يستطيع المجتمع الدولي أن يضع حداً لحرب اليمن، وتجنيب المنطقة ويلات الانزلاق نحو نزاعات تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
يمتلك المجتمع الدولي الأدوات التي تمكنه من ذلك، كما أن في حوزته من قوى الضغط ما يجعل إنهائها أمراً ممكناً.
رأينا كيف أن المجتمع الدولي مارس ضغوطه القوية لوقف الحرب في جبهة الساحل الغربي (الحديدة) عام 2018 ، وهي أهم جبهة كان من الممكن أن تخمد أوار هذه الحرب لو أن المعركة فيها سارت إلى نهايتها . لكنه اكتفى بتجميد العمليات العسكرية في هذه الجبهة بذريعة "انسانية" كما قال، واطلق العنان للحوثي أن يعيد تعبئة قواه ليهاجم الجبهات الاخرى وكأن الحرب في الجبهات الأخرى تتم لصالح الإنسانية.
هذا الوقف الجزئي للحرب تم في المكان الذي كانت فيه الحكومة الشرعية وحلفائها قادرين على كسر الحوثي وارغامه على العودة الى مائدة مفاوضات السلام.
بعد اتفاق استوكهولم ، الذي جمد المعركة في هذه الجبهة ، استطاع الحوثي أن ينقل المعركة شرقاً نحو منابع النفط ، ويستخدم الحديدة كمركز استراتيجي للتعبئة ، وتحصيل الأموال ، وتهريب الاسلحة وتعزيز قدراته في التسليح ، والقرصنة ، وتوسيع دائرة مناوراته بتهديد الملاحة الدولية ، والبدء بتوجيه رسائل مساومة وابتزاز من تحت الطاولة بخصوص باب المندب لجهات عدة ، وكان الحرس الثوري الإيراني يقف وراء كل خطوة يخطوها الحوثيون في هذا الاتجاه.
يبدو الأمر اليوم وكأن المجتمع الدولي قد قرر المكان المسموح للحرب أن تتمدد فيه ، ويقع ما بين الجبل والرملة شرق البلاد ، حيث التضاريس الصعبة ، وحيث بؤس الحياة يغلف كل شيء ..حتى أن الحرب هنا لا تعني أكثر من ترويع واجتثاث البلدات والقرى والربوع والمدن النائمة فوق جغرافيا منقوعة في تاريخ عبق الكبرياء فيه يقض مضاجع ورثة الإمامة ، وأن مهمة الحرب هي كسر هذه الكبرياء.
الحوثي هو الوحيد المستفيد من قرار كهذا ، حتى بعد أن خسر معركة مارب والوصول إلى منابع النفط ، صار كل ما يسعى إليه هو أن تحاصر الحرب في هذه الجغرافيا المعقدة في صورة كر وفر ، وأن تبقى الجبهات الأخرى وخاصة ، جبهة الساحل الغربي ، خارج معادلة الحرب إلا فيما يقدمه له هذا الوضع فيها من دعم لاستمرار حربه في الجبهة الشرقية.
الحوثي يخوض الحرب لهدفين مزدوجين : الأول هو الحفاظ على ما تحت يديه من البلاد ، والثاني السيطرة على أراضي من شأنها أن تشكل درعاً حامياً لما قي قبضته من جغرافيا ، وهذه الأخيرة يمكن أن تكون ساحة لمعارك كر وفر ، وهو ما يعني أن الحرب تجري في الجغرافيا التي لا يشكل كسره فيها عنصراً ذا قيمة استراتيجية.
رأينا كيف سارع الحوثي إلى حشد مقاتليه على أطراف محافظة البيضاء على نحو استنفر فيه عناصر قوته الرئيسية بعد أن أشرفت قوات العمالقة والجيش والمقاومة الوطنية على كسر أولى حلقات المستوى الاول من أهدافه المزدوجة.
هذه المنطقة في التاريخ السياسي لليمن هي جغرافيا الخصم العنيد للحوثة ، ورثة الإمامة ، والذي ، من وجهة نظرهم ، لا بد أن يكسر إذا ما أريد لهذا التاريخ أن يغادر شرنقة هذه الجغرافيا العنيدة ، ونقل المعركة إلى هذا المكان كان هو جل ما يسعى إليه الحوثة الذين استفادوا من تجميد جبهة الحديدة ليقوموا بتصفية حسابات تاريخية لم يتورعوا من استدعائها بصورة عكست طبيعة المشروع الذي يحاربون تحت رايته.
كيف لنا أن نفهم سياسة المجتمع الدولي وهو يكرس مثل هذه السياسة الانتقائية التي تقرر أن تحارب هنا ولا تحارب هناك لاستعادة شرعية الدولة المصادرة.
الحوثي هو المستفيد الوحيد من هذه السياسة ، ولو أن المجتمع الدولي استطاع أن يضبط سلوك المليشيات الحوثية في جبهة الساحل الغربي عملاً بما قرره "لأسباب انسانية" ، لكان من الممكن فهم الدافع وراء ذلك ، لكن أن تتحول منطقة الساحل الغربي وموانئها وسواحلها وبحارها وشواطئها وجزرها إلى قوة يوظفها الحوثي في عدوانه على اليمن وعلى دول الجوار ، بما في ذلك تصفية "ثأراته" في المنطقة التي حملت لواء الدفاع عن الجمهورية فذلك أمر لا يستعصي على المجتمع الدولي فهمه حينما يطلب منه اليمنيون أن يعيد بناء رؤيته تجاه مشروعية مواجهة الحوثي ، ومن ورائه إيران ، في كل مكان.
*نقلا عن صفحة الكاتب في فيسبوك.