حملة أمنية وصخب سياسي مضاد لها في تعز.. لماذا؟
- عربي21 الاربعاء, 27 مارس, 2019 - 07:52 مساءً
حملة أمنية وصخب سياسي مضاد لها في تعز.. لماذا؟

[ الحزب الناصري: الحملة الأمنية لملاحقة مطلوبين أمنياً في تعز حرفت عن مسارها - جيتي ]

تموج مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، بأحداث وتفاعلات سياسية وعسكرية، منذ إطلاق القوات الحكومية حملة أمنية في الأيام القليلة الماضية، لمطاردة عناصر تصفها خارجة عن القانون ومتورطة بعملية اغتيال لعسكريين، أدت إلى اندلاع اشتباكات بين الطرفين، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بينهم مدنيون.

 

ومع احتدام المواجهات لمصلحة القوات الحكومية في المدينة القديمة، وسيطرتها على مقعل ومقر قيادة كتائب" أبو العباس" السلفية المدعومة من الإمارات، التي تتهمها السلطات بإيواء العناصر الخارجة عن القانون، تصاعدت الاتهامات من قبل قوى سياسية بانحراف قوات الحملة الأمنية عن مسارها، وطالبت بإيقافها فورا.

 

وعلى إثر ذلك، أمر نبيل شمسان، حاكم تعز الجديد، الذي وصل الأٍسبوع الماضي إليها، بإيقاب الحملة الأمنية وسحب قواتها من مقار أحكمت سيطرتها عليها، بينها المدينة القديمة ومجمع هائل التربوي، الذي تتخذ منه كتائب" أبو العباس" مقرا قياديا لها، شرق وجنوبي تعز.

 

وأصدر التنظيم الناصري الوحدوي والحزب الاشتراكي، بيانين منفصلين، يهاجمان الحملة الأمنية واتهامها بحرف مسار المعركة.

 

وقال الحزب الناصري، الأحد، إن الحملة الأمنية لملاحقة مطلوبين أمنياً في تعز حرفت عن مسارها، متحدثا عن  "انتهاكات وجرائم نتجت عن ذلك، بالإضافة إلى ترويع المواطنين وترهيبهم".

 

واتهم الحزب اليساري الحملة الأمنية بالانحراف إلى ما وصفها "حرب انتقام وإبادة وتصفية"، مشيرا إلى أن هناك مخاوف من استغلال قرار الحملة الأمنية لتصفية حسابات من البعض مع من يراهم خصوما له بنزعة استعلائية وانتقامية ضد من هم في الأصل شركاء في معركة التحرير.

 

أيام عصيبة

 

أما الحزب الاشتراكي فقال إن تعز عاشت ثلاثة أيام عصيبة جراء الاشتباكات المسلحة التي وقعت من 21 إلى 23 آذار/ مارس 2019م جنوبي شرق المدينة، وذهب ضحيتها العديد من المدنيين وتضررت مصالح ومنشآت خاصة وعامة، خلال قيام أجهزة الأمن بتنفيذ حملة أمنية  انطلقت يوم الخميس الماضي بهدف "إلقاء القبض على المطلوبين أمنيا".

 

ولم يذهب بيان الاشتراكي بعيدا عما طرحه الحزب الناصري، بأنه جرى حرف الحملة الأمنية عن مسارها ومهاجمة قوات أخرى متمثلة بكتائب أبو العباس التابعة للواء 35 مدرع، وتطورت إلى حرب شوارع واتسع نطاقها حتى بدأت الأمور تأخذ منحى آخر.

 

وعبر البيان عن دعم الحزب لقرارات وتوجيهات محافظ المحافظة، نبيل شمسان بينها استكمال استعادة مؤسسات الدولة وبسط الأمن والاستقرار في مختلف المناطق الخاضعة للشرعية، وتشكيله لجنة قضائية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وحصر الأضرار التي تسببت ها الاشتباكات في مناطق شرق وجنوبي تعز.

 

ويرى مراقبون أن اتهامات حرف مسار الحملة الأمنية من قبل الحزبين اليساريين، موجهة لحزب الإصلاح الذي يتحكم بالقرار الأمني والعسكري في تعز، من وجهة نظرهم، ويشكل أعضاؤه أغلبية التشكيل العسكري والأمني لقوات الجيش والشرطة، وهو ما نفاه الحزب في بيانات سابقة ولاحقة.

