[ داخل أحد المصارف اليمنية (محمد حويس/ فرانس برس) ]
عادت الحكومة اليمنية الجديدة إلى العاصمة المؤقتة عدن، وباشرت التواصل مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية لبحث الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة. تشكيل الحكومة بحد ذاته لم يكن عاملاً مهدئاً.
انعكاسات هذه الخطوة مثلاً على سعر صرف الريال اليمني لم تدم طويلاً. تجاوز السعر 800 ريال أمام الدولار الواحد، ليزيد معاناة المواطنين، ويصعّد الضغط على مؤشرات الاقتصاد. صندوق النقد سارع إلى عقد اجتماع عبر تقنية الفيديو مع كبار المسؤولين الماليين في الحكومة. مطالبه واضحة، كبح الانهيار الاقتصادي وانحدار العملة الوطنية والسيطرة على أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم وفق تصنيف الأمم المتحدة.
أما آليات السيطرة، لا تقوم على منح ولا مساعدات، وإنما إغراق اليمن الفقير بالقروض، والاقتطاع من الموارد النفطية لسداد الديون.
وصرح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية، رفض الإفصاح عن هويته، لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة الجديدة تفتقد للموارد المالية الكافية لتنفيذ برنامج عملها الذي أقرته الأسبوع الماضي. البرنامج أساساً يحتاج قبل تنفيذه إلى إقراره من قبل مجلس النواب، الذي يلاقي صعوبة بالغة في التئامه في العاصمة المؤقتة.
بحسب المصدر الخيارات المتاحة أمام الحكومة تتمثل في طلب قروض تمويلية من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، مقابل ضمانات بإعادة تصدير النفط والغاز الطبيعي المسال وتخصيص جزء من عائداتها لتسديد هذه القروض على دفعات ولفترات مزمنة.
وذهب خبراء اقتصاد بعيداً في تفسير هذا التوجه الذي تسعى إليه الحكومة الجديدة، نظراً إلى صعوبة الحصول على منح مالية في الوقت الراهن من الدول الراعية لاتفاق الرياض الذي تشكلت بموجبه هذه الحكومة. المنح تقابلها شروط تنفيذ الشق الأمني والعسكري بالكامل لاتفاق الرياض ووضع الحكومة الجديدة يدها على الموارد المالية العامة وإعادة تفعيل البنك المركزي بكافة فروعه وإنهاء الانقسام المالي الحاصل في البلاد.
وهذه الشروط دونها صعوبات كثيرة. أكد الباحث الاقتصادي مجدي العكوري، أن اليمن في وضعية اقتصادية صعبة تجعله لقمة سائغة في فم المؤسسات المالية الدولية. صندوق النقد الدولي، وفق العكوري، يعد استراتيجية جديدة للتعامل مع البلد المنهك بتبعات ثقيلة ناتجة عن الحرب والصراع الدائر منذ ما يقارب ستة أعوام، والشروط لن تكون بسيطة.
من جهة أخرى، شرح العكوري لـ"العربي الجديد" أن التفكك المالي الحاصل يقف عقبة أمام المؤسسات المالية الدولية في مساعدة اليمن، خصوصاً بعد تصنيف الإدارة الأميركية المنصرفة للحوثيين على قائمة الإرهاب.
المؤسسات المالية الحكومية غير قادرة على إدارة السياسة النقدية وخلق منظومة عمل شاملة تمكنها من ضبط مشكلة تواصلها مع المجتمع المالي الدولي. النتيجة البديهية هي أن اختلال المنظومات المالية والقانونية، خاصة المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال، مستمرة.
وتشهد الأسواق المصرفية اليمنية عمليات واسعة لغسيل الأموال وفق مراقبين، تتركز بشكل رئيس في المضاربة الحاصلة على العملة الوطنية وتسببها في تدهور سعر صرف الريال وتبعاته الكارثية على الانهيار الاقتصادي وتردي الأوضاع المعيشية والإنسانية.
وكان فريق حكومي برئاسة وزير المالية اليمني سالم بن بريك قد عقد اجتماعاً موسعاً عبر تقنية الفيديو، مع المدير التنفيذي الجديد لصندوق النقد الدولي محمود محيي الدين. النقاش دار حول تقديم الصندوق الخبرات الفنية المالية والمصرفية وتطوير إجراءات إعداد الموازنة العامة وإدارة الدين العام.
وبحسب مسؤول في وزارة المالية تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الجانب الحكومي في هذا الاجتماع تقدم بطلب من صندوق النقد للحصول على قرض طارئ لدعم تنفيذ البرنامج المالي، بما يؤدي إلى تحسين الاقتصاد اليمني وتعافيه. وتستعد الحكومة اليمنية لتوجيه دعوة عاجلة لاجتماع المانحين في أقرب وقت ممكن بعد أن تستكمل إعداد الأولويات والاحتياجات الاقتصادية والتنموية التي تعمل على إعدادها لجان مشكلة من الوزارات. وللمحافظة على استقرار الاقتصاد، رأى صندوق النقد أن الحاجة تقتضي الحصولَ على تمويل إضافي من جانب المانحين، وتعزيز عملية تحصيل الإيرادات، وتنفيذ المزيد من تدابير ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي.
وقال الخبير الاقتصادي ياسين القاضي لـ"العربي الجديد" إن سبب ضعف التدخلات الدولية وتمويلات المانحين الرئيس هو انتشار فيروس كورونا الذي كبد مختلف دول العالم، خصوصاً الدولة المانحة، خسائر جسيمة. واعتبر أن هذه الدول تراجع سياساتها المالية وتمويلاتها المقدمة للدول النامية التي تشهد اضطرابات ونزاعات تسببت بكوارث إنسانية جسيمة. ويواجه اليمن ظروفاً اقتصادية واجتماعية وإنسانية وسياسية وأمنية غير مسبوقة، أدت مجتمعة إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي وتوقف جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية، وتوقف البرامج الاستثمارية الحكومية، وجزء كبير من الاستثمارات الخاصة، وكذلك انسحاب أغلب المستثمرين الأجانب، وخروج رأس المال المحلي إلى الخارج بحثاً عن بيئة آمنة.
ذلك توقفت صادرات النفط والغاز الطبيعي، وتم تعليق التعهدات من المنح والقروض الخارجية، وسط انخفاض الإيرادات الحكومية غير النفطية من الجمارك والضرائب. إضافة إلى ذلك، تتكرر الأزمات الحادة في نقص السيولة النقدية والوقود والكهرباء. ومع إطالة أمد الحرب والصراع الدائر، توسع حجم الخسائر التي تجاوزت قيمتها قدرات اليمن على التعافي.
وأصبحت تكلفة انتشال البلاد من هذه الوضعية، وفق خبراء الاقتصاد، باهظة ومعقدة وتتطلب دعماً وجهوداً دولية سخية لتطبيع الحياة في المناطق والمدن المدمرة والمتضررة. وفي الوقت الذي تقدر فيه الحكومة المعترف بها دولياً خسائر الاقتصاد اليمني بنحو 90 مليار دولار خلال الفترة من 2014 إلى 2020، شكا مسؤولون حكوميون من ضعف التدخلات الدولية لإنقاذ الاقتصاد اليمني، الأمر الذي انعكس في تدهور الأوضاع وانهيار العملة وتفاقم قياسي في الأزمة المعيشية.