[ عبد الله القيسي الكاتب والباحث في الفكر الإسلامي ]
قال الكاتب والباحث في الفكر الإسلامي عبد الله القيسي في حوار مع "الموقع بوست" إن فبراير كانت امتداداً لسبتمبر التي أتت بالجمهورية ثم بدأت إرهاصات الغدر بها واضحة من خلال مشروع توريث السلطة الذي كان يعمل عليه صالح.
وأضاف القيسي أن فبراير أعادت الأمل بقدرة الشعوب على التغيير، كما أنها استيقاظاً للإرادة الشعبية لأخذ دورها الطبيعي وحقها السياسي والاقتصادي.
ولفت إلى أن حكمة الثورة تتجلى من خلال محافظتها على المسار السلمي في واقع يشير إلى امتلاك الشعب اليمني 60 مليون قطعة سلاح شخصي فضلاً عن السلاح الخفيف والمتوسط الذي تمتلكه كثير من الأطراف والجهات.
وأشار إلى أن ثورة فبراير جاءت على خلفية سوء الأوضاع السياسية التي تتمثل بتشبث الحزب الحاكم بالسلطة منذ ثلاثين عاماً إلى جانب تركز السلطة في أسرة واحدة، وصولاً إلى مشروع التوريث الذي يعد إجهاضاً للجمهورية.
وأوضح أن السبب الآخر يأتي كنتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والبطالة، والفقر، وسوء الإدارة، وغياب التوزيع الجيد للثروة، إلى جانب أن الوظائف كانت محصورة لأفراد الحزب الحاكم، أما من هم خارجه فكانوا يشعرون أنهم غير مواطنين ولا يفكرون إلا بعمل خاص أو البطالة.
وقال القيسي إن الثورة لا زالت في طريقها، فهي ليست يوما أو عاما وإنما حالة مستمرة لتغيير الوضع نحو الأفضل، كما أوضح بشأن المآلات التي صرنا عليها اليوم أنها نتيجة مباشرة للثورات المضادة، مضيفاً أن الثورات أوصلت البلدان إلى منطقة آمنة حيث وثورة اليمن أنتجت مؤتمر الحوار الوطني الذي لم يشهد مثله اليمن طوال تاريخه.
وأضاف "كان التآمر الإقليمي والدولي على اليمن أكبر من المتخيل"، مستطرداً "لا أظن أن هناك ثورات في التاريخ الإنساني كله تعرضت لهذا الحجم من التآمر لإفشالها عير تدخل الإقليم والمجتمع الدولي وإنفاق المليارات من الدولارات لسحقها كما فعلوا مع فبراير"، مؤكداً أنه مع ذلك يحسب للثورات أنها كشفت الزيف الدولي الذي يتغنى بالحريات والديمقراطية.
وأشار الباحث القيسي بشأن التآمر الإقليمي على فبراير إلى أنه يأتي كخلفية لوجود مشروعين متصارعين في المنطقة ينظران إلى اليمن كملعب، فيما نحن بلا مشروع، مضيفاً أن المشروعين الإسرائيلي والإيراني يريان خطراً في التغيير الحقيقي نحو الديمقراطية لأن ذلك سيعني وجود مشروع ثالث، فضلاً التخوف من نجاح مشروع ديمقراطي جمهوري بجوار ملكيات.
ووصف جماعة الحوثي بأنها كانت طعنة لفبراير التي سمعت مشاكلها على طاولة الحوار الوطني، وأعطتها نسبة للتمثيل، فيما ذهبت الجماعة لاستغلال التناقضات في المنطقة، والتوجه الإقليمي لدعم الثورات المضادة فتوافقت مواقفهم مع مواقف داعمي الثورات المضادة الأمر الذي أوصل البلد إلى ما وصلت إليه اليوم.
وأكد القيسي أن تيار فبراير موجود ويقاتل في كل الجبهات عسكرياً، وفكرياً، وثقافياً، وفنياً، مضيفاً أن تيار فبراير هو الذي يحافظ اليوم على ركائز الدولة الثلاث (الجمهورية، الوحدة، والاستقلال) في مقابل مؤامرات الإقليم لإضعاف اليمن.
وقال إن ثورة فبراير أنتجت حواراً وطنياً لم يشهد اليمنيون مثله طوال ثلاثة آلاف عام.
