[ حسين الوادعي: لن يعود اليمن موحدا كما كان ]
نحن نعيش في مرحلة اقتصاد الحرب، الحرب تحولت الى تجارة ضخمة وجمعية المنتفعين من الحرب يزداد أعضاءها يوماً بعد يوم ويزداد تأييدهم لاستمرار حالة الحرب الطويلة.
حسين الوادعي كاتب يمني مثير للجدل مهتم بقضايا الفكر السياسي والديني، تتصف كتاباته بالسخرية من الواقع والنقد الحاد له. يكتب أراء نقدية جريئة تتعلق بالدين والقومية اليمنية وبعض العادات الاجتماعية السائدة.
يعرف عن نفسه بكونه مواطن علماني يؤمن بالقيم الكونية للتنوير، ويحلم بعالم تسوده الديمقراطية والتنافس الحر وصيانة حقوق الانسان والحريات المدنية والاجتماعية.
في حواره مع "الموقع بوست "يقول الوادعي أنه ضد تأليه السياسية. لا يؤمن بكونها أداء ناجعة لتغير الواقع. يؤمن بالعامل الثقافي في خلق تغير حقيقي داخل البلد.
يعرف عن حسين الوادعي استقلاليته الحزبية ونقده لجميع الأيديولوجيات في اليمن.
بخصوص الحرب لا يرى الوادعي أي أفق قريب للسلام ولا يتوقع عودة اليمن موحداً كما كانت على الأقل في المدى القريب أو المتوسط.
نص الحوار:
*قلت بأنك انتهيت لكونك مواطنا علمانيا يؤمن بالقيم الكونية للتنوير، ويحلم بعالم تسوده الديمقراطية والتنافس الحر وصيانة حقوق الانسان والحريات المدنية والاجتماعية. ايضا موضوع "الجرح النرجسي اليمني" والقات باعتباره نبته مخدرة، معظم كتاباتك الفكرية تتمحور حول هذه القضايا جميعها، لماذا هذه القضايا بالذات؟ وكيف تشكلت في ذهنك للحد الذي أصبحت مسلمات كبرى بالنسبة لك؟
** كل القضايا التي أناقشها مرتبطة بهدف واحد هو كيف يمكن إخراج اليمن من مصيدة التخلف.
الجرح النرجسي اليمني الذي يتحدث عنه مرتبط بالمبالغة التي يزايد فيها اليمني علي تاريخه وعلى تقاليده وعلي مساهمته في الحضارة. مشكلة اهتمام اليمني بالماضي إنه اهتمام تعويضي أي إنه يريد منه أن يعوضه عن الحاضر البائس وأن يعفيه من بناء مستقبل يضمن له مكان طبيعي كشريك في الحضارة الحديثة.
هناك شيء مميز جداً مرتبط باهتمام اليمني بالماضي بمعنى أن اهتمام المصريين مثلاً بالحضارة الفرعونية هو اهتمام حديث. قوة اهتمام مرتبطة في جزء منها مع صعود الحركة الوطنية المصرية، لكنها أيضا تأثرت بانجازات علماء المصريات.
أما بالنسبة لليمن فالإهتمام في التاريخ القديم التاريخ ما قبل الإسلامي والتغني به والمبالغة في تقديم صورة مثالية عنه هو إهتمام قديم يعود إلى العصر الأموي الأول وأهدافه في الأغلب كانت أهداف سياسية في الصراع الذي دار بين القيسيين واليمنيين لكنها أيضا كانت نوع من التعويض النفسي يحاول به أبناء الحضارة اليمنية المنهارة تبرير مكانتهم المتدنية في الحضارة الجديدة التي سيطرت عليها قريش. ثم أستمر الإهتمام اليمني بالماضي والتغني بالماضي الذهبي والحضارة اليمنية القديمة بعد قدوم الهادي الروسي الى اليمن و بداية الصراع القحطاني العدناني أسرع حول من هو الاحق بالحكم.
