كان قبلة السائحين ومقصد الباحثين التاريخيين.. رحيل آخر السقطريين
- الجزيرة نت الاربعاء, 13 مارس, 2019 - 09:56 صباحاً
كان قبلة السائحين ومقصد الباحثين التاريخيين.. رحيل آخر السقطريين

[ صعالف كان يحرص على طهي اللحم لضيوفه وصناعة القهوة التقليدية (مواقع التواصل) ]

"ودعنا آخر السقطريين" هكذا نعى سكان سقطرى اليمنية الأسبوع الماضي الشيخ السبعيني صعالف بن سلالي بر حلمهي آخر الرجال الذين تمسكوا بأسلوب ونمط العيش في الجزيرة المصنفة كواحدة من عجائب الدنيا.

 

وقضى صعالف سنينه السبعين على نهج آبائه وأجداده الذين سكنوا الجزيرة، ورغم عصرنة الحياة التي بدأت منتصف القرن الماضي فإنه تمسك بنمط حياة الجزيرة التي تعتمد على توظيف الموارد الطبيعية.

 

وتحول الرجل بنمط حياته إلى قبلة للسائحين ومقصد الباحثين التاريخيين، وكان يستقبل زواره في كهفه بكل مودة وترحاب، يغدق عليهم من لحوم ماشيته، وقهوته التقليدية الخالية من الإضافات المعاصرة، كما يقول محمد السالمي -وهو أحد المسؤولين المحليين- للجزيرة نت.

 

حياة بدائية

 

قبل وفاته كان صعالف وجها للجزيرة المنعزلة في مياه المحيط الهندي، والتي وضعتها صحيفة نيويورك تايمز كأجمل جزيرة في العالم لعام 2010، نظرا للتنوع الحيوي الفريد والأهمية البيئية باحتوائها على شجور وطيور نادرة.

 

وفي أحد الجبال اتخذ صعالف كهفا يقيه برد ليالي الجزيرة ذات الطبيعة المتقلبة، وفي النهار كان يجول في البراري لعله يظفر بصيد من الحيوانات البرية، أو يتجه لذبح أحد مواشيه التي ترعى في الجبال.

 

وكانت الحياة البدائية نهج صعالف رغم تحول السكان إلى الحياة العصرية، وكان لا يرتدي إلا مئزرا يواري نصفه السفلي فقط، وفي آخر أيامه انتعل الأحذية الرخيصة، وفق ما يقول السالمي.

 

وذلك الزي خص سكان سقطرى حتى مطلع القرن العشرين، وفيه يترك الجسد عاريا إلا من غطاء خفيف على العورة.

 

ويضيف السالمي "لم يكن لحياته صلة بالحياة الصاخبة، لكنه في المقابل تمسك بعادات وقيم سقطرى الأصيلة مثل الكرم والشجاعة، وكان زائروه يتحدثون عن كرمه المبالغ".

 

السكان الأصليين

 

ويقول عبد الله بداهن -وهو أحد الباحثين في سقطرى- إن حياة صعالف كانت نموذجا لحياة السكان الأصليين في سقطرى الواقعة في الساحل الجنوبي للجزيرة العربية أمام مدينة المكلا شرق خليج عدن، حيث نقطة التقاء المحيط الهندي ببحر العرب، وتبعد عن السواحل الجنوبية لليمن بنحو 350 كيلومترا.

 

وأضاف للجزيرة نت "اختار صعالف البقاء على الحالة التي عاش فيها أثناء طفولته وآبائه وأجداده، وكان يأكل من حيوانات الجزيرة أو أغنامه، ويتطبب من الأشجار النادرة والكي بالنار".

 

ويقول بداهن إن لصعالف أسرة عريقة، وكان يعيش في كهفه على مقربة من قرية مومي التي تسكنها أسرته على السفوح المرتفعة من الجنوب الشرقي من الجزيرة.

 

وحول ما إذا كان ذلك النمط له علاقة بمذهب محدد في التفكير والعبادة، يقول الباحث الأكاديمي إن صعالف "كان يعيش حياة طبيعية ليس لها اتجاه بالجانب التعبدي أو العزلة".

 

فيلسوف البرية

 

وإلى جانب نمط العيش المتفرد، كان صعالف واحدا من أشهر حكماء الجزيرة التي عرفت منذ العهود القديمة، حسبما تظهر التنقيبات الأثرية حيث تعود حياة البرية فيها إلى ألف سنة قبل الميلاد.

 

وكان الشيخ السبعيني أعلمهم بتاريخها وأمثالها ولغتها وعاداتها، مما جعل له مكانة كبيرة بين السكان الذين يعود أصلهم إلى مهرة بن حيدان وقبائل حِمْيَرية، وبعض العشائر يعود أصلها إلى حضرموت وسلطنة عُمان، وفق ما جاء في كتاب لسان العرب للهمداني.

 

وآثر صعالف البقاء في كهفه متنقلا بين الجبال والوديان، متحاشيا الذهاب إلى الحواضر والمدن في جزيرة سقطرى التي تبلغ مساحتها 3650 كيلومترا، ويسكنها نحو 150 ألف نسمة.

 

ووفق سكان الجزيرة فإن صعالف كان صاحب حكمة بالغة، وكلمة رزينة، وأقوال مأثورة، تلخص تاريخ وحضارة سكان سقطرى الذين طوّعوا الطبيعة المتقلبة للجزيرة، وصمدوا أمام الحملات العسكرية المتعاقبة للسيطرة على الجزيرة.

 

وبسبب موقعها الإستراتيجي، تعاقبت على هذه الجزيرة موجات من البرتغاليين والرومان بهدف احتلالها، فضلا عن الإنجليز، وخلال الآونة الأخيرة سيطرت عليها الإمارات في ظل أجواء الحرب في البلاد وأرسلت قواتها إلى هناك بداية مايو/أيار 2018.


التعليقات