[ العراق حصل على تعهد بثلاثين مليار دولار للمساهمة في إعادة بنائه (الجزيرة) ]
تعاني بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من التشرذم والاستبداد، غير أنها السلطات الحاكمة فيها -بمساعدة الغرب- قادرة على ابتكار حيل لجمع المال وإن على حساب شعوبها، وذلك وفق تقرير لموقع أوريان 21 الفرنسي.
واستعرض الموقع خمس خدع تستخدمها أنظمة هذه الدول لجمع المال، حسب الخبيرين الهولنديين بوحدة بحوث الصراعات بمعهد العلاقات الدولية (كلينغندايل) بمدينة لاهاي: وليام فان دون برغ المتخصص في القضايا المتعلقة بدور القطاع الخاص بمناطق الصراعات، وأروين فان فين الذي يهتم أساسا بالروابط بين النظامين السياسي والأمني في الدول الهشة.
ويمكن تلخيص ما جاء بهذا التقرير:
أعطت ثورات الربيع العربي ولو لفترة وجيزة انطباعا بأن إرث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الثقيل -من الاستعمار والنزاعات والحكم الاستبدادي- قد ولى بغير رجعة، وتفاعل الغرب معها في البداية بشكل إيجابي.
لكن الأمور سرعان ما تغيرت وظهر أن تحسين الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعاني من جديد من داءي التشرذم والاستبداد، ولا يبدو في الأفق تغيير سريع على الرغم من التحديات الاجتماعية والاقتصادية العديدة التي تواجهها هذه الأشكال من الحكم.
وفي ظل هذه الأوضاع، يبدو أن الأنظمة المستبدة القائمة تلجأ إلى طرق غير تقليدية لجمع المال لإيجاد موارد مالية تساعد في تخفيف حدة الاحتقان داخل بلدانها، وهذه خمس حيل لفتت انتباه الخبيرين:
أولا-إجراء حملات تطهيرية "مناهضة للفساد"
وهو ما ضرب له الكاتبان مثلا بالحملة التي شهدتها السعودية مؤخرا، وتمثلت في اعتقال أغنى رجال الأعمال في البلد وإجبارهم على مقايضة جزء من أموالهم مقابل إطلاقهم مما نتج عنه جمع 106 مليارات دولار خلال أسابيع معدودة.
ويعادل هذا المبلغ ميزانية دولة مثل المغرب أو أوكرانيا، ونظرًا إلى أن عجز البلاد السنوي يبلغ نحو خمسين مليار دولار، فإن مثل هذا المبلغ سيمكن السعودية من التنفس بسهولة لسنتين أخريين على الأقل دون الحاجة لشد الحزام.
ثانياً-ادعاء موارد وهمية
من ممارسات الحكومات الفاسدة أن تنفق دون أن تفكر في غد، وهو ما يشجع عليه قبول نادي باريس إقراضهم بدعم من الدول الغربية التي توافق على إقراض تلك الدول مقابل إصلاحات مالية رمزية.
وهذه الإستراتيجية التي اتبعتها الحكومة اللبنانية عندما ادعت أنها كسبت بالفعل مئتي مليار دولار من التنقيب عن الغاز، ودعت لاستخدام تلك الأموال فورا لتعزيز الاقتصاد، ومن الغريب أن مؤسسة مالية مستقلة أكدت مثل هذه المعلومات رغم أنها في واقع أمرها مشكوك في دقتها وأنها -حتى لو كانت صحيحة- فإن الاحتياطي المذكور يقع جزئيًا في حدود متنازع عليها.
ثالثا-تأجير الأراضي للقوات الأجنبية
فالبلدان الصغيرة تحتاج ابتكار طرق خلاقة لتوليد الاستثمارات الضخمة، وتعد جيبوتي رائدة في هذا النهج، فليس لديها أراض صالحة للزراعة، لكن لديها شاطئ طويل على البحر الأحمر قرب باب المندب وعلى مرمى حجر من صراعات اليمن والصومال والسودان.
وقد أجَّرت قواعد لفرنسا وإيطاليا واليابان والسعودية والولايات المتحدة والصين، ويبدو أن روسيا والهند وتركيا مهتمة أيضا بإقامة قواعد في هذا البلد.
ويرى بعض الخبراء أن ما تحصل عليها جيبوتي مقابل تأجير هذه القواعد يمثل نصف دخلها السنوي.
رابعا-تنظيم مؤتمرات للمانحين
وتتمثل الإستراتيجية الرابعة في تنظيم "مؤتمر للمانحين" في محاولة لجعل المجتمع الدولي يفتح صنبور الأموال الضرورية لإعادة بناء ما دمرته النزاعات، وتؤمن هذه المؤتمرات مزيجًا من الوعود المبهمة للمساعدات والإقراض بشروط ميسرة والقروض التجارية التي تستفيد منها الشركات الغربية بشكل مدهش.
وهذا ما ينطبق على مؤتمر إعادة بناء العراق الذي عقد في الكويت مثلا، ورغم أن ثمة اتهامات لحكومة بغداد بأنها تركز استثماراتها المطلوبة على المناطق الشيعية فإنها تمكنت من الحصول على ثلاثين مليار دولار، وهو مبلغ ليس بالقليل إذ يساوي نصف ما حصل عليه العراق من نفطه عام 2017.
خامسا-إنتاج وبيع وتهريب المخدرات
وإذا فشلت كل الأمور الأخرى، فهناك طريق أساسي لجمع المال من خلال تجارة المخدرات باستغلال الطلب الغربي، والدول المحظوظة في هذا المجال: أفغانستان (الأفيون) ولبنان والمغرب (الحشيش/القنب).
وعلى سبيل المثال، أكدت وزارة العدل الأميركية أن كلا من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله يشاركان في عمليات تهريب مخدرات هائلة داخل أراضيها، ولا شك أن الوسطاء الإجراميين وحتى أصحاب شركات خارجية محترمة في مناطق مثل بربادوس وبرمودا سيكونون سعداء لمد يد العون لهؤلاء التجار والمهربين.
ومن الواضح أن الحيل المبتكرة لجمع الأموال -من جانب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- للتغلب على ضائقتها المالية لا تنضب، ولا يبدو أنها تزعج الدول الغربية بل يبدو أنها راضية بها، على حد تعبير الخبيرين.