بعد أكثر من شهر منذ انطلاقتها، لم تفض المحادثات الخلفية الأخيرة بين الحوثيين والسعودية إلى الاعلان عن اتفاق جديد للهدنة، والبدء بتنفيذ اشتراطات الملف الإنساني، التي وضعها الحوثيون للمضي نحو اتفاق جديد لوقف إطلاق النار. وهو الملف المتعلق بالمرتبات ومطار صنعاء وميناء الحديدة والأسرى. ومما رشح من المحادثات “السرية” حتى الآن أنه تم الاتفاق على ما يتعلق بالملف الإنساني فيما تستكمل المحادثات ما يتعلق بالملف الأمني.
وتصر السعودية على المنطقة الحدودية العازلة وفق رؤية مختلفة عما تضمنته اتفاقية الحدود بين البلدين؛ وهذا الشرط تحديداً كان نقطة خلاف يمني سعودي في المرحلة السابقة، كما أنه مرتبط حاليًا بإشكالات أخرى أبرزها وضع الحدود بين البلدين، لاسيما، وفق مصادر، وأن هناك مناطق شهدت نزاعا لعلامات ترسيم الحدود، بما فيها مناطق يمنية ضمتها السعودية، مخالفة بذلك اتفاقية جدة لترسيم الحدود بين البلدين والموقعة عام 2000، والتي تم بموجبها ترسيم الحدود بما فيها المنطقة المشتركة، التي تم تحديدها لاستخدامات الرعي ومصادر المياه، التي يحق للرعاة من البلدين استخدامها.
إلا أن مصدرا سياسيا يمنيا قال لـ”القدس العربي” إن المحادثات تمضي إلى غايتها بدليل حالة ضبط النفس التي يلتزمها الطرفان. وأوضح متفائلا أن المحادثات تعمل حاليا على التفاصيل؛ قائلا “لم يعد هناك مجال للعودة إلى الحرب”.
على الصعيد الشعبي، ظل اليمنيون في الأيام الأولى من المحادثات، وتحديدا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يتابعون بتفاؤل ما ستسفر عنه هذه المحادثات، لكن سرعان ما تحول هذا التفاؤل إلى ترقب تراجع معه الأمل حد التعامل الساخر مع أي خبر يتعلق بهذه المحادثات، كعادة اليمنيين خلال سنين الحرب في سخريتهم المفرطة من معظم قضاياهم كرد فعل طبيعي في ظل ما يرزحون تحته من ويلات الصراع وتداعياته المأساوية على حياتهم.
قد يرى البعض أن الفترة قد طالت منذ انطلاق المحادثات الخلفية الأخيرة، إلا أن الهدنة مازالت قائمة بشكل غير رسمي، منذ انفراط عقدها في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. مما يوحي بأن هناك إصرارا لدى الجانبين على المضي نحو تجديد الهدنة على أرضية اتفاق يضمن إيقافا شاملا لإطلاق النار، ويفتح الباب أمام مشاورات سياسية بين جميع الأطراف، وصولاً إلى تسوية سياسية شاملة وفق اللازمة الإعلامية الرسمية في خطاب المفاوضات التي شهدتها اليمن خلال الحرب الراهنة.
بدايات
فيما يتعلق بأن ثمة رغبة صارت حاضرة بوضوح باتجاه إيقاف الحرب في اليمن، يؤكد الكاتب اليمني محمد عبدالوهاب الشيباني لـ” القدس العربي” أن الرغبة في إيقاف الحرب في اليمن ليست فقط سعودية؛ “بل هي رغبة إقليمية ودولية؛ لأن المزيد من توتير المنطقة ليس في صالح إمدادات الطاقة إلى أوروبا وأمريكا، التي تأثرت بشكل مباشر من الحرب الأوكرانية الروسية التي ستدخل عامها الأول خلال أسابيع قليلة، بمزيد من الضغط على الاقتصاد العالمي الذي لم يتعاف بعد من جائحة كورونا”.
ويرى الشيباني أن الطريق نحو إيقاف الحرب في اليمن لم يبدأ في هذه المشاورات بين الحوثيين والسعودية، “بل لقد مُهِّد لهذه العملية بتشكيل المجلس الرئاسي، ثم اتفاق الهدنة مطلع ابريل/نيسان 2022، وجُددت لمرتين، قبل أن يرفض الحوثيون تجديدها مطلع أكتوبر/ تشرين الأول بإيعاز من طهران، لانتزاع مكاسب أكبر، ومنها تخفيف الضغط على إيران التي دخلت لاحقاً في دوامة الاحتجاجات الشعبية”.
اللاهدنة واللاحرب
ويعتقد الشيباني أن فترة اللاهدنة واللاحرب القائمة منذ أكتوبر الماضي “كانت هي المجس للطرفين لاختبارات شتى”.
وقال:”فمنذ قرابة ثمانية أعوام لم تعش البلاد في اللاهدنة واللا حرب كما هو الحاصل اليوم… اختار الفرقاء ممثلين في السعودية وايران هذه المساحة (الاستراحية) لبناء تقييماتهم للمكاسب التي سيجنونها من هذه الحالة شديدة الالتباس. في هذه الفترة نشطت الزيارات بين صنعاء والرياض لإنجاز تسويات خاصة بعيدا عن الشرعية (المجلس الرئاسي الذي انتجته السعودية بعد فترة هادي)”.
