[ مسلحون انفصاليون تدعمهم الامارات يجوبون شارع بعدن ]
لا شيء في اليمن يدل على أن الحرب ستنتهي قريبا، ولا شيء يدل أيضا على أن التحالف، بقيادة السعودية وشريكتها الإمارات، راغبتان في فعل شيء ذي بال لتوقف الحرب الكارثية التي تسببت في شل حياة اليمنيين وتشريدهم وقتل وجرح الآلاف منهم تحت وطأة الضربات الجوية للطيران السعودي والطيران الإماراتي.
ولربما كان تقرير الخبراء الدوليين إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، صرخة في جبين الإنسانية وشاهدا على فداحة ما ارتكبته أطراف الحرب في اليمن، سواء السعودية والإمارات أو الحكومة أو الحوثيين وغيرهم من المليشيات الأخرى.
رصيد الانتهاكات والجرائم السعودية الإماراتية يزداد كل يوم، مع تأكيد فريق الخبراء الدوليين أن ثلثي القتلى المدنيين يسقط في هجمات وغارات السعودية والإمارات، وتأكيد تقرير الفريق على ضلوع ضباط إماراتيين في تعذيب واغتصاب معتقلين في سجون في عدن، وهي وقائع لم يعرفها اليمنيون طوال تاريخهم. لكن السؤال الذي يدور في ظل هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه اليمن، عن موقف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته من كل ما يحدث في بلاده، خاصة بعد عودته القسرية من عدن إلى الرياض، عقب ضغوط إماراتية وسعودية عليه للعودة إليها، وبعدما أشهرت أبو ظبي «الكرت الأحمر» لهادي للخروج من عدن كان آخرها محاولة اغتيال قائد اللواء الأول حماية رئاسية العميد سند الرهوة.
اتفق السعوديون والإماراتيون مع هادي على مغادرة الرياض نحو عدن والبقاء فيها نحو أسبوعين بعد غياب قسري دام نحو عام ونصف العام بسبب رفض ولي عهد أبوظبي السماح له بدخولها قبل ان يلتقي الطرفان في أبوظبي في يونيو/حزيران الماضي قبيل معركة الحديدة في مقايضة واضحة كان عنوانها العودة إلى عدن، مقابل تعهد هادي على المضي في العملية العسكرية في الحديدة، لكن بقاء هادي في عدن أكثر من المدة المحددة دفع أبوظبي لتفجير الوضع في المدينة، إذ شهدت أكثر من عملية اغتيال ضد شخصيات مقربة من هادي، كما صعد المجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم من أبوظبي تصريحاته لإسقاط الحكومة ودعا لمظاهرات تطالب بالخروج ضدها.
الخروج من عدن
وتحت الضغط السعودي والرغبة الإماراتية اضطر هادي للخروج من عدن إلى القاهرة والرياض، ويبدو أنه لن يتمكن من العودة إليها في الوقت القريب. الأكثر من ذلك أن علاقته بالمجلس الانتقالي الجنوبي تسوء يوما بعد يوم، فهاني بن بريك نائب رئيس المجلس أعلن تحديه لتوجيهاته بإحالة المتورطين، بينهم القيادي في الحزام الأمني أبو اليمامة، إلى القضاء للمحاكمة بعد هجومٍ على حفل الكلية العسكرية، ما أدى إلى مقتل طالب وإصابة اثنين في عدن. أما قبل ذلك فقد أجبر السعوديون الرئيس اليمني على إقالة وكيل محافظة المهرة شرقي البلاد علي سالم الحريزي، ومدير الشرطة محمد أحمد قحطان، بحجة دعمهما للاعتصام الذي أقامه أبناء المهرة ضد وجود القوات السعودية في محافظتهم، وأسفر عن اتفاق لخروج القوات السعودية من الميناء والمطار والمنافذ الحدودية مع سلطنة عمان قبل أن ينقلب السعوديون على الاتفاق.
