[ صورة من مدينة القاعدة إحدى ضواحي مدينة إب والتي ترتفع فيها معدلات الفقر ]
وقف بيع الأسلحة للسعودية، والتراجع عن دعم واشنطن للرياض، والتوجه لشطب الحوثيين من قائمة الإرهاب، وغيرها من التطورات في السياسة الخارجية الأميركية، في ظل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تؤشر إلى تغيرات جذرية في التعامل مع حرب مزقت البلاد وفاقمت أزمة إنسانية كارثية.
وحتى الآن، التزم بايدن بوعوده خلال حملته الانتخابية، في توجهه لوقف الدعم عن السعودية ضمن أولى خطواته لمحاولة إنها الحرب في اليمن، والتي تسببت بمقتل عشرات آلاف القتلى، ودفع البلاد إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من ثلاثة ملايين شخص نزحوا، وإن نحو 80 بالمئة من عدد السكان البالغ 29 مليون نسمة بحاجة إلى نوع من المساعدة الإنسانية.
ويشير تحليل نشره موقع "ذا هيل"، أن التغييرات في السياسة الخارجية لواشنطن قد تعني تأثر تحالفات الولايات المتحدة مع السعودية والإمارات، والتي كانت ضمن سياسة مواجهة الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن.
ووصف تحليل نشرته وكالة فرانس برس فيما يتعلق باستراتيجية واشنطن تجاه الملف اليمني بأنها "انقلاب رأسا على عقب".
وتقود السعودية منذ 2015 تحالفا عسكريا دعما للحكومة المعترف بها دوليا والتي تخوض نزاعا داميا ضد الحوثيين منذ 2014 حين سيطروا على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى.
ويقاتل الحوثيون حاليا للسيطرة على مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة في الشمال، مما يزيد من الضغوط على القوات المدعومة من السعودية.
اليمن.. أولوية بايدن اليتيمة في الشرق الأوسط
خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن الأول منذ انتخابه حول السياسة الخارجية استفرد اليمن كأولوية وحيدة في الشرق الأوسط، ورسخ النقلة على الأقل علنا بعيدا عن مطبات المنطقة وباتجاه آسيا والحلفاء الأوروبيين من دون أن يعني ذلك التخلي عن التزامات أمنية إقليمية.
وتتعرض مناطق عدة في السعودية لهجمات بصواريخ بالستية وطائرات من دون طيار مفخخة تطلق من اليمن باتجاه مطاراتها ومنشآتها النفطية.
وأفاد التحليل بأن سياسة بايدن تجاه اليمن يمكن تلخيص محدداتها ضمن خمس نقاط.
الدعم داخلي ودولي
يحظى قرار بايدن بتأييد محلي ودولي، إذ أنه يستقطب رضا الرأي العام الأميركي، ويدعمه الحزبان الديمقراطي والجمهوري، كما أنه لاقى ترحيبا دوليا.
وينظر لقررات واشنطن الجديدة، على أنها خارطة طريق للسياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة وأولوياتها، بجعل حقوق الإنسان والدبلوماسية في المقدمة.
ويأتي هذا الانطباع من اهتمام بايدن بالحرب في اليمن، وعلاقة الولايات المتحدة بها في أول خطاب له حول السياسة الخارجية لإدارته، منذ انتهاء ولاية الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.
وأعلن سحب الدعم العسكري للعمليات التي تقودها السعودية في اليمن، ووقف بيع الأسلحة التي لها علاقة بالحرب للرياض، وأن إدارته "تعزز جهودها الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن" التي "تسببت بكارثة إنسانية واستراتيجية".
ومن أبرز الأسلحة التي سيتم وقف بيعها للرياض، الصواريخ الموجهة.
وأبقى بايدن الباب مواربا مع السعودية، بأن واشنطن تدعم حق الرياض في الدفاع عن نفسها لمواجهة الهجمات التي تنطلق من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيين في اليمن.
كما أكد أن الولايات المتحدة ستبقي جميع عملياتها قائمة خاصة تلك التي تستهدف تنظيم القاعدة في المنطقة.
"الشيطان في التفاصيل"
وترى الباحثة، آنيل شيلاين، من معهد كوينسي في واشنطن، أن إعلان بايدن "خطوة أولى ممتازة"، ولكنها حذرت من أن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، مضيفة: "تبقى معرفة ما معنى العمليات الهجومية عند الممارسة".
وتضيف "من سيحدد معنى العمليات الهجومية؟ السعودية أم الولايات المتحدة؟ وكيف سيتم تعريفها؟ السعوديون على سبيل المثال يجادلون بأن كافة جهودهم الحربية هي دفاعية".
وتعتبر الباحثة أن "إنهاء دعم الولايات المتحدة للحرب وإنهاء الحرب أمران مختلفان تماما. لإنهاء الحرب حقا، نحن بحاجة إلى الدبلوماسية، ولهذا نحن بحاجة للحديث مع الإيرانيين مجددا".
وأوضح، ستيفن كوك، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية، أن التعهدات الأميركية المتزايدة بالمساعدة في الدفاع عن السعودية قد تمنح المملكة في نهاية المطاف غطاء يحفظ ماء الوجه الذي تحتاجه للتخلي عن هجومها على اليمن.
وقال كوك إنه قد يكون "إقناع السعوديين بإعلان النصر والعودة إلى الوطن هو الطريقة الوحيدة حقا".
