[ أرشيفية ]
لم يَحِلْ المرض، ولم تستطع الحرب، كما لم يمنع الفقر زفاف أول مريضي سرطان في اليمن، لتبتهج صنعاء يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر بحفل زواج سلطان (25 سنة) المصاب بسرطان في ذراع مبتورة، ونورا (22 سنة) المصابة بسرطان الغدد اللمفاوية، وهو العُرس الذي التقى فيه، ولأول مرة، أكبر عددٍ من مرضى ومريضات السرطان من عموم البلاد، لكن لقاءهم هذه المرة لم يكن تضامناً مع معاناتهم وإنما ابتهاجاً بأول أعراس مرض لا يمكن أن يكون إلا حُكماً بالإعدام، بقدر ما قد يكون انتصاراً للحياة في زمن حرب وحصار وفقر تضاعفت معها أوجاع الأمراض المزمنة في بلدهم النازف.
"مرضى السرطان في اليمن يعانون كثيراً في ظل الحرب، ورغم المعاناة الناجمة من تزايد آلام المرض والفقر والحرب…ننحاز للحياة" يقول العريس سلطان لـ"القدس العربي" مهنئة إياه وزوجته بعرسهما السعيد.
يعدّ اليمن من أكثر البلدان العربية معاناة من مرض السرطان، ويشهد بين 15-20 ألف إصابة سنوياً وفق تقديرات المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في صنعاء (مؤسسة غير حكومية).
سبعة مراكز لعلاج الأورام تنتشر في ست مُدن يمنية معظمها تابع للمؤسسة الوطنية، إضافة إلى وحدات في بعض المستشفيات الأهلية، فيما ما زال البلد خاليا من أي مستشفى متخصص بالأورام، وتُقدم جميع المراكز خدمات محدودة لا تمثل شيئاً مقابل احتياجات ستين ألف مريض سرطان في اليمن.
ومن خلال هذا الواقع نقرأ أبرز عناوين معاناة مرضى السرطان هناك، وهو ندرة مراكز التشخيص والعلاج قبل الحرب ويضاف إليها الفقر والعوز واختلال الأمن خلال الحرب، الأمر الذي فقد معه بعض المرضى القدرة على الوصول إلى مراكز العلاج، كقصة وفاة خمسة أطفال مُصابين بالسرطان في تعز كانت حالتهم على مشارف التعافي، إلا أن الحرب تسببت لهم بانتكاسات ضاعف من نتائجها عدم قدرة عائلاتهم على الانتقال بهم إلى مراكز العلاج بسبب الظروف الأمنية الناجمة عن الصراع هناك حينها، وفق المدير الإعلامي للمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان عبدالمنعم الشميري، الذي أشار إلى أن الحرب وتداعياتها تسببت، في زيادة وفيات مرضى السرطان بنسبة تقدر بين 15 -20 في المئة عما كانت عليه قبلاً.
أعراس
سلطان ونورا، من المرضى الذين ترددوا، مؤخراً، على خدمات المؤسسة الوطنية في صنعاء من أجل العلاج، وتعرفا على بعضهما واتفقا على الزواج.
يقول الشميري لـ"القدس العربي": عندما أخبرنا سلطان ونورا برغبتهما بالزواج بعد موافقة شقيق نورا طلبنا، نحن في المؤسسة، الرأي من طبيبي الحالتين، وأفادا بإمكان زواجهما لاسيما وهما في حالة استقرار علاجي، فتولّت المؤسسة تنظيم العُرس بالتعاون مع عددٍ من المــؤسسات والشركات التي تكفلت بكل متطلبات العُرس؛ فكان حفلا غير عادي.
نائب رئيس رابطة مرضى السرطان في اليمن حميد القطيبي، وهو مريض بسرطان الدم أعرب عن مدى سعادته بزفاف سلطان ونورا وقال: لم أتمالك نفسي حتى فاضت دموعي وأنا أشهد فرحة مريضين بزفافهما في مرحلة صعبة يعيشها مرضى السرطان في اليمن، حيث يكابد هؤلاء معاناة مريرة.
"أنا مريض سرطان وأحتاج قيمة دواء شهرياً ألف دولار، ولولا تعاون الجمعيات ووسائل كثيرة ما استطعت الحصول على الدواء من الخارج، ومثلي حالات كثيرة من مرضى ضاعفت الحرب معاناتهم" يُضيف القطيبي.
