هل يخرج من المستنقع أمل حقيقي لنا؟
الجمعة, 24 مايو, 2019 - 10:25 مساءً

قال الأديب نجيب محفوظ :" إننا نستنشق الفساد مع الهواء فكيف تأمل أن يخرج من المستنقع أمل حقيقي لنا؟ ... هذه المقولة إحدى نظرات الأديب القاتمة لما آل إليه حال الأمة في عهده، الذي نترحم عليه عندما نرى حالنا المكتظ بالفساد حتى وصل الوهن والتخاذل مبلغاً.
 
أتساءل كيف نستنهض الأمة ونخرجها من قمقمها ونطرد المعتدي ونُرجع كرامتنا، طالما ظهر فيها أناسٌ ليسوا بالقليل فقدوا الأمانة والمروءة و الأخلاق. بِتنا نرى ما بين فينة وأخرى أمام مرأى من العالم في شاشات التلفزة، تساقط علماء في الدين، كنا نراهم نبراساً يحتذى بهم، يأتون في مناقشة خاصة وكأنها جلسة استجواب تحط من قدرهم. لو صمتوا لكان أجدى لهم و لحفظوا شحمة وجوههم، ولكن للأسف فضلوا لأنفسهم أن يكونوا عبدة الدرهم والدينار.
 
وفي نفس الجلسات وذات المذيع نفسه، يأتي بأحد المتنطعين بفلسفة تشّرب بها من بعض الأفكار المنحرفة، يبث بها سمومه وأحقاده من خلال مظلة الفكر التحرري، غير آبهٍ بخطورة ما يتلفظ به، قاصداً تفريغ الدين من محتواه المتوارث، الذي أجمع عليه علماء الأمة منذ عهد الرعيل الأول من تاريخ الإسلام. السؤال الذي يطرح نفسه؛ ما الذي يهدف إليه هذا البرنامج، وبالذات في هذه الأوقات الحرجة؟
 
ليس هذا فحسب، بل هناك العشرات من القنوات الفضائية تركت العنان لكثير من المدلسين، لتحريف التشريعات وبث الأفكار المزورة للحقائق، فمنهم من ذهب في تأويل القرآن محاولا تحريف مقاصده، معطلاً التشريعات المسلّم بها والواضحة في النص القرآني الذي لا يختلف عليه عاقلان. فيأتي أمثال هؤلاء يحرفون الكلم عن مواضعه، بفلسفات تكاد تكون مبهمة للمستمع، ليسهل عليهم استدراجه إلى الفكر المنحرف و التخلي عن ما أمر الله به. و لو ركزت هذه القنوات الفضائية، على التاريخ الإسلامي، ونشر مبادئه وقيمه و فضائله كما توارثناها من الكتاب والسنة، دون تحريف، لما وصل حال المجتمعات العربية من ضياع وتعلق بتوافه الغرب.
 
ما يحدث الآن من حروب وتمزيق في الأمة من قتل الأطفال و النساء وقهر الرجال، هو من نتاج أعمال هؤلاء المدلسين، يعلمون علم اليقين أن ما يتلفظون به هو الباطل، خدمة لتمرير مبتغى أسيادهم، ضاربين بكل مورثاتهم التي كنا نَجُلّهم بها بعرض الحائط. وما أن سقطت ورقة التوت وبانت سوءاتهم، أخذت مجالس العلم التي كانوا يترددون إليها تلفظهم وتنأى عن مخالطتهم. فالدنيا أصبحت كالقرية الصغيرة تتلاقف بها الأخبار عبر مواجات الأثير.
 
قال الحبيب صلى الله عليه وسلم {بدأ الإسلام غريب وسيعود غريباً }، وهل حان الآن أن تنطفىء جذوته كما يخطط له أعداؤه، بعد أن استمالوا من كان يدافع عنه، وغد أكثر إيلاماً من أعدائه عليه. فبدل الفضيلة بالرذيلة، تعطيلا لبعض مقاصد الشريعة التي تأصلت بها دولته. و هنا نطرح سؤالا؛ ما الفائدة من كل ذلك، هل نبحث عن النصر من عند غير الله، وهو من حذرنا من دونه في كتابه الحكيم حيث قال : { وَلَن تَرْضَى? عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى? حَتَّى? تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ? قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى? ? وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ? مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }.
.
 
إن صمت الشرفاء على تجبر الطغاة و السفهاء بحجة دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، جر علينا المصائب وتسبب في ضعف الوازع الديني لدى الشعوب. الخيانة يطول عمرها كلما انسحب الشرفاء من الميادين وآثروا السلامة وتخاذلوا فيفسحون المجال لسقط القوم وتوافهه، ليتربعوا العروش. فإن الفراعنة والأباطرة تألهوا، لأنهم وجدوا جماهير تخدمهم بلا وعي. فيأتون ثلة من العلماء المتزايدين بالدين أمام عامة الشعوب، يلوون عنق النصوص الشرعية لتزين الإجرام و التبطر، حتى يجعل الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان ليصبح الحق باطلا، و الباطل حقا. فيُوّلدون لنا أجيالاً لا يفقهون شيئاً سوى التطبيل و التزلف إلى أسيادهم لعلهم يتفضلون عليهم بتقبيل نعالهم أكرمكم الله، كما فعلها مذيع من أحد الأمصار علانية أمام التلفاز.
 
وزيادة على ذلك بدأت هذه الفئة تستنكر من أمجاد من سبقونا بالفتوحات ونشر كلمة التوحيد وإرساء العدل بين الناس. سمّوا الفتوحات الإسلامية بالإحتلال وشبهوها بأشد الأوصاف تشبيها، و أن ما قاموا به جر علينا ويلات أعمالهم. ولم يدرك هؤلاء المساكين أن المسلمين هم من نشروا العلم والثقافة في ديار أوروبا يوم كانوا يسبحون في ظلام دامس و يهيمون في غياهب الجهل. فكانوا يرسلون فلذات أكبادهم لينهلوا من علومنا، حتى يستنيروا ويُنيروا غيرهم في بلدانهم. لقد سطر التاريخ ذلك، ولا عجب من بني جلدتنا عندما يشتاطون غباءً لجهلهم ولقلة مطالعتهم بعلوم الآخرين. لم ينقصنا كما ذكر أحد المغردين سوى أن نعتذر لإسرائيل لوجود الفلسطينيين على أرض الميعاد، حتى تكتمل الصورة.
 
أبعد كل ذلك، هل يخرج من المستنقع أمل حقيقي لنا ؟ ... و الله إن القلب لحزين و العين تدمع لما حالت إليه أوضاعنا في الوطن العربي. فلا ضير عندما يأتي من غير العرب لنصرة هذا الدين بعدما خذله أبناءه. ولم نرى حتى الآن دولة بعينها تأخذ زمام نصرته، غير أن هناك محاولات فردية ذات توجه إسلامي مشرف وجدت نفسها في دولة ومجتمع تشّرب العلمانية بها منذ عقود ليست بالقليلة، وأن مسيرتها قد تطول ولا نعلم إن كانت ستنجح.
 
السكوت على ظُلمنا هو بحد ذاته جرم وذنب يُحسب علينا. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
 

التعليقات