يظن اليمني إن كونه ينتمي لحضارة عظيمة هو نوع من الضمان أنه لا شك سيعود لهذه الحضارة العظيمة مرة أخرى. حتى ولو لم يمتلك كل مقوماتها وعناصرها. وهذا هو الوهم الذي احاول وتفكيكه. وانا أركز على القات لأن القات هو العدو الأول للحضارة ولأي تطور وأي تغير.
القات مخدر جماعي واجتماعي يسيطر على كافة شؤون الحياة في اليمن وأنا أستغرب أن هناك من يؤمن أنه يمكن أن يحقق ازدهارا اقتصاديا او اجتماعيا وثقافيا في اليمن مع بقاء القات. هذا مستحيل. كما أن الصين لم تستطع انجاز نهضتها إلا بعد الخلاص من الإدمان الجماعي للأفيون.
*سبق وقلت أنه لا يوجد لديك انتماء سياسي.. هذا يدعيني لأطرح عليك سؤالاً: هل على المثقف أن يبقى بعيدا عن الإنتماءات السياسية؟
**على المستوى النظري لا يوجد مشكلة في الجمع بين الثقافة والسياسة، لكن على المستوى العملي تظهر تعقيدات كثيرة لهذه الثنائية.
هناك نماذج كثيرة من التاريخ الحديث لأدباء ومثقفين لم يستطيعوا تقديم وابراز إبداعاتهم الأدبية والفكرية إلا بعد خروجهم من الحزب ومن العمل السياسي، من أمثال جرامشي وروزا لوكسمبورغ وغارودي. لكن هناك أيضا مثقفون أخرون استطاعوا تقديم مساهمات هامة في الفكر والثقافة مع الاحتفاظ بانتمائهم الحزبي.
القضية يجب أن تؤخذ بشكل تفصيلي وليس بشكل عام، بمعنى أن البيئة تلعب دور كبير في نجاح الجمع بين الثقافي والسياسي، وفي بيئة مثل بيئتنا لا يختلف العمل الحزبي فيها عن غيره من أشكال التجمعات غير الديمقراطية والتي لا تؤمن بحرية التعبير.
يدفع الثقافي ثمناً باهظاً بسبب تدخلات السياسي وإملاءاته. ولو كان المثقف اليمني أقل تسييساً لكان وضع الثقافة اليمنية أفضل.
*بالرغم من كثرة انشغالاتك في قضايا الفكر الديني والسياسي والحقوقي، من خلال مقالات وابحاث منشورة في مجلات وصحف يمنية وعربية، إلا أنك لم تنجز مشروعا فكريا في كتاب واحد حتى الآن.. لماذا؟
**تأخرت كثيراً في إنجاز الكتاب الأول مع أنني امتلك ارشيف يكفى لثلاثة كتب على الأقل والسبب كثرة الانشغالات. لأن الكتابة ليست العمل الأساسي الذي أكسب منه عيشي وأضطر لممارسة الكتابة بعد انتهاء ساعات عملي اليومية الطويلة. قد يتغير شيء ما في روتين عملي الطويل في الشهور القادمة واذا تحقق هذا التغيير سأتمكن من إنجاز الكتاب الأول أو الكتابين الأولين.
*يقول الباحث اليمني عبدالباري طاهر إن الدور المنوط بالمثقفين والمتنورين في اليمن هو إسقاط حاجز الخوف. غير أننا في اليمن لا نجد المثقف الشجاع الثائر بوجه المسلمات والخرافات، مع إن الواقع أكثر ما يتطلب مثقف وناقد شجاع يرفع سقف الحريات الفكرية إلى أعلى مستوياتها، كيف ترى هذه المعضلة؟
** هذا هو الفرق بين المثقف الذي يعيش في مجتمعات محدودة الحرية مثل المجتمعات العربية وبين مثقف يعيش تحت سقف عال من الحرية كالمثقف الغربي.
