[ أسامة الأسدي خاض مشوار كروي ناجح في سن مبكرة ]
انطلق من مدينة تعز التي تشهد حربًا وحصارًا فُرض عليها منذ تسعة أعوام، متدرجًا من حواريها وأزقتها، ومعلناً عن نجم كروي، عاشقاً للعبة، وواضعًا اسمه بين نجوم كرة القدم المحلية، وقائلًا لهم بأن هناك نجمًا قادمًا من الحالمة تعز.
ذلك هو أسامة الأسدي (16 عاما)، الذي يطمح للعب والاحتراف في الخارج، بسب الظروف التي يمر بها الوطن، وصعوبة المعيشة، وعدم توفر المقومات الأساسية، التي تساعد الرياضي على إكمال مسيرته الرياضية، ومواصلة صقل موهبته الكروية، فهو يعتبر النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي قدوة له على المستوى العالمي، وجهاد عبد الرب لاعب المنتخب الوطني الأول، نموذجًا آخر يقتدي به على المستوى المحلي.
بداية في ظل الحرب
بدأ أسامة مداعبة الكرة أثناء الحرب، وبالتحديد عام 2015م، وانطلق مغازلًا شباك الخصوم، وصانعًا للأهداف لزملاء فريقه، لتقدم حارته موهبة كروية جديدة لتذهب نحو نادي (حسم) الرياضي، الذي ما يزال تحت التأسيس، باكتشاف المدرب إيهاب علوان، ليعلن عن نجم قادم سيضع اسمه ضمن قوائم المنتخبات الوطنية، وبرغم استمرار الحرب ونتائجها السلبية والخطر المحدق بالجميع، إلا أنه ما يزال يلعب ويمارس هوايته المفضلة في بعض الأوقات، وينقطع في أوقات أخرى تحت إشراف الكابتن إيهاب علوان.
وبينما تظل مدينة تعز تحت وطأة الحصار الذي فرضته جماعة الحوثي، وإغلاق المنافذ الرئيسية والفرعية، ظل يمارس رياضة كرة القدم ما بين عامي 2015م حتى 2020م على بساط ملعب نادي (حسم) وتحت أنظار مدربه، ملتحقًا بعد ذلك ببطولة داخلية نظمتها.
تكريم الأسدي في أول بطولة داخلية نظمتها منظمة طوّر مجتمعك
منظمة (طوّر مجتمعك) والتي تقيم عددًا من الفعاليات والأنشطة الرياضية بمدينة تعز تحت عنوان (الرياضة من أجل السلام)، هي الأخرى لها دور أساسي لوصوله للقائمة النهائية لمنتخب الناشئين، حيث شارك في البطولة التي نظمتها المنظمة بمدينة تعز في أكتوبر 2020م، وتركز هذه المنظمة على خلق فرص التواصل بين الشباب، من خلال الرياضة، باعتبارها وسيلة قوية لتوطيد الروابط الاجتماعية، وخلق صداقات بين الشباب والنشء.
مشاركة أولى
بعد تلك الفترة، يعين اتحاد كرة القدم المحلي الجهاز الفني، لتكوين منتخب الناشئين، الذي سيشارك في النسخة الثامنة من بطولة غرب آسيا للناشئين في مدينة الدمام السعودية، ويعلن عن إقامة المعسكر الداخلي بمدينة سيئون بمحافظة حضرموت ويسند مهمة اختيار لاعبين من محافظة تعز للكابتن نبيل مكرم، الذي رشح مجموعة من لاعبي أندية المحافظة ليكونوا ضمن المجموعة.
ذهب ابن القلعة الحمراء، نادي أهلي تعز، والقادم من مدينة تشهد حصارًا خانقًا وبنية تحتية رياضية هشة، نحو مكان التجمع، وفي جعبته مهاراته الفنية، وبطولة داخلية من تنظيم منظمة (طوّر مجتمعك)، والتحق بالتجمع برفقة القادمين من كل محافظات الجمهورية، لتأتي مرحلة التصفية، وغربلة اللاعبين، والبقاء للأفضل فنيًا ومهاريًا، واضعًا اسمه ضمن القائمة النهائية الذاهبة نحو السعودية.
