[ تطرقت الحلقة لستة أنواع من المشائخ في اليمن ]
المشائخ في اليمن لهم قوتهم وتأثيرهم في أحداث البلد ومتغيراتها، وفساد بعضهم أفسد اليمن، وسوف أتعرض هنا لنماذج أثرت سلبا في المجتمع اليمني، ولن أتعرض لكل المشائخ، ولا للمشايخ الكبار، والهامات الكبيرة.
النوع الأول
شيخ القبيلة ينهب الدولة باسم القبيلة، يفجع المسؤولين بها، ويفجع القبيلة بالدولة، ولا يصل القبيلة مما ينهبه شيئا، إنه قوي بالدولة باسم القبيلة، والقبيلة مستعدة أن تموت من أجله، طالما هو مع الدولة، فإن تركته الدولة تركته القبيلة، وإذا ارتبطت المشيخة بالعمل العسكري تحولت العملية العسكرية نفسها إلى "مخراطة".
اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب يستذكر متاعب العيش ومقالب النكد في تعز
المشائخ لا يخدمون القبائل التي تتبعهم بمشاريع خدمية بدعوى أن ذلك على الدولة، بما في ذلك مشيخات الجنوب، يقول الكولونيل يعقوب المعتمد السياسي في عدن 1922م أنه كان يصرف رواتب شهرية ومبالغ للمشائخ بين الحين والأخر، وينفقونها في زيادة طوابق القصر، وزواج امرأة جديدة، وشراء القات واللحم، ولا يعطون المقاتلين معهم غير الفتات عند تكليفهم بمهام خدمتهم، ومع ذلك مستعدون للموت دونهم، فإن نقصت الاعتمادات حرضهم ضد الاستعمار، وشيوخ القبائل ينفعون أتباعهم بالوساطات في مناصب الدولة والعسكرة والترقيات، ويحمونهم من تبعات اختلاس أموال الدولة، واستخدام معدات الدولة في خدمة أغراضهم وغزواتهم، والصراع فيما بينهم والتهريب والتقطع .
النوع الثاني
النوع الثاني من المشائخ، هو شيخ الأرض، والذي ينهب الرعية باسمه، وباسم الدولة، ولا يصل إلى الدولة غير رشوات مصالحه، فهو شيخ أرض، يملكها ويملك الرعية، فاذا تحزب تعذب، وهو للكرسي أقرب، حتى لو في الفكر أجرب، وتتحول الحزبية معه إلى طقطقة.
يستطيع الشيخ أخذ ما يريد من الرعية بالقوة، ومن الجميع بلا اعتراض، مثلا سمع أحد المشائخ أن عدد سكان الصين مليار نسمة، فقال: "ليت وأنا شيخ عليهم سأكتفي بالفرق على كل رعوي ريال واحد فقط"، يفتقد هذا الشيخ الضمير الإنساني، فلا رحمة عنده لرعوي مهما نكل به، ويشجعه على ذلك خبث الرعية فيما بينهم وحقدهم على بعضهم.
النوع الثالث
شيخ الضمان، ويضمن حماية البدوي مهما عمل، ويلعب دور الوسيط بين المنهوب والناهب لمكافاة الناهب على فعله، وللشيخ كفل منها، أو وساطة بين الناهب والدولة، ويحكم على الدولة تعويض الناهب، وله مكافاة من الدولة، فإذا اشتدت أمور الدولة، قال لن اسلم البدوي حقي بيدي، ولكن تدور عليه قوات الدولة وتأخذه.
هذا الشيخ يستطيع التمرد على الدولة ونسف مؤسساتها، وقطع الطرق والتقطع لخدماتها، وفوق هذا تراضيه الدولة وتعوضه.
النوع الرابع
شيخ المنطقة مع الجميع والجميع عنده، لا يظهر ميله إلى جهة، ويمسك العصا من الوسط، ويجيد اللعب على كل الحبال، ويقضي بين الرعية بالتحكيم والعرف، ويطالب بمشاريع ويأخذ قسطه منها، وينفذ مشاريع ويأخذ نصيبه، وكل تيار يقول له أنا معك، ومستعد للترشح في الانتخابات كل مرة باسم حزب، ويعتبر الجمهور حقه ملكه.
اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب يحكي في حلقته الـ27 رحلته إلى عدن وتعامل السلطات مع الوافدين
وإذا حشرته في زاوية احتال عليك وخرج سالما، مثلا في أول الثورة السبتمبرية جاء بعض الشباب يستأذن أحد المشائخ في السفر للقتال في صفوف الثورة والجمهورية، قال الشيخ: "أنا معكم أدعمكم بحمار تتواصلون به، وهمس في أذن كل واحد إن الحمار من أجلك أنت"، وتقاتلوا على الحمار في الطريق، وعادوا بين قتيل وجريح، وعاد الحمار سالما إلى الشيخ.
فإذا نافس الشيخ شخصية علمية أكاديمية في الانتخابات لفق له تهمه وأخرجه من الزحمة، ويحدد منافسه أحد المهمشين، ويدعمه كي يقول: من أحسن لكم يمثلكم شيخ أو مهمش؟".
أما إذا تطاول المهمش ووضع لنفسه دعاية انتخابية قوية مثل: "انتخبوا من يخدمكم لا من تخدموه"، فقد حكم على نفسه بالفناء، وحصل هذا الأمر ذات مرة، حيث قام الشيخ بمدح أحد المهمشين المنافسين له، ومنحه القات والسلاح، وطلب منه أن يروج لنفسه في المحوى، وهو المكان الذي يقيم فيه المهمشون، وقال له بأن من يعترضه يطلق عليه النار، مقابل أنه سيمنحه الدعاية عند القبائل، وفي المحوى شتم المهمش آخر مثله، فاطلق عليه النار وقتله، وفورا تم نقله إلى محكمة الأمور المستعجلة، وحكمت بإعدامه.
ولأن الشيخ لا يظهر ميله لأحد، فقد تخاصم عنده اثنان لمدة سنتين على ميزاب، حيث يصب ميزاب بيت الأول في سقف بيت الثاني، وخسروا مئات الآلاف، وفي لحظة صحوة الطرفين طالبوه بالحكم فورا كيفما كان، فكان حكمه "حكمنا يبقى الميزاب مكانه وينسد"، وهذا النوع يختلف عن شيخ الأرض الذي يظهر ميله بوضوح، فالرجل الذي شكا له أن الرعوي حمود باع له بقرة عمياء ورفض ارجاعها، وكان حمود قد رشا الشيخ، فأجاب الشيخ على المشتكي بالقول" قلدك الله أنت اشتريت بقرة تحلب أو تقرأ لك بصائر".
النوع الخامس
شيخ الطريقة، وينهب الصدقات باسم الأموات، وقداسة قبورهم، والتبرك بمواقع القبور وترابها، ويروي لهم خوارق أهل القبور، وينسب لنفسه الخوارق والكرامات، ويستخدم السحر والشعوذة لتضليل العامة والنصب عليهم، فإذا تشيع تميع وضاع وضيع.
النوع السادس
شيخ المذهب، ويحشد الناس لعبادة المذهب وقداسته، بدلا من التعبد به، فإذا تسيس تعصب وتطرف وتجبر، وخرف واستباح المحرمات، وقتل وأفتى بالقتل وكفر، التأويل عنده أخطر من الكفر الحقيقي.
وهناك شيخ العلم، وهذا نادر لا وجود له حاليا، وربما كان آخرهم القاضي العلامة الحجة محمد بن اسماعيل العمراني رحمه الله.
اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في الحلقة الـ26 يكتب عن الخضر والعدار والنباش في الثقافة الشعبية بمناطق العدين
ومصطلحات شيخ أصبحت درجة تقدير تقال حتى بين المثقفين، مثل شيخ الصحافة، وشيخ الإعلام، وشيخ المشائخ، وشيخ الحزب، وشيخ الإسلام...الخ، وهناك مجلس الشيوخ، شيخ البلد، شيوخ النفط، ومن الصعب تجميعهم على هدف وطني واحد، لأن لكل أهدافه الخاصة، وقد يلتقي مع شيخ آخر مؤقتا، لكن صعب جدا أن يلتقوا في مجلس تضامن للجميع، ويمكن أن يلتقي أكثر من شيخ حول العمالة والارتزاق، لكن من المستحيلات الالتقاء حول خدمة الوطن.
سلام الله على مشائخ الثورة والجمهورية والديموقراطية.
*خاص بالموقع بوست.
*يتبع في الحلقة القادمة.