وختم بالقول إن من يسخر من احتفالاتنا بذكرى ثورة فبراير مع الألم الحاصل في البلد يجب أن يعرف أن الثوار لا يقطعون التورتة ابتهاجاً واحتفالاً وإنما لجعل الأيام ذكرى لتلك القيم، حيث وبسبتمبر نتذكر "الجمهورية"، وفي أكتوبر نتذكر "الاستقلال" وفي مايو نتذكر"الوحدة" وهذه هي نقاط القوة والنهوض لأي دولة.
نص الحوار:
*ما هي مسببات الثورة وما الذي حققته؟
** عادة أي انتفاضة أو ثورة تكون لها أسباب تراكمت على مدى عقود، ثم تأتي الشرارة التي تساعدها على الانفجار، وحتى لا نضيع في التفاصيل يمكن أن أختصر خطوطها الرئيسة في سببين، أولها سوء الأوضاع السياسية والذي تمثل بتشبث الحزب الحاكم بالسلطة منذ ثلاثين عاماً، ثم تركزت السلطة في أسرة واحدة، ثم مشروع التوريث الذي كان إجهاضاً لمشروع الجمهورية، كان اليمنيون يقارنون أنفسهم بدول الجوار التي كانوا أفضل حالاً منها اقتصادياً في السبعينات ثم صاروا أسوأ منهم بمراحل، كان شعور الرافضين للنظام الحاكم مؤلماً حين يتخيلون أن ثلاثين عاماً من عمرهم مرت مع ذلك النظام سيعقبها أربعون عاماً أخرى على الأقل هي الفترة التي سيحكمها نجل الرئيس السابق إن هو وصل للحكم، والتي ستكون أكثر قمعاً واستبداداً وطغياناً، بحكم أن صالح كان يميل لمراضاة الأطراف كلها وخاصة في النصف الأول من حكمه، بعكس ولده الذي سيأتي بالقوة لرفض كل ما يريد، مما سيجعل ظلم واستبداد والده رقماً بسيطاً بجواره، والقرائن الشواهد لذلك كانت كثيرة.
أما السبب الثاني فسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالبطالة زادت، والفقر ارتفع بنسبة كبيرة، في بلاد لا تنقصها الثروة، وإنما تنقصها إرادة جيدة، وتوزيع جيد للثروة، عدد السكان ارتفع والدولة لم تواكب ذلك في كل مشاريعها، وإنما فتح النظام السابق باب الفساد الذي كان يرعاه رأس النظام نفسه، لدرجة عزل من يريد أن يبقى نظيفاً. والوظائف صارت محصورة لأفراد الحزب الحاكم، ليس جميعهم وإنما من يقدم ولاء أكبر للأسرة الحاكمة، فكان الأسوأ أخلاقاً هو الأقرب للمنصب من غيره، هذا داخل الحزب الحاكم نفسه، أما من هم خارجه فكانوا يشعرون أنهم غير مواطنين ولا يفكرون إلا بعمل خاص أو البطالة.
كل هذا كان شعوراً عميقاً عند فئة كبيرة من الشعب اليمني لكنها كانت تغلي وتنتظر الشرارة، وحين انتصر الشعب التونسي لإرادته زاد الإيمان بقدرة الشعب على التغيير وتحقيق التطلعات والآمال فخرجوا، ولما لم يكن الإعلام ملتفتاً إليهم وإنما مركزاً على مصر، استمروا بالتظاهرات المتفرقة وأجلوا انتفاضتهم الكبيرة ليوم 11 فبراير، اليوم الذي انتصرت فيه إرادة الشعب المصري.
* أين هي الثورة الآن؟ وكيف تقرأ نظرة البعض لها وتحميلها وزر ما آل إليه الوضع بالبلد؟
** الثورة لا زالت في طريقها، فهي ليست يوماً أو عاماً وإنما هي حالة مستمرة لتغيير الوضع نحو الأفضل، لا يوجد للثورة مدة معينة ليستريح بها الإنسان، وإنما تاريخ الإنسان منذ آدم إلى يومنا هو تاريخ صراع لنيل حريته وكرامته ممن يريد أن ينتزعها منه.
