تترقب أسواق الطاقة العالمية ما سيسفر عنه أول اجتماع لتحالف "أوبك+" بعد 18 يوما من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية، التي تمحورت حول مجموعة من الملفات والقضايا وفي مقدمتها مطالبة الرياض بالضغط على أعضاء "أوبك" للموافقة على زيادة الإنتاج في محاولة لخفض أسعار الخام.
ويأتي اجتماع "أوبك+" في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن بديل لصادرات الغاز والنفط الروسي، وزيادة إمدادات الطاقة للأسواق العالمية للحد من الارتفاعات الحادة في الأسعار التي تؤثر سلبا على الاقتصاد الأمريكي وتشكل ضغطا كبيرا على شعبية بايدن قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي المقرر إجراؤها في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
ويعقد تحالف "أوبك+"، الذي يضم بين أعضائه كلا من السعودية وروسيا، اجتماعه، الأربعاء، لمناقشة سياسة الإنتاج واتخاذ قرار بخصوص زيادة الإمدادات، وسط تكهنات متباينة بشأن مدى استجابة السعودية لضغوط بايدن. وتوقعات ترجح أن تعارض روسيا زيادة الإنتاج هذه للاستفادة من ارتفاع أسعار النفط في ظل الخسائر التي تتكبدها بسبب العقوبات غير السبوقة التي فرضها الغرب على موسكو بعد الغز الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير الماضي.
وقال البيت الأبيض إنه يتوقع زيادة منتجي النفط الرئيسيين في تحالف "أوبك+" إنتاج الخام بعد زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط الشهر الماضي، وفقا لوكالة رويترز. وفي المقابل قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، إن قمة جدة لم تناقش النفط، مؤكدا أن "تحالف أوبك+ سيواصل تقييم أوضاع السوق والقيام بما هو ضروري".
وقبل يومين من اجتماع "أوبك+"، نشر مراسل "فوكس بيزنس" تغريدة عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قال إن السعودية ستضغط على تحالف أوبك+ لزيادة إنتاج النفط في اجتماعه المقبل الأربعاء.
وأضاف: "العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز طمأن الرئيس بايدن بشأن زيادة الإنتاج عندما التقيا في 16 تموز/ يوليو".
"أوبك مكبلة"
وفي ظل تضارب التصريحات حول قرار الاجتماع المرتقب بشأن سياسة إنتاج النفط، رجح الخبير في شؤون النفط والطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أن يبقي "أوبك+" على سياسة الإنتاج دون تغيير.
وقال إسماعيل: "إن اضطرت أوبك+ لتغيير سياسة الإنتاج فسيكون بإقرار زيادة طفيفة خلال أيلول/ سبتمبر"، مضيفا أنه "حتى لو أرادت السعودية رفع الإنتاج فإنها لن تستطيع لأنها ملتزمة باتفاق أوبك+ الذي يشمل روسيا والأخيرة بالتأكيد لن توافق على أي زيادة".
وتابع: "من المفترض أن ينتهى اتفاق أوبك وحلفائها أواخر هذا الشهر ومن المتوقع أن يمددوا الاتفاق الذي حافظ على الأسعار فوق المئة دولار منذ بداية العام".
وأردف: "أتوقع أن أوبك+ ستلتزم الحذر الشديد ولن نرى تطورات مثيرة، وأن العالم الغربي ضغطوا وسيضغطون على الزيادة، لكن أوبك مكبلة بالاتفاق مع روسيا ولا تستطيع أن تأخذ أي خطوة بدون ضوء أخضر من موسكو”.
ولفت إلى أن "الدول المنتجة للنفط إذا قررت زيادة الإنتاج بدون موافقة روسيا فإنه سيتفكك التحالف ونعود لمرحلة حرب أسعار. كما حدث في آذار/ مارس ونيسان/ إبريل 2020"، وهذا لن يحدث بحسب رأي إسماعيل.
وعن سبب هبوط أسعار النفط الذي شهدته الأسواق قبيل اجتماع "أوبك+"، أوضح إسماعيل أن "الانخفاض كان سببه قلق الأسواق من تراجع الطلب العالمي لأن البيانات الأخيرة تشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني والأمريكي، خاصة بعد رفع أسعار الفائدة الأمريكية 75 نقطة أساس وهو ما سيؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي".