ذهب وهو يحمل صفة لاعب المنتخب اليمني للناشئين، ولكن هذه المرة كان الذهاب مختلفًا، فمدربهم الكابتن قيس محمد صالح يقول: "نحن أتينا للمنافسة وليس للمشاركة والعودة"، وما حدث كانت الحقيقة فأوفى بكلامه ومعه رفقاؤه، وذهبوا نحو منصات التتويج، ليحققوا البطولة في 14 ديسمبر 2021م والعودة إلى أرض الوطن بالذهب للمرة الأولى في تاريخ كرة القدم اليمنية، وسط فرحة عارمة في أوساط الجماهير اليمنية محتفين بهذا الإنجاز التاريخي، ومنحهم الجوائز المالية والعينية من أشخاص، وجهات مختلفة في الداخل والخارج.
مشاركات خارجية
لم تتوقف رحلته عند العودة، فعاد إلى ناديه الأهلي، ليمارس موهبته دون توقف، رغم العوائق والصعوبات، إلا أن تلك العوائق لم تقف حجر عثرة أمام عزيمته وإصراره، لتأتي المشاركة الثانية له مع صغار اليمن، ولكن هذه المرة عبر اتحاد غرب آسيا لكرة القدم وفي البطولة التاسعة في الأردن، والتي دخلها الناشئين حاملين لقب البطولة، لكنهم ودعوا البطولة من دور المجموعات.
مهمة أخرى تأتي لحمل شعار اتحاد كرة القدم وتمثيل اليمن، ولكن هذه المرة عبر الاتحاد العربي لكرة القدم في بطولة كأس العرب تحت 17 عامًا بدولة الجزائر ليصل رفقة زملائه -وبقيادة جهاز فني جديد يتقدمه الكابتن محمد حسن البعداني ويساعده الكابتن هيثم الأصبحي- إلى نصف نهائي البطولة وتحقيق المركز الرابع، في شهر سبتمبر 2022م.
يعلن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم عن التصفيات الآسيوية المؤهلة للنهائيات الآسيوية تحت 17 عامًا ليكون منتخب اليمن ضمن المجموعة الخامسة، بدولة بنغلاديش، بالإضافة إلى منتخبات سنغافورة وبوتان، وكان بطل قصتنا ضمن التشكيلة النهائية الذاهبة للمشاركة في تصفيات كأس آسيا للناشئين، ليعود إلى أرض الوطن رفقة زملائه محققين التأهل الثامن للنهائيات الآسيوية تحت 17 عامًا، ليختم بهذا التأهل مشواره مع منتخب الناشئين، إذ تم استبعاده من قائمة المنتخب النهائية المشاركة في المحفل القاري بسبب تجاوزه للسن القانوني.
ظروف رياضية متدهورة
ومثّلت كرة القدم على مدار السنوات الماضية مصدرًا مهمًا للعديد من اللاعبين، الذين صنعوا نجوميتهم في عالم الساحرة المستديرة، وبرزت موهبتهم على المستطيل الأخضر، رغم المعاناة التي تمر بها بلدانهم، إما من ناحية الصراعات والحروب، أو من ناحية المستوى المعيشي، الذي تواجه أسرهم، أو الذهاب للعيش بمخيمات اللجوء في طفولتهم.
