زهير الطاهري في حوار مع "الموقع بوست:" لا يوجد مشروع شعري عند الشعراء الشباب وفيسبوك أوجد حالة تراخي
- حوار: صلاح الواسعي الثلاثاء, 15 مارس, 2022 - 05:38 مساءً
زهير الطاهري في حوار مع

[ الشاعر اليمني الشاب زهير الطاهري ]

الشاعر زهير الطاهري أحد وجوه الشعر الشابة التي برزت مؤخراً في المشهد الشعري في اليمن، وينتج نصوص خالدة يتلقفها الجمهور بإحتفاء واسع، من أشهر قصائده: عقلان، الراعية.

 

ما يميز الشاعر زهير هو عمله على النصوص طويلاً فهو يقول "الشاعر والكاتب لا يولد دفعة واحدة، بل يكون نتيجة مخاض طويل وعسر، وربما يحتاج أجيال، في سبيل إعداده وتكوينه".

 

في حوار مع "الموقع بوست" يتحدث الطاهري عن قصيدة "عقلان نبي الشوارع" وهي قصيدة مدهشة، تتجسد فيها الفكرة والفلسفة والصياغة التعبيرية بتناغم كأنها سينفونية يمنية تعزف على ضفاف النيل، تعكس بذور ملامح الشعر عنده كشاعر طموح له مشروع شعري متفرد.

 

مؤخرا أصبح زهير يعرف بصاحب قصيدة عقلان، نتيجة لما لاقته هذه القصيدة من احتفاء واسع من قبل الجمهور، وللشعر عنده مفهومه الخاص فهو "تراكمات فلسفية ولغوية وعصف ذهني والكثير من علامات الإستفهام والتعجب".

 

يرى زهير أن الشعراء الشباب في اليمن يجب أن يمتلكوا مشروعا فكريا فهذا ما لا يجده عندهم" لم يستطع أي شاعر أن يحول قصيدته إلى مشروع ذو بعد فكري وشعري وفلسفي. لا يوجد شغل حقيقي لخلق حالة شعرية جادة."

 

نص الحوار:

 

*حدثني عن تجربتك منذ متى بدأت تكتب الشعر وكيف بدأت ولماذا أنت مقل في إنتاج القصائد؟

 

**أعتقد أن البدايات لا يمكن تحديدها، أو لا يمكن الجزم بها، لأنها تراكمية، وليست لحظة بذاتها، الشاعر والكاتب لا يولد دفعة واحدة، بل يكون نتيجة مخاض طويل وعسر، وربما يحتاج أجيال، في سبيل إعداده وتكوينه. كنت قارئ نهم إذا جاز لي أن أقول ذلك، وكان في بيتنا في القرية مكتبة وكنت أقضي أغلب الوقت فيها، لكن يمكننا اعتبار تلك اللحظة الأولى التي يقضيها الكاتب مع الفكرة، لحظة النص الأول على أنها بداية. كان النص الأول لي والذي لا أتذكره، عبارة عن رسالة غرامية في هيئة قصيدة.

 

*هل الشعر يقاس بالكم أم الكيف؟

 

**بالكيف طبعا

 

*ما هو هذا الكيف؟ أو ما هي محددات الشعر؟

 

**أعتقد هذا السؤال يجب أن يبقى هكذا مفتوحا إلى الأبد. الشعر والجمال يجب ألا يعرفان، وألا يخضعان لأي قواعد. لأن الشعر ليس شيئا، ومحاولة تأطيره هي تشييء له.

 

الشعر يقف هناك خارج حدود اللغة. حيثما تنتهي اللغة وتوقف القدرة عن النطق يكون الشعر.

 

*عند حديثك عن موضوع العمل على النص طويلاً هل الشعر هو صنعة جمالية أم لحظة إنفعال وجداني؟

 

**الشعر هو الشعر ما لا نستطيع أن نعرفه، أنا أرفض فكرة أن الشعر انفعال وجداني، الشعر هو تراكمات فلسفية ولغوية وعصف ذهني والكثير من علامات الإستفهام والتعجب. أما عن الشغل فالشاعر يشتغل على اللغة، يكثفها، يجملها.

 

وهنا لا فرق بين الشاعر والناظم، ويكون القول الفصل للمولود، فالذي يميز الطفل عن السقط هي الروح. صرخة الطفل عند خروجه للحياة. يولد النص الشعري صارخا، ممتلئا بالحياة، وبعينين مفتوحتين.

 

أعتقد أن النص يبدأ فكرة، ثم عليك أن تشتغل على إخراجه فلسفيا وشعريا ولغويا، ودراماتيكيا أيضاً، فالنص هو البوتقة التي ينصهر فيها كل شيء، كما قلت لك الشعر يقف هناك خارج اللغة. وما يعمله الشاعر هو صهر اللغة للإشارة إلى ذلك المكان خارج حدود اللغة.

 

*كيف يؤثر "فيسبوك" كمنصة لنشر كتابة القصيدة الشعرية؟

 

**كنت قد كتبت مقالة عن هذا الموضوع بعنوان " القصيدة العربية من البلاط إلى الفيسبوك " نشرتها في مجلة أقلام عربية.

 

الفيسبوك خلق حالة من التراخي لدى هذا الجيل، الذي خرج إلى النور بسهولة، فسهولة التواصل تعفي اللغة من وظيفتها، والشعر هو كائن لغوي أولا وأخيرا، بل هو أرقى الكائنات اللغوية، وهو مخلوق حساس جداً، ولا يحب المعاملة العادية التي تفقده حيويته.

