إلى أين متجه المشهد اليمني بعد اتفاق الرياض ؟
الإثنين, 16 ديسمبر, 2019 - 02:31 مساءً

إتفاق الرياض كان بارقة الأمل للم شمل شعث اليمنيين وتوحيد صفوفهم ونبذ الخلافات وتضميد جروح اليمن المثخنة، ولكن تبدد كل ذلك بعد انصرام قرابة الشهر الذي أظهر لنا فيه قرارات محبطة رضخت لها الشرعية، فغدت بقيادة رئيس وزراءها د.عبدالملك معين أداة لأجندة الإنقلابيين بحبكة إمراتية، فأصبحنا نشك بل متأكدين في بقاء الشرعية التي قد تصبح أثرا بعد عين، ولم نعد نعرف من ندعم، هل ندعم الانتقاليين الذين يشكلون خطرا أكبر على وحدة وسلامة الوطن، أم ندعم الحوثة وبأفكارهم الكهنوتية الإمامية التابعين للفرس. أما التحالف فاختار لنفسه أن يتعامل مع الحدث بازدواجية، لا يهمه في الأمر غير مصالحه الجيواستراتيجية، ولا نلومه على ذلك بل نلوم الساسة اليمنيين الذين غلبت أطماعهم الفردية على مصلحة الوطن والشعب، وتركوا الحبل على القارب، وتبددت شكوكنا عن عدم صلاحية  أياً من هؤلاء الأطراف يستحق أن يكون في سدة الحكم، فإذا استلم زمام الأمر أحد منهم سيغدو الحكم في اليمن نظاما دكتاتوريا، وسيظل اليمن معرضا للأطماع الخارجية.
 
السؤال الذي يطرح نفسه : إلى متى يُستهتر بمصير اليمن، إلى متى يستمر نزيف الدم والقتل واستباحة حرية الشعب والتنكيل به وتشريد اسره في العراء، إلى متى يستمر اليمني منبوذا من قبل الحكومات والشعوب الآخرى. حتى اصبح يتداول بين الناس "من لا يرغب السفر ولا يرغب أن تقبل له تأشيرة سفر عليه أن يغتني جوازا يمنيا". أصبحنا مصدر سخرية واستهزاء للآخرين.
 
وما أكثر احتفالاتنا بذكرى أحداث مجيدة تحل علينا بين حينة وآخرى في تحرير واستقلال اليمن، 30 نوفمبر و25 اكتوبر ويوم الوحدة وغيرها من التواريخ، ولكن ماذا قدمت النخب السياسية حتى الآن، المشهد لم يتغير، تخلصنا من كوابيس كانت جاثمة على صدورنا لنبدلها بكوابيس اخرى أشد فتكا وخيانة. على مدى خمس عقود لم يرى اليمن أي تقدم يذكر  في ظل سطوة المخلوع وحكومته التي لا زالت الآن تدير المشهد تحت غطاء الشرعية.
ألم يكن هادي نائبا للمخلوع، ألم يشاركه في استنزاف اليمن، فماذا تغير في المشهد، يديرون مصير اليمن وفق ممارسات تجارية تصب في مصالحهم الفردية، غير عابئين بأنين الشعب في الداخل والمهجر، وكأنهم لا يرغبون أن تنتهي الحرب حتى لا تُغلق حنفية الإسترزاق التي ألفوها وكأنهم قمل لا فائدة منهم سوى مص دماء الرأس.
 
في معرض لقائي لأحد الأصدقاء اليمنيين في المهجر، سألته إذا نصبت صناديق التصويت لضم اليمن للسعودية فهل توافق، قال وبدون تردد أوافق طبعا، فسألته أين وطنيتك، ضحك من قلبه وقال عن أي وطن تتحدث، عن وطن مستقطع أصلا من دولة عظمى اسلامية ضمن حدود وهمية فصلت الأهالي عن بعضهم وجعلت الإخوة يقتتلون، أم تتحدث عن وطن يقوده خائن وخانع للغرب إمتلأت حساباته البنكية في سويسرا وغيرها من بلدان تبيض الأموال.
 
