[ مثلت الثورة مخرجا لحالة الانسداد التي شهدتها اليمن ]
منذ اليوم الأول لثورة فبراير لم يتوقف سيل الاتهامات والافتراءات التي طالت الثورة والثوار، وتمحورت حول فكرة الثورة نفسها، وحول الثوار، واستهدفت أيضا نتائج ومخرجات الثورة.
بعض تلك الافتراءات المغلوطة لازال صداها قائما، وبعضها تلاشى وقت إطلاقها خلال سنوات الثورة، ومن وقت لآخر يجري استحضار تلك المعلومات المغلوطة والترويج لها في أذهان الناس من قبل أنصار الثورة المضادة لثورة فبراير، التي ما فتئت تقاوم التغيير، وتحن لماضيها المندثر.
وأجهدت نفسها مطابخ الإشاعة في بث العديد من الشائعات، ومع ذلك استمرت مسيرة الثورة، ومضت في مسارها نحو تحقيق الأهداف التي رفعتها، رغم مقاومة صلبة كبيرة لعملية التغيير، وممانعتها في تقبل الوضع الجديد.
(1)
جلبت الخراب والدمار لليمن واليمنيين
تبدو هذه التهمة المفضلة للكثير من أعداء الثورة وخصومها، وكل يوم يمر يزدادون تمسكا بها، غير أنهم لا يعلمون أن الثورة لم تكن سبب الخراب، فخلال سنة الثورة الأولى مرت الأوضاع في اليمن بشكل طبيعي، وعندما تشكلت حكومة الوفاق الوطني، تحققت العديد من الإنجازات في مختلف المؤسسات الحكومية، واستمرت الحياة بشكل طبيعي حتى نهاية العام 2013م.
ولم تبدأ الأوضاع في التدهور إلا حين تحالف علي عبدالله صالح مع مليشيا الحوثي، وجرى إسقاط الدولة، والالتفاف على مخرجات الحوار الوطني، والسيطرة بقوة السلاح على معسكرات الجيش، والاتجاه نحو إسقاط المدن، وما رافق ذلك من جرائم لنهب المال العام، والانتقام من الخصوم السياسيين، وصولا إلى تشكيل حكومة مشتركة بين الجانبين.
(2)
سرقتها الأحزاب السياسية
هذه التهمة جرى الترويج بشكل كبير خلال سنوات الثورة وما تلاها، وهي نوع من التشكيك النفسي، إذ يعتبر البعض أن الثورة كانت حقيقية لكن استولت عليها الأحزاب، وهي نظرة قاصرة وتنم عن جهل لدى أصحابها، فالأحزاب أولا كانت المحرك الأساسي للشارع ضد نظام صالح قبيل اندلاع الثورة بأشهر، والشباب الأوائل الذين خرجوا للاعتصام في ساحات التغيير ينحدرون لتلك الأحزاب.
ولا توجد ثورة في العالم إلا وكان لها حاضنة سياسية، تستطيع أن تضبط إيقاعها، وتوائم بين الفعل الثوري والحركة السياسية، وبالنسبة لدور الأحزاب السياسية في ثورة فبراير فقد كان متوافقا مع الثورة ولم يكن يعمل خارج سياقها وأهدافها، بل كان مكملا لها، وساعد دورها كثيرا في اختصار أمد الصراع، وتجنب الانزلاق للفوضى والعنف.
(3)
تم عسكرتها واستولى عليها الجيش
لا تختلف هذه التهمة والمعلومة المغلوطة عن سابقتها، وهي نوع من أنواع الإيحاء النفسي في أذهان الثوار وكثير من فئات الشعب، وتلمز بشكل أساسي في انضمام الجيش والأمن للثورة، وتعتبر أن انضمامهم للثورة أدى إلى عسكرتها، واستحواذ القوات المسلحة عليها.
وهو قول مردود على أصحابه، فلم تكتسب الثورة زخما كالذي اكتسبته عندما انضمت إليها قيادات رفيعة في الجيش والأمن، وأدى هذا الانضمام إلى خلق نوع من التوازن بين النظام وبين الثوار.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فانضمام الجيش ساهم في الدفاع عن المتظاهرين، من هجمات بلاطجة صالح وقوته العسكرية، ولذلك خفت الهجمات بشكل كبير على ساحة التغيير في العاصمة صنعاء بعد جمعة الكرامة، وانضمام الجيش للثوار وتوليه حماية مداخل الساحة، من مختلف الاتجاهات.