 

*الشعراء الشباب كيف يكتبون القصيدة؟

 

**الشعراء الشباب يكتبون قصائدا، ويكتبون شعرا. لكن لا نجد مشروع شعري عند أي واحد. هكذا يدورون حول أنفسهم. في الحقيقة هم لا يعرفون ماذا يريدون؟ أو ربما لا يريدون أن يعرفوا ذلك.

 

لم يستطع أي شاعر أن يحول قصيدته إلى مشروع ذو بعد فكري وشعري وفلسفي. لا يوجد شغل حقيقي لخلق حالة شعرية جادة.

 

*هل لدى زهير الطاهري مشروع شعري؟ ما هو ؟ وماذا تريد تحديداً من القصيدة؟

 

**الحديث عن المشروع الشعري شائك جدا، لأنه موضوع مربك وحساس. لا أستطيع أن أجزم أن لدي مشروع فكري وشعري، فأنا مازلت في بداية الطريق، لكن أستطيع أن أقول أن لدي ما أريده. ما أريده أراه بعيني ولا أستطيع أن أصفه.

 

تستطيع أن تقول خلق حالة شعرية يمنية بأدواتها اليمنية. أنا أشتغل على أبعاد اليمن الواقعية والتاريخية، وتحميلها أبعادا إنسانية وفلسفية.

 

*قال بوشكين ذات مرة "إن غاية الشعر هو الشعر" هل توافقه هذا الرأي؟

 

**بالطبع أوافقه، فالشعر نرجسي جدا، يعبد نفسه،  لا يمنحك شيئا إلا إذا منحته كل شيء. يحب أن يستخدم كل شيء ولا يستخدمه أحد. لكن هذا لا يمنعه من تحقيق غايات أخرى في الطريق إلى تحقيق غايته الرئيسية.

 

* قصيدة عقلان، التي عرفت بها، برأيك لماذا لاقت هذه القصيدة هذا الاهتمام الواسع؟ وهل لشخصية عقلان أي دور في ذلك؟

 

**في الحقيقة، لا أنكر ذلك، فشخصية عقلان هي صورة لليمني بكل حالاته. شخصية اليمني البسيط الذي وضعته الأيام أمام آلة الحياة، في هذا الواقع الذي لا يرحم. ليخوض هذا الصراع المميت من أجل البقاء، لذلك أصبحت صوتهم في زحمة الضجيج. فعقلان ابن الشارع اليمني المجرح والمنكل به من كل جانب. استقبلها الجمهور بهذا الإحتفاء، لأنها صورتهم الحقيقية في مرآة الشعر. هي سيرة اليمني الذي وضعته الحياة وجها لوجه مع خسائره دفعة واحدة.

 

*هل من الممكن أن تحدثنا عن الأجواء التي كتبت بها هذه القصيدة، قصيدة عقلان؟ وكيف استطعت أن تحملها هذا الكم من الفلسفة والشاعرية بالرغم من بساطة الشخصية؟

 

**أنا أؤمن أننا نستطيع أن نتحدث عن أبسط الأشياء بلغة علياء وكأنها محور الكون. وأننا أيضا نستطيع أن نناقش القضايا الكبرى بلغة الجدات، فالأديب الذكي هو من يستطيع أن يناقش قضايا الكون مع عجوز ترعى الأغنام. فالأمر لا يحتاج إلى ربطة عنق ونظارة، ليبدو مظهر الشخصية فلسفياً. عقلان شخصيتنا البسيطة لها أبعادها الفلسفية وتفاعلاتها مع الحياة مع حولها، بكلماته العادية والمتداولة يوميا وملابسه المقطعة، يمكنه أن ينظر عن كل شيء. أخترته لأنه صورة واضحة عن اليمني الذي لم يعد لديه خيار سوى مواصلة الحياة مهما كانت النتائج. واستمرارية الحياة لا تحتاج إلى شيء سوى روح فقط.

 

*قصيدتا الراعية وعقلان، هي قصائد تفعيلة، برأيك هل للتفعيلة أي دور في ذلك؟ وهل تتوقع لها النجاح لو أنك كتبتها بالطريقة العمودية؟

 

**أنا لا أميل إلى جنس شكلي معين، وإن كنت أميل إلى التفعيلة أكثر لكنني ليس لدي أي موقف من بقية الأجناس. لأن رؤيتي للقصيدة أنها قصيدة فقط، والجيدة تفرض نفسها كيفما كانت.

 

لكنني أيضا، أرى اختيار البحر، القافية، وكيفية تناول الفكرة الشعرية، مهم جدا برأيي لنجاح النص الشعري. في الراعية أو عقلان، أرى أنه لو كتبت بطريقة مختلفة عن شكلها الحالي لربما لن يكتب لها النجاح. لأن فكرة النص سيرة ذاتية وفوضوية، ومتعددة الألوان فليس من الجيد كتابتها بلون واحد. يعني فكرة النص تفرض نفسها.


التعليقات