أما المآلات التي صرنا لها اليوم فهذه ينظر لها من عدة زوايا، أولاً هذه نتائج مباشرة للثورات المضادة لا للثورات، وإلا فإن الثورات أوصلت البلدان لمنطقة آمنة، فاليمن وصل للحوار الوطني الذي لم يشهد مثله اليمن طوال تاريخه، حوار اجتمعت فيه كل القوى السياسية، ومثل الفئات اليمنية كلها، ناقش كل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخرج برؤية اتفق عليها الجميع، وأرضت الحد الأدنى عندهم ولكن الثورات المضادة أبت إلا أن توجع كل بلد كي لا يفكر مطلقاً بتغيير واقعه، فاستخدمت أدوات النظام السابق والمليشيا الحوثية لتدمير كل إنجاز سابق، وتدمير كل مكتسبات الدولة، حتى أوصلوا الوجع لكل بيت يمني، ثم اعتبروا ذلك مآلاً للثورة في محاولة منهم لمحو جرمهم، بينما الحقيقة أن الثورات المضادة لم تبال بأي قيمة إنسانية أو اجتماعية وأرادت أن تهدم البيت كاملاً على الجميع، بعكس شباب صادق أراد إصلاحه للجميع.
كانت الثورة تملك مبرراتها الكافية، وهي لا تعلم ما يخبئه لها الغيب، وكان التآمر الإقليمي والدولي لإجهاض ربيع الثورات أكبر من المتخيل، ولا أظن هناك ثورات في التاريخ الإنساني كله تعرضت لهذا الحجم من التآمر لإفشالها، وتدخل إقليمي ودولي كبير، وإنفاق لمليارات الدولات لسحقها، كل هذا كان فوق المتخيل، ولكن يحسب لتلك الثورات أنها كشفت زيفاً دولياً يتغنى بالحريات والديمقراطية، لقد كشفت الثورات ما ظل مختبئاً لفترات طويلة، فصار ما تحت الطاولة فوقها، وهذا إنجاز لها.
ثم إن المتأمل لثورات التغيير في التاريخ لا يجد أنها تجاوزت مشكلاتها وعقباتها بسهولة، فهناك ما استمر عقوداً بين نهوض وكبوة، ولو أننا أخذنا فترة زمنية معينة كان فيها الألم مرتفعاً فإننا سنحكم عليها بالخسران، ولكن حين ننظر إلى المآلات التي جنتها الأجيال من بعدهم فإن نظرتنا لعقد من الزمن أثخنت فيه الآلام سيكون مختلفاً، هي كلفة كبيرة يتحملها الشباب الصادق ولكنها تخفف من فاتورة الأجيال القادمة، فقيحنا وصديدنا تراكم عقوداً بل قروناً وآلام خروجه وتنظيفه قد تأخذ بعض الوقت.
* كيف تقرأ تآمر الإقليم على الثورة، وما هي الدوافع؟
** في الإقليم هناك مشروعان متصارعان وكلاهما يرانا ملعباً لهما، ونحن خارج اللعبة بلا مشروع، وكلا المشروعين الإسرائيلي والإيراني يريان خطراً في التغيير الحقيقي نحو الديمقراطية، لأنه يعني مشروعاً ثالثاً، وهذا ما لا يريده وكلاء المشروعين، أضف إلى ذلك نجاح مشروع ديمقراطي جمهوري بجوار ملكيات!
*برأيك أين أخطأت الثورة؟
** أنها لم تستطع سد فجواتها التي تسربت منها الثورة المضادة، وما أكثر الفجوات التي صنعوها مدعومين بترسانة الإعلام الذي قلب الحقائق، وجعل الكثير يسلم بمقولات كانت عبارة عن فخ وقعوا فيه لاحقاً.