وتراجعت أسعار النفط، الثلاثاء، مع استيعاب المستثمرين لتوقعات قاتمة للطلب العالمي على الوقود بعد صدور بيانات تشير إلى تباطؤ عالمي في قطاع الصناعات التحويلية، بينما يجتمع منتجو النفط في تكتل أوبك+ هذا الأسبوع لاتخاذ قرار بخصوص زيادة الإمدادات، وفقا لوكالة رويترز.
وكشفت مسوح، الاثنين، أن المصانع في أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا واجهت صعوبة لتعزيز النشاط في تموز/ يوليو مع تعثر الطلب العالمي وفرض الصين قيودا صارمة لمكافحة كوفيد-19، الأمر الذي أبطأ الإنتاج.
وبحلول الساعة الـ0817 بتوقيت غرينتش انخفض سعر خام برنت 1.40 دولار أو 1.4 بالمئة إلى 98.63 دولار للبرميل، في حين تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي دولارا أو 1.1 بالمئة إلى 92.89 دولار للبرميل.
ويترقب المستثمرون، بالإضافة لقرار "أوبك+"، البيانات الأسبوعية للمخزونات الأمريكية، حيث يتوقع محللون انخفاض مخزونات الخام والبنزين الأمريكية. ومن المنتظر أن يعلن معهد البترول الأمريكي أول تقرير لهذا الأسبوع في الساعة الـ2030 بتوقيت غرينتش.
"زيادة شكلية"
واتفق الخبير في شؤون النفط والطاقة، عبدالسميع البهبهاني، مع نهاد إسماعيل في أن يبقي تحالف "أوبك+" سياسة الإنتاج دون تغيير قائلا: "لن يستطيع أوبك+ زيادة الإنتاج وهناك دول زادت قدراتها الإنتاجية إلى أقصى حد مثل الإمارات التي زادت إنتاجها إلى ثلاثة ملايين برميل، والعراق زاد إنتاجه إلى ميلون برميل بالإضافة إلى أن العراق مرتبط أيضا بأسواق أخرى".
وأضاف البهبهاني خلا حديثه لـ"عربي21": "كما أن هناك دولا تعاني من الحصار في تصدير الطاقة مثل فنزويلا وإيران، والزيادة التي حصلت في أيار/ مايو الماضي وصلت إلى 400 ألف برميل من أجل تعويض نقص الإمدادات وإعادة التوازن إلى السوق".
وأردف: "الإنتاج كان يرتفع كل شهر بنسبة 10 بالمئة فيما زادت السعودية وروسيا إنتاجهما بنسبة 13 بالمئة فقط، وكانت الزيادة الطفيفة السابقة (660 ألف برميل فقط) مجرد مجاملة لبايدن".
واعتبر البهباني أن عدم زيادة الإنتاج بالنسبة للدول المصدرة للنفط قهري وليس اختياريا لعدة أسباب منها أن عملية فتح المنشأة النفطية مكلفة بعد الإغلاق بسبب كورونا، كما أن الرياض عانت بسبب الضربات على منشآتها النفطية.
وتابع: "إضافة إلى أنه لم تكن هناك زيادة في الطلبات مع عودة الإغلاقات في الصين وتوقف الصناعة في أوروبا، وغلاء الوقود ومشاكل البيئة، وإعلان أوبك أن الزيادة ستذهب إلى التخزين ما سيسبب التحكم بها من الدول التي سيتم تخزين الزيادة بها حسب قدرة كل دولة على التخزين".
وأكد البهبهاني أن "أوبك+" لو أعلن عن زيادة في الإنتاج فسوف تكون زيادة شكلية، وسيتم تثبيت الإنتاج في شهري تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر وسيبقى الإنتاج كما هو"، لافتا إلى أن "أوبك+" تنتج يوميا ما بين 27 إلى 28 مليون برميل يوميا.
واستطرد: "السعودية قد خفضت إنتاجها من 13 مليون برميل إلى حوالي 10 ملايين برميل يوميا، وفي عام 2027 ستعود قدرة المملكة لرفع الإنتاج بعد خفضه، لكنها مترددة في زيادة إنتاجها بسبب تغير أجندتها حول التكرير وإعادة التصنيع".