وفي خطوة انتقدها الكثير من اليمنيين زار هادي المهرة، وكان في استقباله السفير السعودي محمد آل جابر، معتبرين ذلك الاستقبال بمثابة رسالة سعودية بسيطرتها الكاملة على المهرة، مع توسع أطماعها في إنشاء أنبوب نفطي يمتد إلى بحر العرب، وهو ما يحدث حاليا في المهرة تحت سمع وبصر الحكومة اليمنية، إذ تجري إنشاءات حالية في ميناء نشطون الذي تسيطر عليه القوات السعودية تحت غطاء لجنة إعادة إعمار اليمن التي يرأسها السفير السعودي ذاته.وقد كشفت ذلك رسالة وجهتها شركة هوتا للأعمال البحرية السعودية إلى السفير السعودي في اليمن تشكره فيها على ثقته في الشركة وطلبه التقدم بعرض فني ومالي لتصميم وتنفيذ ميناء لتصدير النفط. والمفارقة في الأمر أن السعودية التي تنفذ إنشاءات في ميناء نشطون في المهرة سمحت لشريكتها بتعطيل ميناء عدن الذي يعد من أهم الموانئ في العالم.
إثارة حفيظة سلطنة عمان
من خلال ما يحدث في المهرة المحاذية لسلطنة عمان وفي سقطرى غير البعيدة عنها، يبدو أن الرياض وأبوظبي اختارتا المواجهة مع سلطنة عمان، التي تحتفظ بحدود وعلاقات مع المهرة التي تعتبر ثاني أكبر المحافظات اليمنية مساحة، ويوجد فيها منفذان حدوديان مع عمان هما، صرفيت وشحن، وأطول شريط ساحلي في اليمن يقدر بـ560 كيلومترا، وميناء «نشطون» البحري.
ومن المؤكد أن الدفع بقوات سعودية إلى المحافظة الجارة للسلطنة سيثير حفيظتها ومخاوفها من الأطماع السعودية، ومحاولة إعادة رسم الخريطة السياسية تحت مبررات التهريب، وحماية الحدود في المحافظة البعيدة عن الصراع العسكري وعن الأعمال الإرهابية، ما قد يفجر صراعا جديدا في المنطقة هي في غنى عنه.
وكدلالة أخرى للنوايا غير الطيبة للحليفين خرج رمزي محروس محافظ سقطرى بتصريحات نارية ضد الوجود الإماراتي في الجزيرة الإستراتيجية المهمة متهما أبوظبي بتشجيع التمرد على السلطات المحلية في المحافظة ومحاولة إنشاء قوة موازية وخدمات مماثلة لما تقدمه الحكومة عبر شخصيات إماراتية تتواجد في المحافظة تحت غطاء العمل الخيري.
كل هذه المعطيات وقبلها إحكام السيطرة الإماراتية على ميناء عدن ومطارها وميناء المخا وجزيرة ميون وميناء المكلا في حضرموت ومطارها وميناء بلحاف شبوة، ومنع تصدير النفط وإغلاق المطارات والتفرد بقرار معركة الحديدة والساحل الغربي، تدل على أن أبوظبي ومن ورائها الرياض تواصلان السعي في قضم الخريطة اليمنية والعبث بها، بدون أن يكون هناك أي رادع يقف في وجه مخططاتهما التوسعية التي تتكشف مراميها يوما بعد يوم.
أما الرئيس اليمني الذي لم يعد يستطيع العودة حتى إلى عاصمته المؤقتة عدن، أو أي من مناطق اليمن الخاضعة لسيطرة الجيش الموالي له فتشاركه السيطرة عليها الآلاف من المليشيات التابعة للإمارات التي تقع تحت قبضتها الحديدية تأمر فيها وتنهي في سلطة أصبح اليمنيون يصفونها بالاحتلال.
يقول اليمنيون اليوم، إن الرئيس هادي وحده من يتحمل مسؤولية كل ما يجري، باعتباره الغطاء الشرعي الذي أدخل الرياض وأبوظبي إلى البلاد، تاركا للدولتين حرية التصرف فيها والعبث بمكوناتها وإعادة تشكيلها، متخليا عن صلاحياته باعتباره الرئيس الشرعي، بدون أي حساب لما قد يؤول إليه الوضع الذاهب باليمن إلى المجهول، وأن كل هذه التجاوزات والانتهاكات الجسيمة لابد ان تتوقف قبل أن يجد اليمنيون أنفسهم في مواجهة الطوفان!