عودة الدبلوماسية
وفي خطوة إضافية من بايدن، فقد اختار الدبلوماسي المخضرم في الشرق الأوسط، تيموثي ليندركينغ، ليكون مبعوثا لليمن.
وليندركينغ، ليس بغريب عن منطقة الخليج، وكان قد بدأ عمله في السلك الدبلوماسي منذ 1993، وآخر منصب تسلمه كان، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون منطقة الخليج.
ولقي تعيينه دعما من السعودية والحكومة اليمينة المعترف بها في اليمن، وهذا ما يعني أن الدبلوماسية الأميركية ستعتمد على أشخاص من ذوي الخبرة كان قد تم تهميشهم خلال الإدارة السابقة.
وقال بايدن إن ليندركينغ سيدعم مسعى الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار وإحياء المحادثات بين الحوثيين والحكومة.
وبالنظر إلى ديناميكيات اليمن المعقدة، يقول محللون لوكالة فرانس برس إن قرارات بايدن تعيد الزخم للحل الدبلوماسي، لكن التحدي الحقيقي لإنهاء الحرب يكمن في إيجاد حل وسط مقبول من قبل الفصائل المسلحة التي لا تعد ولا تحصى.
وقال الخبير غريغوري جونسن الذي كتب عن سياسة الولايات المتحدة في اليمن "السؤال هو كيفية إنهاء كل الحروب المتداخلة؟".
الشطب من قائمة الإرهاب
بدأت الولايات المتحدة الجمعة إجراءات شطب الحوثيين من لائحة الإرهاب، ما من شأنه أن يزيل عقبة تقول المنظمات الإنسانية إنها تضر بتقديم مساعدات ضرورية، وبما دفع بتحريك المياه الراكدة بين الطرفين ليرحبا بمساعي واشنطن لتحقيق السلام.
ووجدت هذه المبادرة تأييدا دوليا خاصة من المنظمات الإنسانية والدول الداعمة لإنهاء الحرب في اليمن، بحيث أن هذا أعاد لـ"مصالح اليمنيين" بأن تكون الأولوية لإحلال السلام.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في بيان إن "شطب هذا التصنيف سيمنح ارتياحا عميقا لملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية والواردات التجارية لتلبية احتياجاتهم الأساسية".
وترى الخبيرة في الشؤون اليمنية، ندوى الدوسري، أن إلغاء تصنيف الحوثيين كإرهابيين "خطأ فادح"، مضيفة أن "المتوقع هو أن يرد الحوثيون بالمثل ويشاركوا في محادثات سلام بحسن نية. لكن هذه ليست الطريقة التي يفسر بها الحوثيون ذلك".
وأضافت أن "الضغط فقط ستجبرهم على التغيير. بايدن فقد ذلك من أجل لا شيء".
واعتبر السناتور الأميركي، كريس مورفي، أن التصنيف "لن يؤثر على الحوثيين بأي طريقة عملية، لكنه يوقف وصول الطعام والمساعدات الهامة الأخرى داخل اليمن، ويمنع إجراء مفاوضات سياسية فعالة".
العلاقات بين واشنطن والرياض
وخلال السنوات الماضية اعتبر بايدن بأن الولايات المتحدة تغاضت عن ملف حقوق الإنسان في السعودية، خاصة لما حصل للصحفي، جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده.
ورغم أن جميع أصابع الإتهام ترجح بأن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، هو من يتحكم بقمع المعارضيين السياسيين في الداخل والخارج، إلا أن واشنطن لم تتخذ أي إجراء تجاه هذا الأمر.
إليسا كاتالانو إيورز، باحثة من مركز دراسات "نيو أميركان سيكيورتي" قالت لموقع "ذا هيل" إن قرارات بايدن تعني أن واشنطن عادت لتتبع "مبادئ السياسة الخارجية" وذلك من خلال التعامل بشكل صادق وصارم مع الرياض.
وقال المحلل فارشا كودوفايور، من "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات" ومقرها واشنطن إنه "مع اهتمام السعودية المتزايد باعتماد استراتيجية خروج، هناك فرصة حقيقية لبايدن لزيادة الزخم".
وأشار إلى أن الرياض تخشى أن مغادرة اليمن يمكن أن تولد تمردا خطيرا على أمن المملكة عند حدودها الجنوبية.
الإمارات
وتلعب الإمارات دورا هاما بالتحالف مع السعودية في الحرب على اليمن، ولكن حتى الآن لم توضح واشنطن بأن السياسة الخارجية الجديدة لبايدن هل ستشمل الإمارات أم لا.
ورغم قرار بايدن بوقف بيع الأسلحة للسعودية ذات الصلة بالحرب على اليمن، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كان ينطبق على مبيعات الأسلحة للإمارات أيضا أم لا.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية، قد أعلنت أن صفقات بيع الأسلحة للإمارات قيد المراجعة.
ولكن ما سيعقد الأمور، أن الإمارات شريك أساسي في جهود مكافحة الإرهاب في اليمن، والذي ستستمر بدعمه الإدارة الأميركية.
وأشار محللون وفق "ذا هيل" أن مصالح الولايات المتحدة تتداخل مع مصالح الإمارات والسعودية فيما يتعلق بالحرب ضد القاعدة في اليمن، وهذا ما يجعل البعض "متفائل بحذر" من سياسات واشنطن الخارجية الجديدة.