طبعا نحن لن نسعى ولم نسعى لذلك، ولكن الحاجة أم الإختراع في ظل الإخفاقات المستمرة التي جعلت الرؤية غير واضحة وكأنك تمشي خلال نفق مظلم لا تري غير الإحباط وتخاذل مخزي، وخصوصا أن تصريحات رئيس الشرعية أصبحت كلإسطوانة المشروخة المستهلكة إعلاميا لذر الرماد في أعيننا، واضعا نفسه تحت دائرة الشك من قبل المواطنيين في تنفيذ تعليمات التحالف حتى يضمن بقاءه تحت الرفاهية التي أعتاد عليها.
 
لو افتضرنا جدلاً أننا وافقنا انضمام الجنوب للإمارات، فهل ستطوره كما طور المستعمر البريطاني، فهل سيعملون على مساواة اليمني بالإماراتي في الحقوق، فهل يستتب الأمن ويزيد الرخاء الإقتصادي.
 
طبعا لن يكون ذلك فقد جربناها أيام المخلوع، هي من كانت تدير موانيء الجنوب وعدن، وهي من هجرت خيرة العمالة ونقلتهم إلى أراضيها، فاليمن لن تُبنى إلا بصواعد أبناءها المخلصين تحت مظلة دولة اتحادية تكفل حقوق الجميع وتعطي حرية كاملة لكل إقليم في إدارة شؤونه، ولكن كل ذلك سيغدو أحلاما طالما هؤلاء تجار الشنطة جاثمين على صدورنا، ويجب على الشعب اليمني أن يهب لثورة كما حدث في العراق، الظروف والأحوال تكاد تكون متشابها، فلن تطهر اليمن إلا اذا تمرد الشعب واقتلعهم من جذورهم.
 
نفترض أن ثقتنا لا زالت بالشرعية كما هي، فما الضامن على مصير اليمن، لم نرى أي تفاعل لفخامة الرئيس مع الشعب، لم يدلي بأي حديث ارتجالي واحد يشرح لنا لماذا اتفاق الرياض لم ينفذ حتى الآن كما ينبغي، لماذا الرؤية ضبابية. لماذا الفساد مستشري في سفاراته، لماذا لم يجد حلا حتى الآن للمغتربين وبالأخص القاطنيين في السعودية الذين انهكت الضرائب كاهلهم، وأصبحوا يتساقطون مابين حينة وآخرى أفواجا كأوراق الخريف في مصيدة مخالفات الإقامة والعمل. لماذا يعيش الشعب في جوع وخوف من القتل في الأجزاء المحررة من الوطن.
 
والأدهى والأمر المفاوضات السرية التي تحدث خلف الكواليس مع من هم أصلا ساس المشكل، التي أجزم أنها ستخرج اليمن من حفرة إلى دحديرة ليس لها نهاية غير قيام حرب أهلية تزيد الأمر سوءاً. ما نحتاجه هو قيادة صادقة متجردة من الأنانية تعمل بجد واجتهاد ضمن خطة واضحة مستمرة، وتقوم على ادارة المشهد برمته واخراج القوات الأجنبية التي تعمل وفق مصالحها الخاصة، وأما المفاوضات التي يجري رحاها يجب أن يتضح مغزاها وأن لا تكون على حساب ثورة الشعب التي اقتلعت المخلوع، وليست لتنازلات فقط للتهدئة ولاطفاء جذوة الحوثيين، الذي قد يؤثر سلبا على الشرعية الغرقة في سباتها الدامس ولن تشعر بنفسها إلا وقد فُض مجلسها وأصبحت أثر بعد عين. ما يتضح هو أن اليمن متجه إلى مفترق طريقين لدولتين شمالية وجنوبية. وهذا ما يصبوا إليه المخرج الإماراتي. حينها سيصبح الموقف صعباً للغاية على هادي وزبانيته، وقد يُلامون على قضية اليمن برمتها. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
 

التعليقات