(4)
ثورة الاصلاحيين لوحدهم
تهدف هذه التهمة إلى التقليل من الزخم الشعبي الواسع لقطاعات الشعب المختلفة التي خرجت ضد نظام صالح، وهتفت وطالبت بإسقاطه، وحصرها في فصيل معين نوع من الشيطنة، وإيحاء يهدف لعزل بقية الأحزاب، وزرع التشكيك بينها، مع العلم أن هذا الأمر لم يكن واردا البتة أثناء الثورة في سنواتها الثلاث، فقد حضرت جميع الأحزاب في الثورة، وكان لها حضورها وتأثيرها، ولم يقتصر الأمر على أي حزب.
وهي ليست ثورة فصيل معين أو حزب بعينه، بل كانت ثورة للجميع، والتحقت بها جميع الأحزاب، بما فيها قيادات عديدة من حزب صالح، والتي سارعت للخروج منه وإعلان انضمامها للثورة.
(5)
لم تكن ثورة
ويردد هذا القول كثير ممن ناصبوا الثورة العداء منذ اليوم الأول، وكثير ممن تابعوا الثورة لاحقا، فالنوع الأول اعتبروها خروجا على نظام صالح، الذي رأوا في سقوطه انهيارا لمصالحهم، أما النوع الثاني، فيرون أن الثورة لم تحدث التغيير الكامل بسبب إبقائها على صالح وحزبه وعدم مغادرتهم للمشهد السياسي في اليمن بشكل كامل.
وكلا الاتجاهين يحاولان التشكيك بالثورة ذاتها وبمخرجاتها، وفي الحقيقة فقد كانت ثورة واسعة شاركت فيها مختلف فئات الشعب وقطاعاته، وامتدت إلى مختلف محافظات الجمهورية اليمنية ومدنها، وأحدثت هزة كبيرة في نظام صالح وعجلت بسقوطه، وما كان له أن يهتز لولا الاهتراء الذي كان يعيشه ويعانيه في السنوات الأخيرة من حكمه لليمن.
(6)
لم يكن لها داعٍ من الأساس
لا يعلم كثير من أصحاب هذا القول الأسباب والمسببات التي قادت إلى اندلاع الثورة، وكل يوم يمضي يزداد المتمسكون برأيهم هذا تشبثا، مستفيدين من عامل الوقت والتغيرات المتلاحقة التي أثرت بالمشهد اليمني فيما بعد.
وفي حقيقة الأمر فقد توفرت لثورة فبراير كافة المبررات والشروط، وخروج الشعب إلى الشارع في ذلك الزخم الكبير وفي مختلف المدن ليس سوى دليل قوي على أن الثورة كانت هي الخيار الحتمي لحالة الانسداد والممارسات التي انتهجها نظام صالح طوال سنوات حكمه.
والشرح هنا لا يتسع لسرد المبررات التي أدت إلى تفجر الثورة واندلاعها، فالمشهد اليمني قبيل انطلاقها كان قاتما، وأفق الحل كان مسدودا، وعانت اليمن من نظام استحوذ على مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية، واتجه بشكل كامل نحو مساع التوريث للحكم، في دولة يؤكد دستورها على أنها نظام جمهوري يقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة.
ولم تكن الثورة بحد ذاتها خطيئة، بل عملا نبيلا جاء ليصحح، وليس ليهدم، وأبانت الثورة بوضوح هشاشة الدولة ومؤسساتها، ومدى تركزها في يد الفرد الواحد، والحزب الواحد، وسرعان ما تعرضت للانهيار بمجرد خروج صالح من السلطة.
(7)
جاءت بالحوثيين إلى صنعاء
ظهرت هذه التهمة مع بروز مليشيا الحوثي إلى الوجود، وسيطرتها على الدولة، وهي تهمة تذهب بعيدا عن الأسباب الحقيقية التي أدت لظهور الحوثية وبروزها، وجرى تحميل الثورة هذه التهمة، في استغفال واضح لمعطيات الواقع، وما جرى على الأرض.
