عاشوا على الضفاف وباءوا بالقهر
السبت, 19 ديسمبر, 2020 - 03:37 مساءً

إن الصراع بين الحرية والسلطة المطلقة من الظواهر البارزة والأكثر وضوحاً منذ القدم، عاش اليمنيون في موضع الخصم من الذين يحكمونهم طيلة عقود، لأنهم لم يفرِّقوا في استخدام القوة والجوع والسلاح بين المواطن والعدو الخارجي. كان الكل في نظرهم عدوا طالما بدر منه مهدد للسلطة، فكانت معيارية العداء هي البقاء فوق العروش، حتى استفاق الناس وانتفضوا غير أن هناك الكثير من إخوتهم لم يفهموا جذور المشكلة.
 
ومنذ أن أشعل عكفي الإمامة طميم ناره في الدبابة التي أحرقت قصر البشائر وقتل كل من كان عليها، رفضوا التحرر وانحازوا إلى صف جلادهم والمستبد. لم يعرفوا للحرية معنى، و لم يصيخوا إلى مهندس ثورة السادس والعشرين من سبتمبر علي عبدالمغني صانع النور فيها. لم يدركوا لماذا بذل روحه في سبيل خلاصهم من قيود الإمامة؟ ولماذا استشهد في باكورة عمره، قبل أن يكتسي شاربه بالسواد.
 
لم يستوعبوا بأن الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي مكامن عز ورقي الأمم والشعوب، وأن الإبداع والإنتاج ورفيع القيم هي أدواتها وحلو ثمار أشجارها، وأنها الخلاص من كل رباق التخلف في ظل أشباح الخوف التي رافقهم أينما رأوا حاملي قيود الظلام.
 
انساق بعض إخوتنا مع المستبدين أعداء الحرية لأن المستبد يدرك أن في الحرية الشعور بالذات الإنسانية وحب الوطن وصدق الانتماء. انحازوا ولم يرفضوا الظلم ويتمردوا عليه، بل استكانوا وحنوا رقابهم وقبلوا بالعيش المنتقص. اصطفوا مع أعداء العلم والتقدم والرقي لأن العقول التي تبحث عن الحرية وتضحي في سبيلها ليس لهم فيها نصيب، حتى ولو حمل البعض منهم اليوم صحائف المعرفة الباليات وشهائد عبور صفوف المعرفة الجامدة وظنوا أنفسهم أنهم صناع للمعرفة.
 
عندما سطت الميليشيا على سلطانهم شكلت بنية عميقة من القهر والخسف والأنين. طوقت قراهم، وانتجت الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي البئيس. بكت النساء فبكت معها جدران المدينة، خافت الفتيات فخافت معها شرفات البيوت. جاب اللصوص الشوارع حاملين السلاح، لم يعد لغيرهم من الأمر شيء! نادت المرأة، استجارت بالرجال، استغاثت بهم أن غِيروا علينا، ناشدت بواقي الدين والنخوة والرجولة فيهم، ولكن لا مجيب! فقاد استكان الرجال فهانوا!
 
نادت الأخرى التي أُخذ ابنها للحرب قسراً وهي تعمل لدى إحدى البيوتات صاحبة المسيدة، فلم يستثر أحد من العاطلين أصحاب المواكب الطويلة السابقة، بل مضغوا القات وألقوا في متافلهم ما تبقى، والقهر يعلو قسمات وجوههم وشفاههم تُتمتم بالسخط غير أنها لا تقوى على المجاهرة بالرفض! لماذا؟ لأنهم عاشوا على ضفاف الحرية ولم تنغمس فيها أرواحهم، لم تشرب معانيها حتى استواء الفحولة!
 
انقسم الناس في بلدي بعدها بين باحث عن خلاصٍ من الفقر عن طريق السير بوادي الجحيم مع المستبدين، مقابل كسرة خبز أو سلة للغذاء، وبين آخرين انكفأوا على أنفسهم خائفين، وبين باحث عن وظيفة تاركاً خلفه كل قضايا الوطن، وبين تائه في المجهول مثقل الخطو حزين التعابير. وبين حرٍ ناضل ليل نهار، قاتل، كتب، أذاع، شارك، حاول جهده، حتى فل سيفه خذلان أدعياء الوطنية وهم في جيوبهم وسراويلهم غارقون.
 
يظهرون وقت الخطاب، وقت الفعاليات والصورة الجاهزة، وعند انتهاء الوليمة والبث يعود كل واحدٍ أدراجه وقد اكتفى بالصور، واكتفى بمداخلةٍ في الهوى. ورغم هذا سننتصر.
 

التعليقات