منذ بداية حركة التنوير اليمني في بداية القرن العشرين ونحن نسعى لكسر حاجز الخوف فننجح فترة بسيطة ثم نعود إلى الوراء فترة أطول.
كانت الفترة بين الأعوام 1990 و 2006 فترة ذهبية في كسر حاجز الخوف وفي ارتفاع سقف الحريات لكن بعد ذلك كان الانهيار الكامل للحرية والوطن.
يبقى دور المثقف مهماً في كسر حاجز الخوف في جميع المجالات في مجال النقد السياسي وفي مجال النقد الاجتماعي في مجال النقد الديني.
*إلى أي مدى يمكننا الرهان على الجانب الثقافي ونمنحه أولوية في بناء اليمن الديمقراطي؟ ألا ترى أن الجانب السياسي قد يشكل موضوع حاسم في مسألة تأسيس وبناء اليمن الديمقراطي، فيما الجانب الثقافي يأتي كعامل ثانوي؟
** الثقافة مهمة بكل تأكيد، وتغيير العقول مهم، وأعتقد اننا نعيش في عصر تنوير جديد والقاعدة الرئيسية للتنوير هي تمكين الإنسان العادي من استخدام عقله ومساعدته في إزالة كل العوائق التي تمنعه من التفكير بحرية ومن تحديد حياته بحرية.
السياسي مهم جدا ويجب أن يمشي بتزامن مع الثقافي .. أنا ضد تأليه السياسة واعتبار أن السياسة هي المدخل لكل تغيير مطلوب في المجتمع، وقد أثبتت تجارب التاريخ أن كل محاولات التنوير الفوقي والتنوير المفروض من أعلى قد سقطت وكانت قصيرة الأمد مثل ما حصل مع تجربة كمال اتاتورك والحبيب بورقيبة وأمان الله خان في أفغانستان.
*أين تكمن مشكلة اليمن الجوهرية: في الدين في الأحزاب في السلطات في المجتمع اليمني القبلي أم في المثقف أم في المجتمع الدولي؟ أين تجد مكمن الفرس في المسألة اليمنية وما هو الحل لتلافي ذلك من وجهة نظرك؟
** مشكلة اليمن الجوهرية في التخلف والعزلة. هناك ارتباط لا ينفصل بين التخلف والعزلة، كلما ازدادت عزلتنا أزداد تخلفنا، وكلما أزداد تخلفنا انعزلنا أكثر. لم يكن اليمن معزولاً في كل فترات تاريخه، فقد بدأت العزلة عقب إنهيار الحضارة اليمنية القديمة بعد الغزو الحبشي ثم أزداد انعزال اليمن بعد دخولها تحت السيطرة الإسلامية وتحول اليمن إلى هامش بعيد عن مركز الخلافة، وترسخت العزلة أكثر تحت حكم الإمامة وها نحن اليوم بعد جائحة 2014 نعود للإنعزال مرة أخرى ونعود لأعماق التخلف مرة أخرى. التخلف هو المشكلة الجوهرية للمجتمع اليمني.
*الوضع السياسي في اليمن حاليا في ظل تعقيداته كما تراها ويراها اليمنيين جميعهم كيف تشاهد الطريق للخروج من هذا المأزق اليمني والعودة إلى اليمن ككيان واحد؟ ما هي مقارباتك لهذا الموضوع؟
** الوضع السياسي في اليمن متجمد ويبدو أن السنوات الست من عمر الحرب قد رسمت خطوط عريضة للواقع الذي سيحكم اليمن في العشر السنوات القادمة. للأسف الشديد لا أراه أفقاً قريباً للسلام ولا حتى أتوقع عودة اليمن موحداً كما كان في المدى القريب أو المتوسط.
نحن نعيش في مرحلة اقتصاد الحرب، الحرب تحولت الى تجارة ضخمة وجمعية المنتفعين من الحرب يزداد أعضاءها يوماً بعد يوم ويزداد تأييدهم لاستمرار حالة الحرب الطويلة.