 

وأطلقت الحملة الأمنية بقرار من  حاكم المدينة، شمسان، بعد أيام من وصوله إلى تعز في 17 أذار/ مارس الجاري، إثر عملية اغتيال طالت أحد القيادات العسكرية لقوات اللواء 22 ميكا، من مسلحين فروا إلى المربع الخاضع لسيطرة كتائب "أبو العباس" شرق تعز.

 

ضجيج وردح

 

وتعليقا على هذا الموضوع، قال رئيس مركز يمنيون للدراسات، دكتور فيصل علي، إن ردة الفعل المضادة التي جوبهت بها الحملة الأمنية الأخيرة في تعز من قبل ما وصفهم "أنصار الإمارات" في اليمن، تعد "حملة موجهة ضد المدينة وتواجد الدولة فيها".

 

وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21": "للأسف شارك الحزب الناصري في حملة الردح والضجيج الإعلامي، في تماه مع أبوظبي وخطابها في تعز".

 

وبحسب علي فإن موقف الحزب الناصري لم يأت عبثا، بل وفقا لخطة مرسومة من قبل  أمينه العام، عبد الله نعمان، الذي اتهمه برفع تقارير استخباراتية للإماراتيين ضد تعز وحزب الإصلاح تحديدا منذ انطلاق "عاصفة الحزم" قبل 5 أعوام.

 

وأشار إلى أن دخول منظمة الحزب الاشتراكي على استحياء في حملة الردح هي بفعل فاعل مع العلم أن موقفها في تعز متقدما منذ بداية العاصفة، يعود ربما لتباينات بين أجنحة الحزب بالمدينة، كما هو واقعها في كل اليمن مرة يؤيدون الانقلاب ومرة يصطفون مع الشرعية كقيادة مركزية.

 

وهاجم رئيس مركز "يمنيون" للدراسات ما اعتبرهم مخبري الراحل صالح (عفاش) وكتبته الذين قال إنهم يتعلق هؤلاء انتقلت ولايتهم إلى صف الإمارات تلقائيا، وأبو العباس المصنف إرهابيا من قبل الدولة ذاتها والسعودية، في إشارة منه إلى عدد من الناشطين والإعلاميين الموالين لصالح الذين انخرطوا في حملة الردح ضد الحملة الأمنية في تعز.

 

وذكر أن ما يجري في تعز هي حرب يمنية ضد الإرهاب وخلاياه والتي تؤخر عملية التحرير في تناغم واضح بين الإمارات وجماعة الحوثي التي تحاصر تلك المدينة.

 

وأكد السياسي اليمني أن حزب الإصلاح في تعز كأرقام تدل على أنه أقل حظاً من أحزاب "الناصري والاشتراكي والمؤتمر " في عدد الوظائف في السلطة المحلية، والأجهزة الحكومية في هذه المدينة، وذلك في معرض رده على اتهام حزب الإصلاح باستغلال الحملة الأمنية لضرب كتائب "أبو العباس" المحسوبة على السلفيين.

 

وأردف قائلا: "أصلحة الدولة"، أسطوانة مشروخة، معلوم من يروجها استنادا على كذب وتدليس سياسي، تماهيا مع الثورات المضادة التي انتجتها السعودية والإمارات في المنطقة".

 

وبحسب المتحدث ذاته فإن كتائب "أبو العباس" تضم عناصر إرهابية من تنظيمي "داعش"  و"القاعدة"، فضلا عن تصنيف قائدها، إقليميا على قائمة الإرهاب، لافتا إلى أن إسناده من قبل بعض الأحزاب وأتباع الإمارات ليس إلا لعب بالنار.

 

ولم يستبعد حضورا إماراتيا في إعاقة الحملة الأمنية بتعز، موضحا أن المعركة في تعز تدخل في حمى التنافس بين شركاء التحالف العربي، أي السعودية والإمارات، كونها تمثل قلب اليمن، من حيث الوعي والثقل السكاني والجغرافي.

 

وبالإضافة إلى المعطيات السابقة، يقول علي: "من يسيطر على تعز  يحكم اليمن شماله وجنوبه، فهي نقطة التقاء الشمال والجنوب جغرافيا وديموغرافيا".

 

حملات ممنهجة

 

من جانبه، نفى حزب التجمع اليمني للإصلاح، امتلاكه أي ميليشيات أو تكوينات عسكرية يحاول البعض إلصاقها به بشكل متكرر، وبأسماء مخترعة من خيال مريض يتنافى مع شرف الكلمة ويجافي المصداقية والمهنية.

