[ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ]
يصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى باريس الأحد في زيارة تستغرق يومين، يأمل الفرنسيون أن تشكل فرصة لحصول تعاون جديد يتمحور حول عقود آنية واستثمارات للمستقبل، لاسيما في المجال الرقمي والطاقة المتجددة.
وكان الجانب السعودي قد أعلن أن المحادثات مع الفرنسيين ستتمحور حول الشؤون الثقافية والسياحية والاستثمار والتكنولوجيا الحديثة.
ورغم أن التصريحات الرسمية من الجانبين توضح أن الزيارة ذات طابع سياسي، إلا أن الرياح تجري- فيما يبدو- بما لا يشتيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (40 عاما) وضيفه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (32 عاما)، إذ يفرض الملف اليمني نفسه على الطرفين، في ظل تعالي الأصوات بفرنسا المنددة ببيع السلاح إلى السعودية، رغم محاولات باريس تخفيف التوتر على الأرض.
فمنذُ أن أُعلِن عن هذه الزيارة سارعت عدة منظمات دولية لحقوق الإنسان، في مقدمتها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى مطالبة الرئيس إيمانويل ماكرون بإدراج الملف اليمني في صلب محادثاته مع الأمير محمد بن سلمان، داعية في الوقت نفسه إلى وقف قصف التحالف العربي الذي تقوده السعودية للأهداف المدنية واحترام القانون الإنساني الدولي، بالإضافة إلى الإلغاء النهائي وغير المشروط للقيود على تسليم المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية لليمن، حيث تقلصت شحنات الأغذية كثيرا من جراء تشديد السعودية وحليفتها الإمارات العربية المتحدة للحصار المفروض أساسا على المرافئ والمطارات اليمنية.
نحو لجنة تحقيق برلمانية؟
وأعربت هذه المنظمات الحقوقية عن نيتها اللجوء إلى القضاء، معتبرة أن فرنسا، (ثالث مصدر للأسلحة في العالم و أحد الموردين الرئيسيين للأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر)، تنتهك اتفاقية تجارة الأسلحة التي وقعت عليها في العام 2014، والتي تنص على امتناع الدول عن نقل أسلحة قد تستخدم في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق تساءلت راضية المتوكل، رئيسة منظمة ’’مواطنة’’ غير الحكومية التي تحصي انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن “كيف لرئيس شاب متعلم ألا يأخذ بعين الاعتبار مصير المدنيين اليمنيين!؟”، محذرة في الوقت عينه الرئيس ماكرون من أن ’’ التاريخ لن ينسى أبدا موقفه حيال انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن”.
انتقادات بيع الأسلحة إلى السعودية لم تقتصر على المنظمات الحقوقية فحسب، بل امتدت إلى البرلمان والشارع الفرنسيَيْن، حيث دعا النائب في حركة الجمهورية إلى الأمام الحاكمة في فرنسا سيباستيان نادو إلى إنشاء لجنة برلمانية تكلف بالتحقيق حول مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى أطراف النزاع في اليمن، وذلك لمعرفة ما إذا كانت باريس احترمت فعلا إلتزاماتها الدولية في هذا المجال.
وهي دعوة وجدت لها صدى كبيرا لدى الرأي العام الفرنسي، حيث أظهر استطلاع نشرته نتائجه حديثا أن ثلاثة من كل أربعة فرنسيين (74 في المائة) يجدون أنه من “غير المقبول” أن تبيع فرنسا السعودية معدات عسكرية، فيما رأت أغلبية ساحقة (88 بالمائة) من المستطلعة آراؤهم، أن على الحكومة الفرنسية أن توقف تصدير الأسلحة إلى الدول التي يمكن أن تستخدمها ضد المدنيين كما يحصل في اليمن.
وقد ردت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي على هذه الانتقادات بالقول إن فرنسا تمتلك “نظاما متينا وشفافا لمراقبة تصدير المعدات الحربية، وأن قرارات تصدير السلاح تتخذ في إطار إحترام صارم لالتزامات باريس الدولية”.
وفي هذا الصدد ذكر مكتب رئيس الحكومة إدوار فيليب أن “اجراءات المراقبة المتعلقة ببيع السلاح إلى اليمن تم تعزيزها بشدة خلال الأشهر الاخيرة”، وهو ما اعتبر الصحافي والمحلل السياسي من باريس وليد عباس أنه مؤشر على أنه “لن تكون هناك أي استجابة” من الرئيس إيمانويل ماكرون لدعوات المنظمات الحقوقية على الأقل خلال هذه المرحلة، تماما كما كان الحال خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى باريس، حيث عانى ماكرون من ضغوط مشابهة حول حقوق الانسان في مصر، وقال وقتها: “نحن لا نعطي الدروس للآخرين”.
