استعادة الدولة وفخ التسويات
الإثنين, 28 أكتوبر, 2019 - 10:31 مساءً

مشرَوع استعادة الدولة اليمنية هو العنوان المصيري للسلم اليمني والاقليمي وحتى الدولي، ومن الجيَد التذكير بذلك حيث يكسب أهمية خاصة في كل حديث عن التسويات أو تحركات كانت داخلية أو خارجية ذات صلة بتسوية ما. ويعود الحديث عن هذا المشروع مع ما يتم طباخته على نار هادئة وسرية في نفس الوقت فيما بات يعرف باتفاقية جدة أو اتفاقية الرياض التي تمخضت عن حوار جدة بين الشرعية والانتقالي..
 
أيا تكن مضامين التسوية وفحَواها وتفاصيلها المهَم هو علاقتها بمشرَوع استعادة الدولة خصوصا ان هذا العنَوان المهم لليمنيين محاط بفخاخ من قبل التحالف الذي تدخل تحت هذا العنَوان.
 
بصرف النظر عن التعديلات النهائية على الاتفاق المنتظر، فقد ظهرت ملامح الاتفاق للعامة، ويبدو أن ألا "ضمانات" للتنفيذ حيث أن هذه الضمانات في الحالة اليمنية هو العامل المهم في أي اتفاق سياسي. يُقال أن هادي تحدث مع ابن سلمان عن من يضمن تنفيذه، فأجابه: أنا وهو التزام شفوي وليس مكتوبا ضمن فقرات الاتفاق، وهذا أمر يثير الكثير من علامات الاستفهام، التحالف ذاته لم يلتزم بأهداف تدخله المعلنة أمام العالم فكيف بالتزام شخصي شفوي.
 
فالسياسة ليست لعبة النوايا الحسنة، الضمانات الشفوية التي يتم الحديث عنها لتنفيذ الاتفاق ليست ملزمة من الناحية القانونية مالم تتحول إلى نصوص ملزمة في بنود الاتفاق، أما الحديث عن ضمانات أخرى شفوية أو بيانات أو وجيه فهي لا تندرج ضمن اتفاقات وعمل سياسي يحترم نفسه ترعاه دول الخروج عنه قد يفتح باباً للحروب الصغيرة.
 
الملاحظة الأهم أن ثغرات الاتفاق -وهي كثيرة- تفصيلية تتعلق بالتعيين والندية ووضع الجيش والأمن وسيادة القرار اليمني وكل هذه تفاصيل في ثنايا الاتفاق ولن يغني عنها الحديث العام عن المرجعيات الثلاث وتثبيتها.
 
بمعنى ان لا يتحول موضوع الحديث عن المرجعيات كإنجاز للشرعية وتذهب للاتفاق النهائي دون تغيير جوهري في تفاصيل الاتفاق، والتفاصيل هنا تعني المصلحة العامة لليمنيين في وجود دولة تتحكم بقرارها وسيادتها..
كما أن في ثنايا الاتفاق المتداول تفاصيل تمنح الانتقالي مشروعية وندية في لحظة هزيمته عسكريا وانسحاب راعيه الرسمي بفعل اتفاقه مع إيران، هذا الأمر لا يجب ان تقابله هزيمة سياسية للشرعية وهي منتصرة.
 
على عكس ما يتم الترويج له فإن "الانتقالي" اكتسب خطوة كبيرة وأولى باتجاه تحقيق طموح الانفصال، فالاتفاق لم ينص على حلّ المجلس بل باعتباره طرفاً، ولا حلّ الميليشيات التي أسستها أبوظبي بل ربطها بوزارتي الدفاع والداخلية وليس دمجها وتفكيكها وإعادة تأهيلها لتكون قوات وطنية، لم يشر الاتفاق إلى هيئات "الانتقالي الجنوبي" الذي يملك جمعية عمومية (برلمان) وهيئات خارجية تعمل كسفارات. إن هذا الاتفاق هو الأول من نوعه بين سلطة يمنية شرعية وجماعة تطالب بالانفصال، فالاتفاق لا يجعل من سقف الوحدة اليمنية أساساً له كما يظهر في توطئته. وتوثيقه في الأمم المتحدة سيعتبر خطوة أوسع نحو تفكيك اليمن ليس إلى دولتين فحسب بل إلى أكثر من دولة، فمعظم المكونات الجنوبية في الشرق والغرب ترفض سيطرة "الانتقالي الجنوبي" وقد تندفع إلى قِتاله.
 
كما أن خطورة الاتفاق تكمن انه سيعني تلقائيا معاملة مليشيات الحوثي بالمثل والعالم سينتظر الاتفاق لإسقاطه فورا على وضع الحوثي. بل إن السعودية نفسها ترى أن الاتفاق رسالة للحوثيين بكيفية الاتفاق في ظل حوار تديره واشنطن بين المملكة والحوثيين مستمر منذ أسابيع (حسب تصريح مسؤول سعودي لرويترز يوم (26أكتوبر/تشرين الأول2019).
 
يشير الاتفاق إلى تعامل مع الحكومة الشرعية وقواتها كطرف، فيحظر عليها تحريك الأسلحة والمعدات وتعيين الوزراء والمحافظين دون موافقة السعودية واستشارة التحالف-وهو بطبيعة الحال موافقة الإمارات-، فتتعامل السعودية مع الحكومة الشرعية وكأنها تحت الوصاية ومن شأن ذلك أن يجعل البلاد عرضة للسيطرة والإدارة الخارجية. كما أن الاتفاق استبدل القوات الإماراتية بقوات سعودية، بدلاً من تمكين الحكومة الشرعية فلا يبدو أن شيئاً تغيّر على مستوى سيادة البلاد وعلى مستوى فرض الحكومة لهيمنتها.
 
الاتفاق يفرض سياسة المحاصصة، وتحويل البلاد إلى حالة لبنانية تمخضت بإرادة السعودية في اتفاق الطائف، وهي وسيلة جيدة للسعودية للتهدئة لكنها كارثة لليمن فالتعامل على كيانات جهوية وزعامات بُنيت من الميليشيات المسلحة يجعل من إنهاء الحرب ذر رماد على العيون، واستعدادات لمعارك أوسع وأشد عنفاً.
 
من الصعب معرفة ما إن كان ثمة تقديرات وحسابات لا نعلمها بالنسبة للسعودية، ولكن الواضح أنها أظهرت قدر عالي من اللا اكتراث للانقلاب على مؤسسات الدولة في عدن كما أظهرت ذلك والحوثي ينقض على صنعاء، رغم أنها كانت اللاعب الرئيسي في المشهد اليمني إن لم نقل اللاعب الأول. وقد ساهمت بشكل أو أخر بالوصول باليمن إلى ما وصلت إليه. كما نقول إنه بإمكان السعودية أن تساهم بشكل فعال في استثمار اللحظة الراهنة من خلال استخدام نفوذها الواسع بتعزيز موقف الشرعية ومؤسسات الدولة، في المناطق المحررة، وعدم مساواتها مع الجماعات المسلحة، ولا مناص لها من ذلك إذا أرادت دولة مستقرة على حدودها.

التعليقات