وأوضح أن “الغطاء المعلن عنه من هذه الزيارات بدأ تحت لافتة موضوع الأسرى بين الطرفين غير أن الأشهر التالية كشفت عن تنسيقات وتفاهمات كبيرة تأسست على لقاءات ظهران الجنوب قبل خمسة أعوام (ابريل 2017)، وصولاً إلى لقاءات المنطقة الخضراء في 2021 بين السعوديين والإيرانيين برعاية عراقية، كان الملف اليمني فيها الحاضر الأبرز”.
هنا يبقى السؤال عما يعني استمرار الهدنة قائمة نسبيًا على الرغم من انفراط عقدها منذ أربعة شهور.
يرى الشيباني أن جميع الأطراف مستفيدون من بقاء هذا الوضع. ويوضح: “اللاهدنة تُبقي الحوثيين متنصلين من كل التزاماتهم تجاه المجتمع من دفع المرتبات وفتح الطرقات ورفع الحصار عن المدن والافراج عن المختطفين وإرخاء القبضة الأمنية تمهيداً لانخراطهم في العملية السياسي.، وحالة اللاحرب فيما يخص التحالف تعفي السعودية والامارات ومن خلفهما الغرب وأمريكا، من الغرق أكثر في المستنقع اليمني.. من حالة اللاحرب هذه ستضمن الدولتان على الأقل عدم وصول المسيرات والصواريخ الحوثية إلى أراضيهما، ولن ترتبك الحياة فيهما، بما في ذلك استمرار تدفق النفط إلى المناطق المتأثرة بنقص امدادات الطاقة في أوروبا والعالم”.
احتمالات
يقال إن ما تبقى من المحادثات هو ما يتعلق بالجانب الأمني. والضمانات التي تطلبها السعودية كالمنطقة العازلة.. وهذا كان طلبا سعوديا قديما، فماذا تبقى على طريق الاتفاق؟ وما هي احتمالات فشله أو نجاحه؟.
وهنا يُشير محمد عبدالوهاب الشيباني، رئيس تحرير منصة (خيوط) اليمنية، إلى “ضغوط إقليمية” على الحوثيين بتفاهمات مع طهران “لإخراج اتفاق في مساحة اللاهدنة واللاحرب يضمن للسعودية أمنها القومي ابتداءً من عمقها وصولاً إلى خاصرتها الجنوبية الرخوة، وبالمقابل تحقيق أكبر المكاسب السياسية والاقتصادية للحوثيين حتى وإن كان هذا الاتفاق على حساب مشروع السلام الدائم في اليمن”.
وكانت مجموعة الأزمات الدولية قد حذرت في تقريرها الأخير عن اليمن في ديسمبر/كانون الأول من أن المحادثات بين السعودية والحوثيين لا يمكن أن تنهي الأعمال العدائية. وطالب التقرير، الأمم المتحدة بإرساء أسس المفاوضات التي تشمل جميع أطراف الصراع.
مسارات
يبقى السؤال، كيف يبدأ الحوار بين الحوثيين والسعوديين وينتهي باتفاق بين الحوثيين والحكومة الشرعية؟.
يقول الكاتب اليمني، محمد علي اللوزي لـ”القدس العربي”، إن مجلس القيادة الرئاسي هو مجلس ديكوري يسهل خلعه كما سهل تنصيبه من قبل السعودية… وبالتالي سيلتزم بنتائج المحادثات.
ويرى أن “من الطبيعي أن يكون الحوار مع صنعاء مباشرة في ظل تغييب تام للعليمي باعتباره إنجازا سعوديا بحتا وورقة تستخدم في الوقت الذي تراها السعودية قابلة للإبراز”.
مرجعيات
إلى ذلك تؤكد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في سياق التعبير عن ايمانها بالسلام أهمية الالتزام بالمرجعيات الثلاث محليًا وإقليميًا ودوليًا ممثلة في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والمبادرة الخليجية والقرار الأممي رقم 2216. وهنا يرى مراقبون أن هذه المرجعيات وبخاصة القرار الأممي قد يمثل معوقًا أمام السلام.
ويرى الكاتب اللوزي أن الحديث عن المرجعيات الثلاث “هو مجرد حديث للاستهلاك فات أوانه ومجرد فوضى أفكار تطلقها هذه الحكومة (…) بينما في الواقع أن هذه الحكومة لا تملك إلا أن تبارك ما يتم (…) لأن المستجدات على الأرض هي التي تفرض أجنده أخرى، واشتراطات أخرى”.
وقال: ثمة متغيرات على الأرض (…) هي التي ستخلق مناخات سلام، وهذه المتغيرات هي صالحة لأن تتبلور منها رؤية للسلام.
وتوقع محمد اللوزي أن تمضي المشاورات بين الحوثيين والسعودية قدمًا “فليس من خيار أمام المملكة سوى السلام بشروط صنعاء التي لم يعد معها ما تحافظ عليه بفعل الدمار الشامل الذي لحق بالوطن في حين أن السعودية مليئة ببنك الأهداف”.
وأكد أهمية الحاجة إلى تنازلات لتوافق يمني شامل بين كل المكونات في الجنوب والشمال، “أظن أن ذلك سيكون باختيارات توافقية”.
وقال: “السلام لا يأتي دفعة واحدة، والتركة ثقيلة من الدماء. نحتاج وقتًا حتى تصل الأطراف إلى سلام شامل”.