أنا أخالف أولئك الذين يرمون بالمشكلة على سلمية وتسامح الثورة ضد خصمها، إذ تلك نقطة قوتها، وما كان بيدها قوة كي تحمي نفسها بها، فالقوة كلها بيد النظام وبالتالي فالخيارات أمها محصورة، وكذلك من يرميها على المبادرة الخليجية وكأن لديه خيارات أخرى، الحقيقة لم يكن هناك خيارات أخرى سوى صوت مثالي من فئة قليلة لم تكتوِ بما اكتوته أكثرية الثوار، ودائما تؤتى الثورات من قبل الصوت المرتفع المغالي أكثر من الصوت المتنازل، لأنهم ينظرون للأول على أنه صادق وبالتالي ينجرون لشباكه، لم تكن هناك خيارات جيدة، وانحصرت الخيارات بين السيئ والأسوأ، والمنطق والعقل يقول اختر السيئ لتدفع الأسوأ، ثم رتب نفسك لجولة قادمة لتحسين خيارك، ولكن ذلك لم يحدث، فقد استطاع الصوت الصارخ بلا حكمة تشتيت الثوار والسماح بالثغرات بينهم، وكان من ورائه مليشيا الحوثي وبعض من تعود على الرفض الدائم دون توازن، والذين كانت التهمة جاهزة لمن يخالفهم بأنه ينتمي لتيار ما تم شيطنته في كل وسائل الإعلام للثورات المضادة.
* ماذا عن تأثير جماعة الحوثي على فبراير؟
** جماعة الحوثي كانت طعنة لفبراير بعد أن سمعت مشكلاتها على طاولة الحوار الوطني وأعطتها نسبة كبيرة للتمثيل، وقدمت حلولاً مقاربة لمشكلة صعدة، بهدف تجاوز العقبات للانطلاق لبناء وتنمية اليمن، ولكن الأطماع الصغيرة اتسعت عندهم، واستغلوا التناقضات في المنطقة، والتوجه الإقليمي لدعم ثورات مضادة فرفعت يديها "نحن لها" وتوافقت مع داعمي الثورات المضادة على أهداف تجمعهم، ثم اختلفوا لاحقاً بشكل بسيط بسبب على الخروج عما تم رسمه. كانت الجماعة ملتقى لعدة مصالح إقليمية ودولية لخدمتها، فخدمت الجميع عدا اليمن، فقد أغرقتها في دمار لن تتعافى منه على المستوى القريب.
* كيف يمكن إعادة الثورة لمسارها؟
** ما يجري من ظلم اليوم وما نسمعه من جرائم وانتهاكات بحق كل يمني سيولد انفجاراً ثورياً مختلفاً، هذا ما تقوله سنن الحياة والتاريخ، وإلى ذلك الحين يستطيع شباب الثورة "الصادق" أن يعمق الوعي السياسي وفقه الموازنات وفقه الأولويات والتقاط الفرص، كي يتعلموا من أخطاء الماضي، فإن لم يفعلوا فلا ينتظروا نتيجة مختلفة.
* لفبراير أنصار وخصوم وهذا شأن كل ثورة وكل حراك، فهل نستطيع في هذا الإطار أن نسمي جميع مخالفي فبراير بأعداء الحرية والتغيير؟
** في كل مجتمع ستجد تدرجات بين الثورة ورفض التغيير بعدد تدرجات الألوان، ومن ثم ينبغي تصنيف المخالف على درجات، حتى يتم التعامل معه بطريقة أسلم وأحكم، فمن يخالف وينتهك حقك أو يجرم بحق الثوار غير من خالف وسكت، ومن ناصر بلسانه غير من أخرج قناصته لقتل الثوار، وهكذا لو أنك قمت بتقسيمهم ولو لأربعة أقسام رئيسية ستجد الإجرام أو الانتفاع أو الخوف أو الجهل هي أهم مسببات الرفض للحرية والتغيير.
* ما هي أهم محطات الثورة؟
** أبرز محطات الثورة باعتقادي بعد خروج الثوار هو جمعة الكرامة وما تلاها من استقالات لشخصيات مهمة وانضمامهما للثورة، ثم التدخل السعودي بالمبادرة الخليجية ثم الحوار الوطني، ثم الثورة المضادة والانقلاب على الثورة.
