الرئيس هادي والمجلس القيادي الرئاسي أصبحوا أدوات طائعة بيد التحالف العربي، وهو ما أخرج الحكومة الشرعية عمليا عن شرعيتها الدستورية وعزّز من شرعية جماعة الحوثي الانقلابية.
تعز ـ «القدس العربي»: أكملت الحرب في اليمن عامها الثامن بين الانقلابيين الحوثيين والحكومة الشرعية، من دون التوصل إلى نقطة النهاية أو بارقة أمل في قرب الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشأن كتابة الفصل الأخير من هذه الحرب الدامية، التي دمّرت اليمن أرضا وإنسانا، سياسة واقتصادا وأمنا وتعليما وصحة وخدمات عامة.
اشتعلت الحرب في صيف 2014 مع خروجهم من محافظة صعدة، حيث كانوا يتمركزون في شمال اليمن، وتوجههم صوب العاصمة صنعاء، مررا بمحافظة عمران، التي اشتعلت فيها الشرارة الأولى للحرب وتم السيطرة عليها كلية من قبل ميليشيا الحوثيين، أعقبها بأسابيع قليلة اجتياحهم للعاصمة صنعاء في 21 ايلول/سبتمبر 2014 والتي كانت البداية الفعلية للانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية، إثر سيطرتهم على كافة مؤسسات الدولة ومقار وزاراتها وأجبرت الحكومة الشرعية على مغادرة العاصمة صنعاء واليمن برمته.
وبعد نحو 6 شهور، وتحديدا في 26 آذار/مارس 2015 تدخلت المملكة العربية السعودية عسكريا في الملف اليمني، عبر قيادتها للتحالف العربي في اليمن والذي أسهم في بداية الأمر في تدمير جزء كبير من البنية التحتية العسكرية التي كانت تحت سيطرة الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، قبل إعدامهم له بعد ثلاث سنوات، غير أن التدخل السعودي في اليمن وتحالفها العسكري أخفق في تحقيق أهدافه أو حرفها نحو غايات أخرى، وبالذات بعد أن لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة فيه دورا كبيرا في تغيير مسار الأهداف المعلنة للتحالف والتي كانت تتمحور حول القضاء على الانقلاب الحوثي واستعادة الحكومة الشرعية إلى البلاد.
ومنذ تدخل التحالف في اليمن في ربيع 2015 والبلاد عالقة بين مطرقة الحوثيين وسندان التحالف، فلا هي انتصرت وأنهت الانقلاب الحوثي واستعادت عافيتها ولا هي انهزمت عسكريا واستقرت سياسيا واقتصاديا، وعلقت بين عتبتي النصر والهزيمة.
وعلى الرغم من الامكانات العسكرية المهولة والمتطورة لدول التحالف العربي في اليمن إلا أنها لم تحقق أي تقدم عسكري على الأرض إلا في نطاق محدود وهو استعادة محافظة عدن من قبضة الحوثيين والحفاظ على بعض المحافظات التي لم تكن قد سيطرت عليها في الجنوب، في حين حققت جماعة الحوثي اختراقات عسكرية واسعة وفي مجال تطوير قدراتها العسكرية والصاروخية وأدخلت الطائرات المسيّرة من دون طيّار في عملياتها العسكرية ضد القوات الحكومية والأهداف المدنية والعسكرية في الأراضي السعودية والإماراتية، بعد أن قامت قوات التحالف بإغلاق المجال الجوي اليمني وتحييد المقاتلات العسكرية التي سيطر عليها الحوثيون من الجيش الحكومي السابق.
وتسبب إطالة أمد الحرب في ضياع ما تبقى من سلطة الحكومة الشرعية إثر التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية وتقاطع المصالح بينها والدول الأجنبية التي بسطت نفوذها في اليمن، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تمددت عسكريا في اليمن، إما عبر القوات الإماراتية المباشرة أو عبر القوات المحلية التي جنّدتها في المحافظات لخدمة الأهداف الإماراتية، تحت عباءة انفصال الجنوب، التي يتزعمها المجلس الانتقالي الجنوبي.
ولم يتبق من الحكومة الشرعية سوى اسمها فحسب، بينما تلاشت معالمها وسلطتها على أرض الواقع، وبالذات في المحافظات الجنوبية، حيث يسيطر فعليا هناك المجلس الانتقالي الجنوبي بميليشياته وقواته المدعومة ماديا وعسكريا من دولة الإمارات، واختتمت الشرعية بسيناريو تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، الذي نسف شرعية الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي، وبدى المجلس الرئاسي أكثر سلبية من برود وسلبية الرئيس السابق هادي، وجاء الوقت الذي أصبح فيه اليمنيون يترحمون على عهد الرئيس هادي، ولسان حالهم يقول «سلام الله على هادي» على الرغم من أنهم كانوا يلعنون جموده وتواريه عن المشهد السياسي والعسكري الذي يشهده البلد.
وكشفت الأيام ان الرئيس هادي والمجلس القيادي الرئاسي وصلوا إلى درجة أصبحوا فيها مجرد أدوات طائعة بيد التحالف العربي، يصيّرها كيفما يشاء ويوجها حيثما يريد، وهو ما أخرج الحكومة الشرعية عمليا عن شرعيتها الدستورية وعزّز من شرعية جماعة الحوثي الانقلابية التي أصبحت توصف بـ«سلطة الأمر الواقع» بدعم كبير من إيران، إثر تلاشي السلطة الحكومية حتى في المناطق والمحافظات المحسوبة عليها والواقعة تحت سيطرتها.
وضاع المواطن اليمني في زحمة الأجندات المتقاطعة محليا وإقليميا وربما دوليا في المشهد السياسي والعسكري والأمني، ووقع ضحية لكل هذه التدخّلات والتداخلات وأصبح وحده الذي يتحمل تبعات هذه الحرب المجنونة التي أكلت الأخضر واليابس، وألقت بظلالها القاتمة على كافة مناحي الحياة في اليمن، ولم يعد في وسع المواطن البسيط القدرة على الصمود أكثر وتحمّل المعاناة لفترات قادمة بعد أن فقد كافة حقوقه الأساسية ومقوماته للعيش الكريم.