[ تحذيرات أممية من تداعيات الفيضانات في اليمن ]
لا يكاد يخلو يوم منذ أواخر تموز/يوليو من أخبار وفيات وتهدم منازل في معظم محافظات اليمن جراء الأمطار الغزيرة المستمرة في الهطول، مخلفة خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، تُفاقم من مأساة هذا البلد الغارق في الحرب منذ عشر سنوات.
ولم يكن خبر وفاة أسرة بكاملها تحت الأنقاض، منتصف ليل الخميس/الجمعة، في محافظة المحويت مفاجئًا، وإن كان شديد الإيلام في بلد منكوب بحرب عبثية؛ فأخبار تهدم المنازل وتصاعد أرقام الوفيات في ازدياد يومي؛ وفي ذات الوقت لم يتم الإعلان عن محصلة رسمية مع توالي فصول الكارثة، في ظل محدودية الجهود التي تعمل على احتواء الآثار ومعالجة الأضرار، وتقوم بالإنقاذ والايواء والمساعدة.
كيف حال أسرة هدّمت السيول منزلها، وجرفت مزرعتها ووجدت نفسها تبحث عن مأوى وما يسد رمقها؟ هو وضع كارثي يختزل ما صارت إليه المأساة الإنسانية في اليمن، جراء استمرار هطول الأمطار وتدفق السيول الجارفة، مع ما خلفته الحرب من ضعفٍ وهشاشة في الخدمات، وقبلها تمدد العمران في مجاري السيول؛ جراء محدودية الإمكانات التي تضطر الأسر لبناء مساكنها بإمكانات هشة، وفي مواقع غير آمنة، في ظل حرب أفقدت مؤسسات الدولة القدرة عن القيام بمهامها.
ولعل محافظة الحديدة وغيرها من محافظات الساحل الغربي أكثر المحافظات اليمنيّة تضررًا من فيضانات الأمطار.
ووفق أحدث تقرير للجنة الطوارئ بمحافظة الحديدة (غرب) الخميس، فقد تسببت السيول بوفاة 67 وإصابة 12 آخرين، فيما تضررت 12 ألفاً و798 أسرة في القرى والمناطق التهامية، فيما نزح ألفان و222 حالة من قراها جراء تهدم منازلها بشكل كلي.
وأفاد التقرير أن هذه المحافظة شهدت فقط، تدمير ثلاثة آلاف و357 منزلاً بشكل كلي، وخمسة آلاف و519 منزلاً بشكل جزئي، كما جرفت السيول ستة آلاف و522 منزلاً من العش، وأكثر من ألفي منزل أخرى بعضها مبنية بالطوب الأسمنتي. كما أدت السيول إلى جرف مساحات شاسعة من الحقول الزراعية، والتي يجري تقييم وحصر أضرارها بشكل شامل، بينها 390 حقلاً لمحاصيل زراعية بمديرية المنصورية، فيما تم نفوق ألف و391 من مواشي الأغنام، و54 أبقار، وثمانية آلاف و403 خلايا نحل.
كما ذكر التقرير، أن السيول جرفت ألفاً و337 طرقًا رملية في مختلف مديريات المحافظة، و32 طرقا أسفلتية، و21 عبارة تصريف مياه الأمطار، كما تضرر 19 جسراً حيوياً، و18 وسيلة نقل بينها ثمان تم جرفها.
كما أُعلن الخميس في محافظة ريمة (غرب) أن الأمطار والسيول تسببت في وفاة ستة أشخاص وتهدم 430 منزلًا بين تهدم كلي وجزئي، وانقطاع 45 طريقًا، وانجراف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بمحاصيلها من البن والمانغو والذرة، وفق وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» بصنعاء.
وفيما أُعلن في محافظة حجة (شمال) عن وفاة ثلاثة أشخاص جراء الأمطار، فقد أعلن الجمعة، في محافظة المحويت (شمال غرب) عن وفاة أسرة كاملة في مديرية الخبت، تحت أنقاض سقف المنزل الذي سقط عليهم وهم نيامًا، جراء الأمطار الغزيرة ما تسبب بوفاة الأبوين وثلاث بنات وطفل.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في حصيلة أولية عن وفاة 63 وتضرر أكثر من 38 أسرة في عدد من المحافظات جراء الأمطار، علاوة على إلحاق الأمطار والسيول أضرارًا كبيرة في مخيمات النازحين، في مناطق متفرقة من البلاد.
المدن التاريخية
كما ألحقت الأمطار والسيول أضرارًا بالمعالم الأثرية والمدن التاريخية؛ وهو ما سبق ونبهت بشأنه الهيئة العامة للآثار والمتاحف، محذرة مما تعرض له معالم أثرية في محافظة الحديدة جراء الأمطار.
الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بصنعاء أطلقت، من جانبها، نداء استغاثة الخميس؛ لإنقاذ المدن التاريخية اليمنيّة من تأثير غزارة الأمطار والمتغيرات المناخية التي يشهدها البلد مؤخرًا.
وجاء نداء الاستغاثة محملًا بمناشدات عاجلة للجهات المحلية والمنظمات الدولية للقيام بما يمكن القيام به لإنقاذ المدن التاريخية اليمنية من تأثير الأمطار الغزيرة، وخاصة المسجلة في قائمة التراث العالمي.
وركز البيان على المخاطر التي تتهدد مدينتي صنعاء القديمة وزبيد؛ وهما المدينتان اللتان أدرجتهما «اليونسكو» مع مدينة شبام حضرموت ضمن قائمة المدن المهددة بالخطر.
وأكدَّ البيان أن الظروف المناخية التي يمر بها اليمن أثرت على المدن التاريخية بشكل كبير، حيث وصلت البلاغات المسجلة في صنعاء القديمة إلى مئة بلاغ لمبان تاريخية معرضة للسقوط، مشيرًا إلى سقوط أحد قصور صنعاء، الأربعاء، في حارة بستان السلطان.
وناشدت الهيئة كافة الجهات ذات العلاقة لتقديم المساعدات الطارئة للفرق الميدانية لتدعيم وتأمين المباني في صنعاء وزبيد وثلا وجبلة وبقية المدن التاريخية المتأثرة بالأمطار.
كما ناشدت الهيئة المنظمات المحلية والدولية المعنية بحماية التراث الثقافي لتقديم الدعم العاجل لمواجهة هذه المتغيرات المناخية، وكذلك دعم أعمال التأمين المؤقت ومشاريع الترميم الدائم.
وتُمثّل المتغيرات المناخية تحديًا إضافيًا يضاعف من معاناة اليمن الذي أفرغته سنوات الحرب من إمكانات المواجهة الصلبة والناعمة؛ إذ بات كل شيء هشًا؛ وبالتالي فالخسائر مفتوحة على أرقام ومؤشرات لا يمكن التنبؤ بحدودها؛ فعائلات كثيرة جرفت السيول مساكنها ومصادر رزقها، ومدن ومعالم تمثل جزءًا من الذاكرة الثقافية الإنسانية باتت مهددة، وبعضها فقد تماسكه وأنهار وتحول إلى ركام، كما يحدث لمنازل صنعاء القديمة ومدينة زبيد التاريخيتين تحت غزارة الأمطار ومع توقف برامج الحفاظ والصيانة جراء الحرب.