ومثلما يعيش اليمن منذ تسعة أعوام صراعات وحروبًا أدت إلى تدمير أغلب المنشآت الرياضية، وأصبح الوضع الرياضي أسوأ بكثير مما كان عليه في السابق، بسبب توقف أغلب الأنشطة الرياضية، وبرغم الظروف وويلات الحرب والدمار الذي لحق أماكن الرياضة وتوقف الموارد المالية، إلا أن هذه الأسباب لم تقف حجر عثرة أمام بعض المواهب الرياضية من أن يطور نفسه، ويصبح نجماً من نجوم عالم كرة القدم على المستوى المحلي، ليؤكد أن النجاح ممكن متى ما توافرت الإرادة.
الأسرة الداعم الأول
أسامة الأسدي أثبت بأنّ النجومية ليست حكرًا على أحد، وليست خاصة بلاعبين دون آخرين، فتحقيق النجومية تأتي عندما تأتي العزيمة والإصرار وإن لم تتوفر البيئة المناسبة لذلك.
يقول أسامة الأسدي بأن الأسرة لها دور كبير وكبير جدًّا في حياته الرياضية، خصوصًا الأب والأم والأخوال، فهم الداعم الأساسي، وسند كبير له في حياته الرياضية، كونهم لاعبين سابقين في نادي الرشيد، منهم الكابتن إسحاق عقلان، أحد أبرز لاعبي النادي، ويضيف بأن الجميع شجعوه ومنحوه مساحة كبيرة، لإبراز موهبته، حتى نال هدفه، وأصبح ضمن قائمة منتخب الناشئين تحت 17 عامًا.
ويشير أسامة في حديثه مع الموقع بوست إلى أنه عندما استدعي لمعسكر المنتخب بمدينة سيئون، كان يراوده شعور لا يوصف، لأنه كان بمدينة محاصرة، وتفتقر لأبسط المقومات الرياضية، وخلال فترة الحرب من الصعب أن يتم اختياره ضمن قائمة المنتخب.
"ولكن الحمد لله توفقت بالاختيار، وأصبحت ضمن قائمة المعسكر، وهذا بفضل الله ثم بفضل من وقف معي، سواء كان المدرب إيهاب علوان، أو النادي الأهلي، أو بطولة (الرياضة من أجل السلام) التي نظمتها منظمة (طوّر مجتمعك)." يضيف الأسدي.
ويؤكد الأسدي بأنّ اختياره ضمن التشكيلة النهائية للمنتخب كانت فرحة رائعة، والمدرب قيس محمد صالح هو الأب الرياضي له، وعادل عباس يعتبر موهبة اليمن، وعصام ردمان القائد والأخ المثالي.
ويتابع بأنهم كانوا مجموعة منسجمة متناسقة، وذهبوا مع بعض لتحقيق الإنجازات بداية من المملكة العربية السعودية، وتحقيق الذهب وكأس غرب آسيا الثامنة، ثم عقبة الأردن والخروج من دور المجموعات في بطولة غرب آسيا التاسعة، ثم وهران الجزائر، والوصول إلى نصف نهائي بطولة كأس العرب للناشئين مع الجهاز الفني الجديد بقيادة المدرب محمد حسن البعداني، الذي له الفضل الكبير في تطوير مهاراته، ثم الذهاب إلى بنغلاديش، والتأهل إلى نهائيات كأس آسيا للناشئين 2023م في تايلاند.
استبعاد غير مؤثر
استبعاده من القائمة النهائية لمنتخب الناشئين تحت 17 عامًا المشارك في النهائيات الآسيوية تحت 17 عامًا بدولة تايلاند بسبب تجاوزه السن القانوني حسب لائحة الاتحاد الدولي لكرة القدم، لم يكن سببًا في توقفه عن ممارسة هوايته في اللعبة، فما يزال أسامة يعمل على تطوير موهبته، سواء في مقر ناديه الأهلي، أو نادي (حسم) الرياضي أو البطولات المحلية الداخلية.
ويؤكد بأن استبعاده من قائمة منتخب الناشئين لم تؤثر عليه، وأن هذه هي قوانين كرة القدم، ويتمنى من زملائه تكرار إنجاز منتخب الأمل والتأهل الى كأس العالم للناشئين.