* دائما نسمع خلافاً في موقف الفكر السياسي الإسلامي من الثورات ما بين من يقول إن الإسلام دين ثورة ومن يقول اسمع وأطع وإن جلد ظهرك؟ ما الموقف الذي تتبناه وتراه أقرب للفكر الإسلامي؟
** حتى نقول عن قضية أو رأي أنه أقرب لروح الدين من غيره فإننا نذهب أولاً للنص المؤسس للدين، لنفهمه في سياقاته، ولكن هذا ما لا يحدث كثيراً تجاه الفكر الإسلامي، فالنص القرآني وهو النص الأساس المتفق عليه يترك جانباً ويتم الاستدلال بروايات ظنية رويت بالمعنى ولا نستطيع الجزم بنسبتها للنبي عليه الصلاة والسلام، ودواعي الوضع من صراع سياسي على السلطة واضح فيها، وعليه كان ينبغي أن نؤسس الرؤية انطلاقاً من النص القرآني، ثم نفهم تلك الروايات الحديثية في ضوئه، فإما وافقته مباشرة، أو بعد تأويل، أو ترد لأنها خالفت ما هو أقوى ثبوتاً، فالقرآن مثلاً يؤسس في العلاقة بين السلطة السياسة والناس بقيمة أساسية اسمها "الشورى"، فالأمر وهو المصطلح القرآني للسلطة السياسية شورى بين الناس، يتشاورون في اختيار ما يناسبهم من شكل للسلطة، ويختارون من يرون فيه الأحقية ليكون من "أولي الأمر"، وينتج إثر ذلك قانون أو دستور يضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويضبط حدود الحاكم فإن خرج عن ذلك القانون والدستور فقد انتهك الدستور الذي يمثل إرادة الشعب، ويسمى هذا الانتهاك بحسب النص القرآني "البغي"، والبغي قد يكون بين جماعات داخل الدولة وقد يكون من الحاكم ذاته، وهنا تأتي المعايير القرآنية لتقول "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون"، ينتصرون بالأدوات المناسبة في زمانهم ومكانهم، ثم تؤكد الآية التالية بأن "وجزاء سيئة سيئة مثلها" فمن حقهم الأخذ بالعدل، ثم تكمل الآية "فمن عفى وأصلح فأجره على الله" ومن حقهم أيضاً الأخذ بالفضل، فيسامحوا فيما يستحق التسامح. ثم تختم الآية "إنه لا يحب الظالمين" فإما عدل أو فضل وأي تجاوز ظلم. ثم تؤكد الآية وتشفى صدر المظلوم وتقول: "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل"، "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، أولئك لهم عذاب أليم".
كل هذه الآيات جاءت بعد قوله تعالى "وأمرهم شورى بينهم"، والآن ضع ذلك الحديث بجوار الآيات وتأمل.
* أين تيار الثورة من الأحداث التي تعيشها البلد؟ وهل فبراير مستمرة؟
** تيار فبراير يقاتل في كل الجبهات عسكريا وفكريا وثقافيا وفنيا، فهو الذي يحافظ اليوم على ركائز الدولة الثلاث، الجمهورية في مقابل مشروع الإمامة، والوحدة في مقابل دعاة التقسيم والانفصال، والاستقلال في مقابل مؤامرات الإقليم لإضعاف اليمن.. هؤلاء أنفسهم هم تيار فبراير وإن تشتت في البلدان والجبهات.
* ما تقييمك للدور الذي لعبته الأحزاب والقوى السياسية في الثورة؟
** بعكس ما يراه البعض أرى أن دورها كان جيداً وأنهم عملوا بالخيارات المتاحة بين أيديهم وحاولوا بقدر استطاعتهم تجنيب البلاد الحرب والدمار، ولكن الأمر المدبر كان أكبر، وتفكك الثوار وانخداعهم بشعارات ومقولات الثورات المضادة أضعف موقفهم.
* ماذا أنتجت ثورة فبراير؟
** أنتجت حواراً وطنياً لم يشهد اليمنيون مثله طوال ثلاثة آلاف عام، حوار وضع المشكلات اليمنية كلها على الطاولة، وتوافقت كل التيارات على الحلول المعقولة لتلك المشكلات، خرج الجميع بالحد الأدنى من القبول، حوار أرضى الجميع، وبدأ اليمنيون لتنفيذه متحمسين، وانطلق الشباب في مبادرات شبابية طوعية قدرت حينها بـ12 ألف مبادرة شبابية طوعية، لإنهاض بلدهم وإعماره، وتعزز عند اليمنيين انتماؤهم للوطن، وبكوا حين سمعوا النشيد الوطني لأول مرة، بعد أن كان النشيد الوطني بلا طعم ولا قيمة قبل ذلك الزمن، ثم جاءت المليشيات الانقلابية وبدعم خارجي ليتكتلوا للانقضاض على ذلك الحوار الوطني، وللانقلاب على إرادة اليمنيين، وبعدها اتسعت دائرة الأوجاع كما لم تتسع من قبل.