وأضاف وليد عباس بأنه “مما لاشك فيه أن عدم استجابة ماكرون لهذه الدعوات وتفضيله كفة الصفقات التجارية على كفة حقوق الانسان ومبادئ فرنسا قد يؤثر ذلك على شعبيته و مكانته لدى الرأي العام الفرنسي”.
وعلى نفس المنوال تحدث المحلل السياسي من باريس أيضا مصطفى الطوسة، معتبرا أن هذه الضغوطات الكبيرة حيال انتهاكات حقوق الانسان في اليمن وبيع السلاح الفرنسي إلى السعودية، “لن يكون لها أثر كبير على المواقف السياسية والمقاربة الدبلوماسية لإيمانويل”.
لن ينصاع ماكرون..
غير أن مراقبين فرنسيين رأوا عكس ذلك أن الرئيس ماكرون لن ينصاع بشكل أعمى تجاه الصفقات التجارية السعودية على حساب مبادئ فرنسا لمعرفته أولا أن ولي العهد السعودي يركز على علاقات سياسية واقتصادية أوثق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخير دليل على ذلك زيارته إلى الولايات المتحدة التي استمرت ثلاثة أسابيع وتم خلالها التوقيع على صفقات تجارية ضخمة جدا ومتنوعة.
لذلك يرى هؤلاء المراقبون أن مسألة المواقف السياسية الفرنسية ستظل ثابتة حيال عدة ملفات أبرزها إيران وقطر، إذ يرى حمدي جوارا الباحث السياسي في باريس، أن “بعض المطامع الاقتصادية قد لا تدفع فرنسا إلى الذهاب بعيدا في إلقاء الكثير من اللوم على محمد بن سلمان في بعض خياراته السياسية الطائشة بالمنطقة على غرار الأزمة مع دلة قطر، إلا أن موقف باريس لن يتغير بشأن هذه الأزمة وذلك عبر دعم جهود الوسيط الكويتي”.
كما اعتبر جوارا أن هذه الزيارة ستكون “مفصلية في علاقة فرنسا مع السعودية وخاصة فيما يتعلق بأوضاع اليمن ومسألة فتح كافة المنافذ البرية والبحرية للأعمال الانسانية”.
إيران.. توتر لغة الخطاب
بالإضافة إلى الملف اليمني، يرفض نظيره الإيراني نفسه بصفته السبب الأول في “تعقيد” العلاقة بين الرئيس الفرنسي ماكرون وضيفه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وفق كثير من المراقبين، حيث من المتوقع أن يحاول الأمير السعودي الشاب إغراء الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون بصفقات تجارية مهمة من أجل تراجع باريس عن طموحاتها التجارية مع إيران، وذلك بعد أن هدده خلال اللقاء الخاطف و الأول الذي جمعهما في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بتقليص العلاقات مع فرنسا ما لم يكبح ماكرون رغبته في الحوار مع طهران وسعيه لتعزيز المصالح التجارية الفرنسية في إيران، حسب ما كشف محيط ماكرون، وهو ما لم يتقبله الرئيس الفرنسي، الذي حذر الأمير السعودي من مغبة الحديث هكذا مع رئيس الجمهورية الفرنسية، مذكرا إياه بمكانة باريس العالمية كقوة نووية وعضو دائم في مجلس الأمن بالأمم المتحدة وأنها حرة فيما تفعل.
وفي حوار سابق مع “القدس العربي” قال الصحافي الفرنسي الشهير جورج مالبرينو، المتخصص في شؤون منطقة الشرق الأوسط، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أخذ العبرة من الوعود التجارية السعودية التي لا تنفذ على غرار الوعد الذي أعطاه الملك سلمان بن عبد العزيز للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند بإبرام صفقات تجارية تبلغ قيمتها 50 مليار دولار، مقابل تبني فرنسا لسياسة متشددة تجاه إيران.
كما أن ماكرون، يضيف مالبرينو، أخذ العبرة من الدبلوماسية الفرنسية، التي لم تكن بدورها “فعالة” وتميزت بسياسة “الخضوع″.
ويجمع مراقبون على أن الأمور تظل مفتوحة على جميع الإحتمالات، فقد تشهد الزيارة بداية صفحة جديدة بين باريس والرياض كما أن الوضع ’’المعقد’’ الذي تمر به علاقة البلدين منذ وصول ماكرون إلى السلطة وتولي محمد بن سلمان ولاية العهد في السعودية حيث أصبح رجلها القوي، قد تستمر، ما قد يدفع ماكرون إلى تغيير سياسته الدبلوماسية حيال السعودية، وسط الضغوطات الداخلية المطالبة بوقف بيع السلاح إليها.