادولة وتلحقها بالمجتمع الدولي، وتؤسس لها مؤسسات دولة كبقية الدول، ولكن الأيدي الآثمة حركت مطامع عسكري متقاعد شارك عام 1969 العقيد القذافي في انقلابه ضد الملك الصالح إدريس السنوسي، ثم انقلب على العقيد المعقد وهرب إلى أمريكا حيث استقطبته المخابرات، ووظفته وسلحت حوله بعض المرتزقة.
 
 
وها هو ينفذ اليوم أجندات غريبة عن المنطقة في مغرب عربي مسلم لديه شعوب واعية وطامحة إلى استقلال قرارها وحرية خيارها، شعوب خرجت في الجزائر تؤكد أن لا وصاية على الشعب الجزائري البطل، ورفعت المظاهرات المليونية لافتات رافضة لتدخل بعض الأطراف العربية المعروفة بمحور الشر في شؤونها؛ لأنه لا شيء يخفى على الشعوب والضمائر، وتذكرت شخصيا لقاءاتي العديدة في مقهى باريس بتونس العاصمة، أواخر الستينيات بشاعر الثورة الجزائرية الكبير مفدي زكرياء -رحمة الله عليه-، وهو الرجل قصير القامة يخفي العينين وراء نظارات سميكة، وهو الشاعر الثائر صاحب النشيد الرسمي للثورة الجزائرية، الذي تدوي كلماته النارية الثائرة وألحانه العبقرية الحماسية في القلوب، بتلك الموسيقى الرائعة التي لحنها الموسيقار المصري الراحل محمد فوزي: (قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزكيات الطاهرات قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا فاشهدوا).
 
 
وكان مفدي زكرياء يعيش في وطنه الثاني تونس ويحدثنا نحن شباب ذلك العهد عن تأليفه نشيد الثورة في سجن (لامباز) الرهيب، الذي شيده الاستعمار الفرنسي في قلب جبال الأطلس، وهو نفس السجن الذي سجن فيه الباهي الأدغم، ويتذكر مفدي زكرياء -رحمه الله- أنه كتب كلماته يوم 25 أبريل سنة 1955 حين كانت الثورة وليدة ووريثة الأمير عبد القادر، وكانت تونس هي السند والحامي الوطن المستعد للتضحية.
 
 
هذه هي الجزائر المقاومة التي طمعت عناصر الثورة المضادة في ترويض شبابها والتغرير بهم لنسف مكاسب الربيع الجديد، الذي بدأت بشائره تهل مع عام 2019، كأنما أرادت تلك العناصر الكامنة في جحورها في باريس (خلية دحلان) بث الفتنة وتأبيد حكم العسكر مثلما يراد لليبيا اليوم ما تحقق لهم في مصر عام 2013، ولكن هيهات هيهات؛ فالمغرب العربي سيكون عصيا عليهم ولن تجدي نفعا تلك الأموال التي تسرب تحت الطاولة لوكلاء وعملاء عرب، حين يدعون إلى باريس كما دعيت إحدى المرشحات التونسيات فعادت مباشرة إلى قلعة الثورة سيدي بوزيد، واصطدمت بما لم تتوقعه من ترحاب؛ لأن رماد الربيع المجهض في تونس ما يزال يخفي الجمرات الحية.
 
 
وفي ليبيا، استعر بركان الغضب ليصد الهجمة المضادة وامتد الربيع الجديد إلى السودان ينتفض ضد حكم طال وتمدد، وطالبت الجماهير بدورها الطبيعي باختيار من يحكمها بعد ثلث قرن من نفس الوجوه ونفس الفشل. كأنما يقول المغرب العربي ويردد صداه العالم العربي بألا يمنَ بعد اليوم لا في ليبيا ولا في الجزائر، فليخسأ سماسرة المال الفاسد ومقبلو أيدي اليمين الغربي العنصري المتطرف حين جاؤوا لأسيادهم غلاة العنصرية اليمينية القذرة، يقبلون الأيادي ويحرضون أصحابها على المسلمين ليعينوا دعاة الإسلاموفوبيا ويمنحوهم التبرير، فيجيزوا قتل المسلم الآمن ويعلنوا أن حركات التحرير المشروعة هي الإرهاب، وأن قاتل الخمسين مصليا في نيوزيلندا مختل عقليا وليس إرهابيا! إنه مشروع صفقة القرن الذي جاء به الرئيس ترامب فاعترف بالقدس عاصمة إسرائيل الأبدية، واعترف بالجولان تابعا إلى الأبد للكيان الصهيوني الأبارتايدي! سيحاسب التاريخ كل الخونة، والله يمهل ولا يهمل وسبحانه، فإن من أسمائه الحسنى (الحق والعدل والمنتقم) جل جلاله.
 
 
 
*عن صحيفة الشرق القطرية
 

التعليقات