معركة المرضى
وانتقد القطيبي واقع مراكز علاج الأورام في بلاده، إذ أن إمكاناتها محدودة وبالتالي فان تراجع خدماتها بسبب الحرب قد ضاعف كثيراً من معاناة المرضى الذين هُمّ، في الأخير، جزء من المجتمع ومن المعاناة المعيشية التي تتسع يوماً بعد آخر في البلد.
علي (45 سنة) صحافي وكاتب يمنيّ أصيبت زوجته بسرطان الثدي، واكتشفت العائلة تداعيات المرض القاتل مع بداية الحرب، ما أضطره سريعاً لبيع كل ما لديه ليسافر وزوجته وأولاده للقاهرة ويمكث فيها بضعة شهور خاض معركة قاسية لإنقاذ زوجته التي خضعت هناك لعملية جراحية، ومن ثم دخلت في مراحل من العلاج المكثف والمكلّف، لتفاجئ العائلة بانتقال السرطان إلى الدماغ، فتضاعفت المأساة مع ظروف مالية صعبة جداُ لم تسنده فيها أي مؤسسة حكومية.
وبعد مشقات مواجهة المرض عاد علي بعائلته إلى اليمن ليبدأ معركة أخرى إذ يحتاج استقرار حالة زوجته إلى علاج شهري لا تتوافر جُرعاته في البلاد، فيضطر شهرياً لتوفير خمسمئة دولار قيمة العلاج المُستقدم من القاهرة، بينما هو موظف حكومي ولا يستلم راتبه منذ عام. بقية التفاصيل نازفة في هذه القصة المأساوية من كثيرة غيرها تتكشف مدى معاناة مرضى السرطان والأمراض المزمنة في ظل ما يشهده البلد من حربٍ وتجاهلٍ لتداعياتها القاتلة.
لقد تسبب الصراع في اليمن بتراجع دعم المؤسسات والمانحين وتحول جزء كبير من ذلك الدعم لمجالات يرى المانحون والمتبرعون أنها ستكون أجدر، كالأوبئة والفقر والمجاعة والتعليم وغيرها، ما تسبب في تراجع الدعم الذي كانت تتلقاه مراكز علاج مرضى السرطان.
ويعتقد الشميري "أن إقامة عُرس لمصابين بالسرطان في اليمن، في مثل هذا الواقع، مثل حافزاً كبيراً للمرضى في علاقتهم بالحياة.
كما أن العُرس نجح في تحقيق نتيجة لم تستطع كثير من حملات مكافحة السرطان إقناع المجتمع بها، وهي أن المرض ليس نهاية الطريق، إذ بإمكان المريض مواجهته والاستمرار في الحياة.
سرطان الأطفال
وتؤكد مصادر طبية أن الأطفال هم أكثر فئات مرضى السرطان معاناة في اليمن، لعدة أسباب منها: عدم وجود مركز أو مستشفى متخصص بعلاج حالاتهم، باستثناء وحدة علاجية صغيرة في مستشفى الكويت الجامعي في صنعاء، إلا أن إمكاناتها أضعف بكثير من مواجهة التزامات واقع المرضى لاسيما مع النقص الحاد في إمكانات التشخيص والدواء والعمليات.
وأوضحت تلك المصادر أن الحرب تتسبب بمضاعفات خطيرة على مرضى سرطان الأطفال "إذ أن استمرار تعرضهم لنوبات خوف جراء أصوات القصف يُضعِف نفسياتهم فتتراجع مقاومتهم للمرض فيتعرضون لانتكاسات لا يمكن مواجهتها في ظل ظروف فاقمت معاناة المجتمع ككل وفي مقدمتهم الأطفال لاسيما وأن كثيرا من عائلاتهم تعجر عن الانتقال بهم من المناطق الريفية للعلاج في المدينة".
ووفقاً لمختصين لا يتجاوز عدد أطباء الأورام في اليمن 20 ويتركز معظمهم في صنعاء وقلة قليلة جداً في عدن وتعز والحديدة، فيما عدد منهم هاجر للعمل خارج البلاد جراء الصراع المستعر هناك منذ آذار/مارس 2015.