 

ووصف الحزب ـ فرع تعز، في بيان رسمي الثلاثاء، الحملات الإعلامية الشرسة والممنهجة التي تستهدفه بأنها مزاعم كاذبة وافتراءات ملفقة يلصقها البعض بالحزب بهدف تشويه صورته خدمة لما اعتبرها أجندات مشبوهة ومقاصد خبيثة.

 

وهاجم الإصلاح تلك الحملات التي قال إنها حاولت عبر أدواتها المختلفة تلفيق مسمى "الحشد الشعبي" بأنه مليشيا تتبع الحزب في تعز، نافيا بشكل قطعي صلته بهذا المسمى المختلق زورا.

 

وكانت قناة "الحدث" السعودية، قد قالت في تغطياتها في اليومين الماضيين إن الاشتباكات في تعز بين قوات "الحشد الشعبي" التابعة لحزب الإصلاح، ومسلحي أبو العباس.

 

كيد وخطة إٍسقاط تعز

 

وفي السياق ذاته، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد العزيز المجيدي أن نشاط الأحزاب السياسية يغلب عليه الطابع الكيدي، مضيفا أنه مع دخولنا السنة الخامسة من الحرب لم نتعلم من الكارثة التي صنعها الانقلاب بتواطؤ الاحزاب والنخب اليمنية بشكل عام.

 

وقال في حديث خاص لـ"عربي21" إن بعض الأحزاب أصبح مستقطبا لمصلحة قوى إقليمية وينشط بشكل واضح تحت عناوين حملاتها في استنساخ جديد لنفس سيناريو 2014.

 

وتابع: "أفرزت الحرب، قوى عسكرية في تعز بنيتها في الأساس مقاومة شعبية، وهي انعكاس لمستوى انخراط كل مكون سياسي في مقاومة الانقلاب ووزنه الاجتماعي وانتشاره الجغرافي وعمقه الاجتماعي".

 

وبحسب المجيدي، فإنه في وضع الحرب وبعد إصدار قرار دمج الجميع (القوى المناهضة للحوثيين) صار الجميع موجودا في الجيش، مع حضور كبير لمكون سياسي معين، بسبب انخراطه الكبير في المقاومة، ووزنه الاجتماعي. في إشارة منه إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يتهم بالتحكم في القرار العسكري والأمني في تعز.

 

واستطرد الكاتب اليمني قائلا: "هذا الأمر يثير حساسية عجيبة في تعز، وتبدأ المكايدات بالظهور، انطلاقا من رؤية البعض أن هذا مؤشرا على هيمنة لطرف معين، مع أن ميدان المقاومة كان مفتوحا للجميع، وكان يتعين على الجميع التنافس وقتها في الحشد للمقاومة".

 

لكنه وبعد أن صار هناك جيش وترقيم ومصالح، بدأت الحساسيات، والمخاوف، فضلا عن تاريخ من الصراعات الأيدلوجية وذهنية النقمة تهيمن على هذه الأطراف، فانتهت إلى ترديد ذات الادعاءات التي يوصم بها الجيش من قبل قوى إقليمية يعلم القاصي والداني أنها عزفت ذات النغمة وحشدت الجميع تمهيدا للانقلاب الذي مولته، أي انقلاب الحوثيين في 2014، حسبما ذكره المجيدي

 

وأوضح السياسي اليمني أن هناك أحزابا ترى في وجود السلفيين قوة وازنة، وتعتقد أنها ستفرمل الإصلاح، مؤكدا أن هذا ليس منطق أحزاب تفكر ببناء دولة، بل اجترار لمنطق صالح ـ الرئيس الراحل علي عبدالله صالح -  الذي كان يقيم توازنات بمنطق القنابل وليس العمل السياسي والتحرك في العمق الشعبي.

 

وأشار الكاتب "المجيدي" إلى أنه يتذكر أصدقائه اليساريين من الحزب الاشتراكي والناصري، كانوا أكثر تحذيرا من القوى السلفية، أبرزها "أبو العباس" في تعز، الذي رفع شعارات حماة العقيدة، والرايات السوداء.

 

لكن وفقا للمجيدي أن الأمر تغير، مع مرور الوقت وبروز الإمارات خلف ذلك الحضور الكبير لأبي العباس، رغم أنه ميدانيا كان محدود الأفراد، فقط كانت مربعاته وجماعته غطاء لأنشطة كثيرة كما هو الأمر بالنسبة لتنظيمات "داعش" و"القاعدة" المزعومة، التي ثبت أنها لافتات كانت تستخدم مخابراتيا لمصلحة الحوثيين وصالح وأطراف في التحالف، مهتمة بتقديم تعز كمعقل للإرهاب.