كان الحوثيون أحد الأطراف التي خاض معها صالح ست محطات من الحرب، وتحولت تلك الحرب تدريجيا لنوع من التخادم بين الطرفين، وعندما قامت الثورة مطلع العام 2011م انضم لها أنصار الحوثي مثلهم مثل بقية فئات الشعب، ولم يكن بوسع أحد أن يقول لهم لا، وكان التصور الأكبر للثوار أن هذه الجماعة التي لقيت الظلم من نظام صالح سوف تنخرط في الثورة أولا وفي بناء الدولة ثانيا لبناء نظام سياسي جديد تسوده العدالة والمساواة.
وظلت الجماعة الحوثية عبارة عن مكون في الثورة بلا وزن أو تأثير، ولم يصدر لها أي موقف سياسي يعبر عن وجودها الفعلي، ولذلك لم يكن لها أي دور في الاشتراك بالمباحثات السياسية التي أدت إلى إقرار المبادرة الخليجية ثم تنفيذها لاحقا.
وكان النفخ الأول في مسيرة الحوثية بعد الثورة في مؤتمر الحوار الوطني حين تم اعطاؤها نسبة أكبر من حجمها، وتم ذلك بنظر وموافقة جميع الأطراف السياسية التي وقعت على الدخول في مؤتمر الحوار، ووافقت على الانخراط فيه بعد تحديد نسبة كل طرف.
كل تلك التحركات للحوثيين ظلت في إطار الدولة، ولم تبرز الجماعة بشكلها السافر الباعث للخراب إلا بعد تحالفها مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وإسقاطها للمدن اليمنية، ابتداءً من دماج حتى عمران وصولا إلى صنعاء وبقية المحافظات.
وتنشأ هنا تهمة أخرى وهي أن هادي سهل صعود الجماعة، وقال قولته المشهورة بأن محافظة عمران عادت إلى حضن الدولة بعد سقوطها بيد الحوثيين، وهذا الموقف لا يتعدى عملية الكلام، وجاء ضمن تحركات دول المنطقة لإنعاش الثورة المضادة لثورة فبراير، وكان صالح وحزبه جزءا من ذلك المخطط الداعم لقتل الثورة.
(8)
منحت صالح الحصانة
هذه التهمة جاءت من قبل بعض الموتورين في الثورة، أو من يمكن تسميتهم بـ"المتحمسين أكثر"، كما ترددت أيضا من قبل مليشيا الحوثي، التي تقول إنها لا تعترف بالمبادرة الخليجية في اليمن، رغم أنها -كما أسلفنا - لم تكن تمتلك أي تأثير يضعها في موقف الطرف المعني.
أما بالنسبة لمنح صالح الحصانة فقد جاء ذلك بناء على موافقة جميع الأحزاب السياسية، وفقا للمبادرة الخليجية التي تم تقديمها برعاية أممية، وكان الهدف الأكبر من الأمر هو تجنيب اليمن إراقة الدماء والدخول في الفوضى والعنف، بإعتبار أن تنحي صالح من الحكم بناء على الضغط الشعبي يعد إنجازا للثورة وتحقيقا لهدفها مقابل الدخول في تفاهمات لتحقيق بقية ما ورد في مضامين المبادرة الخليجية.
والذي اتضح لاحقا أن صالح استغل تلك المبادرة، وبدلا من الاحتفاظ بها، سعى لتقويض المبادرة الخليجية برمتها، وكانت النهاية مقتله ثمنا للحماقات التي ارتكبها.
(9)
ثورة فاشلة
هذه التهمة ولدت من رحم أولئك الذين فقدوا مصالحهم، وهي نظرة سطحية، لا تتجاوز كثيرا من التهم السابقة، فهي لم تكن ثورة فاشلة، فالأهداف التي رفعتها تحقق الكثير منها، ومظاهر الاختلال التي انتفضت لأجلها تمكنت من القضاء عليها، وأفضت بالبلاد إلى واقع جديد، وهذه هي طبيعة الثورات.
فسقوط النظام، وخروج الكثير من قيادات الدولة من عباءة النظام وانضمام أغلبهم للثورة، وصعود رئيس جديد بسبب الثورة، وتشكيل حكومة جديدة، وإقرار مسودة دستور جديد، ووثيقة للحوار الوطني، جميعها مظاهر من مظاهر نجاح الثورة، وتمكنها من تغيير واقع الحال في اليمن.