في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، أفضت مشاورات برعاية الأمم المتحدة في العاصمة السويدية ستوكهولم إلى اتفاق بين الحكومة الشرعية اليمنية وجماعة الحوثي عُرف بـ"اتفاق ستوكهولم" أو "اتفاق الحديدة".
والاتفاق يقضي بمعالجة الوضع في محافظة الحديدة الإستراتجية على البحر الأحمر (غرب)، وتبادل نحو 16 ألف أسير ومعتقل لدى الجانبين، إضافة إلى تفاهمات حول الوضع الإنساني في محافظة تعز (جنوب غرب). غير أن معظم بنوده لم تُنفذ، وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية.
واتفق طرفا الحرب على "وقف فوري لإطلاق النار في مدينة الحديدة (مركز المحافظة تحمل الاسم نفسه)، وإعادة انتشار متبادل تشرف عليه الأمم المتحدة".
وفي 23 ديسمبر الجاري، عَيَّنَ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الجنرال الأيرلندي مايكل بيري رئيسا للبعثة الأممية لدعم الاتفاق (أونمها)، والمنوط بها مراقبة تنفيذ بنوده.
والجنرال بيري، الذي خلف الجنرال الهندي أبهيجت غوها، هو رابع مسؤول أممي يرأس البعثة، وتزامنت مع تعيينه تساؤلات متصاعدة بشأن ما تحقق من الاتفاق بعد مرور ثلاث سنوات على توقيعه ضمن جهود إنهاء الحرب.
ومنذ نحو 7 سنوات، تتقاتل القوات الموالية للحكومة مع مسلحي جماعة الحوثي، المسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
** "ولد ميتًا"
وقال وديع عطا، كاتب ومحلل سياسي ينتمي لمحافظة الحديدة، للأناضول إنه "لم يتحقق شيء من الاتفاق الذي ولد ميتًا وفاشلًا".
واعتبر أن "كل ما تحقق هو تأمين دخل جيد للموظفين الأمميين الذين قدموا إلى اليمن تحت لافتة اتفاق ستوكهولم".
وأردف: "وعلى الصعيد الإنساني، دفع أبناء الحديدة ثمن هذا الاتفاق المشؤوم باهظا من أرواحهم وصحتهم، إذ قُتل منذ توقيعه قرابة 500 مدني وجرح حوالي 800، نصفهم نساء وأطفال، ونسبة منهم أصبحوا بإعاقة دائمة. ناهيك عن الدمار الذي لحق بمئات المنازل جراء القصف المدفعي والصاروخي".
وإجمالا، خلفت الحرب أكثر من 233 ألف قتيل، وبات حوالي 80 بالمئة من سكان اليمن، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
وبشأن محاولات إعادة إحياء الاتفاق، رأى عطا أن "الاتفاق عمليًا سقط، خصوصًا بعد انسحاب وإخلاء مناطق من جانب ما تُسمى القوات المشتركة (موالية لدولة الإمارات) في نوفمبر/تشرين الماضي، ثم اجتياحها من طرف مليشيا الحوثي، التي يفترض ألا تتجاوز المناطق التي كانت فيها حين توقيع الاتفاق".
واستطرد: "ثم إن الاتفاق أساسًا بالنسبة لنا أبناء الحديدة جاء لشرعنة التواجد العسكري الحوثي في الحديدة، وبالتالي شرعنة ممارساتهم وانتهاكاتهم التي تحولت معها مدينة الحديدة إلى سجن مفتوح لأهلها".
على صعيد الأسرى والمعتقلين، تمت صفقة وحيدة في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بتبادل قرابة 1000 أسير من الطرفين.
وفيما عدا ذلك، فإن أغلب بنود الاتفاق لا تزال تراوح مكانها، وسط اتهامات متبادلة من الطرفين بخرقه.
** إضعاف الحكومة
رأى حميد الرقيمي، كاتب سياسي، أن هذا "الاتفاق بالنسبة لليمنيين يعتبر انتكاسة على الصعيدين السياسي والعسكري، وهو نتاج ضغوط خارجية على الحكومة الشرعية من خلال الملف الإنساني الذي استثمره الحوثيون لاستمرار الدعم الذي يأتي إليهم عبر ميناء الحديدة".
وتدعم إيران الحوثيين، فيما تقود الجارة السعودية، منذ مارس/ آذار 2015، تحالفا عربيا ينفذ عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الموالية للحكومة.
وأضاف الرقيمي للأناضول أن "الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين أرادوا بهذا الاتفاق تحقيق أي إنجاز بعد فشلهم في كل جولات الحوار والمشاورات السابقة، بسبب تعنت جماعة الحوثي".
وأردف أن "اتفاق ستوكهولم أصبح قيدا يمنع الحكومة من التحرك، خاصة وأن الضغوط الدولية سهلت بقاء الحوثيين في الحديدة من جهة ومكنت قوات موالية لدولة الإمارات من جهة أخرى، وهو ما يعني إضعاف الحكومة عسكريا وسياسيا، وهذا هو أسوأ ما تحقق بفعل الاتفاق والظروف المحيطة به".
** مواجهات شرسة
وقبل أيام دعت البعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة الأطراف اليمنية إلى تهدئة الأوضاع في المحافظة، وأخذ التدابير لتجنب الخسارة في أرواح المدنيين والإضرار بممتلكاتهم.
وقالت البعثة، عبر حسابها بـ"تويتر": "لا تزال معاناة النساء والأطفال مستمرة تحت وطأة قتال الأطراف المتحاربة الدائر في المديريات الجنوبية لمحافظة الحديدة".
ومنذ أسابيع، تشهد المناطق الجنوبية للمحافظة مواجهات شرسة بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين، ما دفع كثيرين إلى النزوح من مناطقهم إلى مناطق أخرى.
ونزح أكثر من 25 ألف مدني في الحديدة، خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
** حصار تعز
وبجانب الحديدة، تضمن الاتفاق إلزام الحكومة والحوثيين بـ"التفاهم لفك الحصار عن مدينة تعز (مركز محافظة تحمل الاسم نفسه)"، عبر تشكيل لجنتين (حكومية وحوثية)، لمناقشة آلية لمعالجة الأوضاع وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الحصار.
غير أن ذلك لم يحدث، ولم يعقد أي اجتماع بهذا الشأن، وفق مراسل الأناضول.
وتسيطر قوات الحوثي على طرقات ومداخل المدينة من الجهات كافة، باستثناء الجهة الجنوبية فهي خاضعة لسيطرة القوات الحكومية.
وفي الجهة الجنوبية، يوجد الطريق الوحيد الذي يشكل متنفسا لسكان المدينة، رغم مخاطره، وفق إفادة سكان محليين لمراسل الأناضول، إذ يقع في مرتفع جبلي يبلغ 3000 متر عن مستوى سطح البحر، وتوجد فيه منعطفات شديدة الخطورة.
وانطلقت، الأسبوع الماضي، حملة إلكترونية تدعو إلى الضغط على الجهات الفاعلة محليًا ودوليًا لـ"فتح الطرق المغلقة وإنهاء الحصار المفروض على مئات آلاف المواطنين في مدينة تعز المكتظة بالسكان"، حسب بيان للحملة.
وشددت الحملة على أن "فتح الطرق المغلقة وإنهاء معاناة المدنيين أولوية إنسانية وحق أساسي لكل المدنيين، لا ينبغي حرمانهم منه مهما كانت الأسباب".