* كيف انعكس الحراك الثوري في اليمن على وجه الخصوص، والربيع العربي على وجه العموم، على تصوراتك السياسية والفكرية؟
** كان للربيع العربي تأثير كبير عليّ، فقد أعاد لي الأمل أولاً في قدرة الشعوب على التغيير، وغيّر الصورة القديمة عن الشعوب في رضوخها وتصفيقها رغم الانحدار، كل ذلك شجعني لإخراج مقالات فكرية كنت أكتبها منذ 2007 كانت مخالفة لما هو سائد في الفكر الإسلامي، ولكني لم أشعر بقيمتها وفعاليتها فوضعتها في الدرج، وحين جاء فبراير رأيت أنها فرصة تغيير فكري واجتماعي كما هو سياسي، وهذا ما حدث فعلاً، فأخرجت تلك المقالات وبدأت بنشرها منذ 2011، تلا ذلك أبحاث تصب بنفس الاتجاه، وهكذا حتى أصدرتها لاحقاً في كتب، والسبب الأساس لكل ذلك الحراك الثوري في اليمن والوطن العربي.
* على ماذا تركز نشاطك في الثورة وهل لك إنتاجات فكرية تتعلق بثورة فبراير؟
** كان الفيسبوك هو أكثر منبر للتعبير وطرح الآراء وكنت أركز كتاباتي في أيام الثورة على ثلاثة أشياء، أولها فقه الموازنات حين كنت أرى اختيارات خاطئة عند البعض تميل إلى رفض كل ما هو متاح دون أن يطرح خيارات أخرى، والموازنة في هذه القضايا تحتاج التركيز والانتباه لزوايا كثيرة قد تكون خافية على الثوار، وثانيها فقه الأولويات لاختيار ما هو أهم على ما هو أقل أهمية مما يخدم الثورة، وما أكثر الاختيارات العشوائية التي لم تكن معتمدة هذا المعيار للأسف، وثالثها عن الدولة المدنية وكانت سلسلة مقالات عن ماهيتها وشكلها وركائزها، وسلسلة مقالات تقارب بين العلمانية والفكر الإسلامي في شكل الدولة، ثم جمعتها فيما بعد وأصدرتها في كتاب بعنوان "الدولة المدنية من منظور إسلامي"، بالإضافة لندوات وحوارات ونقاشات كثيرة حول الثورة ومبرراتها أدواتها وخياراتها السلمية.
* كلمة أخيرة عن فبراير..
** الثورة ليست تاريخ 11 فبراير، وإنما هذه تواريخ على الطريق لمحطات تعبير جماعية، أما الثورة فهي حالة اعتراض على الظلم والطغيان على امتداد تاريخ الإنسان، وليس من الصحيح اختزالها بأفراد خرجوا مظاهرة في تاريخ ما، الثائر امتداد لمن قبله من الثوار الذين لم يقبلوا يوماً بحال الاستبداد وقاموه بأدواتهم، ثم يأتي من بعده ليكونوا امتداداً له، وهكذا يظل الإنسان في حالة طلب لحريته وكرامته جيلا بعد جيل.
** الأيام والتواريخ رمز نختاره لقيمة معينة نناضل من أجلها، قد تكون القيمة هي الديمقراطية، أو الجمهورية، أو الاستقلال، أو الوحدة.. هذه هي القيم التي ينبغي ترسيخها في كل ذكرى.. ولمن يسخر من الاحتفال مع الألم والوجع نقول له: نحن لا نقطع التورتة ابتهاجاً واحتفالاً، وإنما نجعل من الأيام ذكرى لتلك القيم، التي يفترض أن نعمقها في تلك التواريخ، كل ذلك لنتجاوز الألم لا لنفرح به.
في فبراير نتذكر "المدنية والديمقراطية"، وفي سبتمبر نتذكر "الجمهورية"، وفي أكتوبر نتذكر "الاستقلال"، وفي مايو نتذكر "الوحدة"، وتلك هي نقاط القوة والنهوض لأي دولة، وهي ما يستحق أن نناضل من أجله.