 

هنا تحضر حالة حارث العزي، القيادي الذي كان محسوبا على القاعدة وأحيانا داعش، وكيف فر بعد الحملة الأمنية العام الماضي إلى مناطق الحوثيين وصار مسؤولا أمنيا معهم".

 

واستغرب عبدالعزيز المجيدي من أن التصفيات والاغتيالات لأفراد الجيش لم تحظ بالتضامن اللازم من الأحزاب.

 

بل إن هناك وقائع كما حصل أثناء الحملة الأمنية السابقة ـ العام 2018- يقول- تشير إلى اهتمام الأحزاب بتسيس الحملة أكثر من التضامن مع واقعة اختطاف جنود كانوا يؤدون واجبهم في الحملة، وكشف لاحقا عن مقابر جماعية لجثثهم بعد ذبحهم في تعز.

 

ولفت إلى أنه لا أحد يستطيع الجزم، بأن هناك تعمدا باستهداف أبو العباس، لكن الرجل خلق كل الأسباب التي تجعله خصما للأجهزة الأمنية والعسكرية، مستدلا بـ"الهجوم" الذي شنه "أبو العباس" على مقر الشرطة والأمن السياسي وقلعة القاهرة (تاريخية)، وسيطر عليها، رغم أنه لم يحدث ما يدفعه للقيام بهذه التحركات، وما أعقبه من تفجير لمقر الأمن السياسي (مخابرات)، وإحراق للوثائق.

 

وبين السياسي المجيدي أن أبو العباس استغل الدعم الإماراتي الواضح له على حساب الجيش والأجهزة التابعة للشرعية، واستثمر ذلك ليتغول أكثر مستغلا تردد القيادات العسكرية، والسلطة المحلية، ليضع نفسه مرة أخرى في طريق الحملة الأمنية، كما جرى في السابق 2018، واعتبرها استهداف غدا له، وقاتل إلى جانب مطلوبين على ذمة جرائم اغتيالات طالت واحدة منها موظف الصليب الاحمر ، حنا لحود، والعشرات من أفراد الجيش.

 

وتساءل المجيدي قائلا: لماذا يشعر أبو العباس بأنه المستهدف من الحملات، رغم أنها موجهة بالأصل لمطلوبين باغتيالات.

 

دور التحالف

 

وحول أسباب إيقاف الحملة الأمنية في تعز، لم يستبعد أن يكون للتحالف دور وخصوصا الإمارات في إيقاف الحملة، بل والتأثير على قرار المحافظ الذي ظهر مرتبكا وأصدر قرارات متضاربة، وصولا إلى تحميل الحملة الأمنية المسؤولية.

 

واعتبر أن التحالف لا يريد تعز محررة وقد ثبت ذلك طيلة أربع سنوات من الحرب، فهو يريد من خلال الإمعان في دعم وتمويل مليشيا كـ"أبو العباس" تصوير المدينة بأنها معقل للإرهاب، وبنفس الوقت استنزافها من الداخل بدورات اقتتال.

 

إسقاط تعز

 

الكاتب والمحلل السياسي المجيدي، عبر عن استغرابه من قرار محافظ تعز "شمسان "، إعادة تسليم المدينة القديمة، ومعقل كتائب "أبو العباس"، للكتائب ذاتها، بعد السيطرة عليها من قبل الحملة الأمنية، مؤكدا أن تلك المجاميع أغلقت أبواب المدينة القديمة والتمركز في المباني وانتشار القناصة وتوزيع الاسلحة.

 

يأتي ذلك، متزامنا مع غطاء سياسي من الاشتراكي والناصري، وكتلة المؤتمر الشعبي وبيانات حزبية أخرى من الواضح أنها تمهد لشيء ما قد يكون مختلفا وهناك معلومات عن تعزيزات بأسلحة قادمة من عدن (جنوبا)، وفقا للكاتب اليمني

 

ويبدو أن هناك خطة -يتحدث المجيدي- لإسقاط تعز من الداخل، في الذكرى الخامسة للعاصفة، في أجواء وتحشيد دعائي يذكر بأجواء ما قبل سقوط صنعاء.

 

ويعتقد الكاتب أن تعز لن تكون لقمة سهلة بتكاتف أبنائها في مواجهة ومدبري الانقلاب الجديد القديم ورعاته، وفق تعبيره


التعليقات