ويوضح: "متى ما طُلبت لتمثيل اليمن، فإني على استعداد تام من منتخب الشباب حتى المنتخب الأول، فأنا ما أزال أعمل على تطوير نفسي، وأبذل كل جهودي، حتى أصل للمستوى الفني المطلوب."
ويختتم برسالة شكر لكل من له الفضل في مشواره الرياضي بدءًا من الكابتن إيهاب علوان ونادي (حسم) وكذلك القلعة الحمراء النادي الأهلي ومنظمة (طوّر مجتمعك)، موصلا رسالته لكل القائمين على الرياضة، بالاهتمام بالنشء والشباب، وتنمية قدراتهم من أجل خدمة الوطن، وإيجاد منشآت رياضية متكاملة وتوفير البيئة المناسبة للكل.
قصة ملهمة
قدم أسامة الأسدي نموذجًا لقصة ملهمة وناجحة من مدينة أخذت الجزء الأكبر من الحرب التي شهدتها البلاد، بالشراكة مع الأسرة والنادي ومنظمات المجتمع المدني، حيث تعتبر منظمة (طوّر مجتمعك) منظمة محلية تقدم أنشطة في المجالات الرياضية مقرها في مدينة تعز.
القصص الملهمة في كرة القدم ليست حصرًا على أحد، عندما تتوفر الإرادة، فعلى المستوى العالمي، يبرز نجم وسط المنتخب الكرواتي ونادي ريال مدريد الإسباني لوكا مودريتش، الذي ولد في مدينة زادار خلال حرب الاستقلال الكرواتية، وعندما كان لوكا في سن السادسة قُتل جده على يد المتمردين الصرب، وأُجبر والداه على الفرار من تلك المدينة.
بدأ الكرواتي صاحب الـ(37 عامًا) مسيرته الكروية في فريق (إن كيه زادار) الذي انطلق منه نحو عالم النجومية، ليصبح أحد أفضل لاعبي الريال وكذلك منتخب بلاده الذي حقق معه المركز الثاني في نهائيات كأس العالم في روسيا 2018م من أمام المنتخب الفرنسي الذي حقق البطولة، وقاد منتخب بلاده في مونديال قطر 2022م إلى نصف النهائي وحقق المركز الثالث على حساب المنتخب المغربي.
ومثلما وصل لاعب وسط ريال مدريد، لوكا مودريتش الذي وضع نفسه في التشكيلة الأساسية للنادي الملكي، الى العالمية وأصبح أحد أعمدة النادي الإسباني وحقق الميدالية الفضية رفقة منتخب بلاده كرواتيا في نهائيات كأس العالم روسيا 2018م وكذلك المركز الثالث في نهائيات كأس العالم قطر 2022م والعديد من الألقاب رفقة الريال، يريد أسامة المشي على خطى الكرواتي، فهو يعتبر قصته نموذجًا للكفاح والوصول للهدف وتحقيق الإنجاز، مقتديًا بها ليكون قصة ملهمة على مستوى اليمن.
وعندما تأتي الشراكة في صناعة المواهب وتأهيلها بين الأسرة والحكومة ومنظمات المجتمع المدني، تأتي النتائج لتكون منظمة (طوّر مجتمعك) على رأس قائمة الأفضل في إبراز المواهب من خلال الأنشطة والبرامج الرياضية التي تنفذها في مدينة تعز، وما أسامة الأسدي إلا نموذج في رياضة كرة القدم حيث ما تزال المنظمة مستمرة في تنفيذ الأنشطة الرياضية داخل المدينة.
عن الكاتب:
عبدالعزيز محمد عبده هادي (عبدالعزيز الفتح)، رئيس المركز اليمني للدراسات والإعلام الرياضي، وعضو الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي، والاتحاد الدولي للصحافة الرياضية، ومؤسس منصة VAR لكشف الأخبار الرياضية المضللة.