[ المبعوث الأممي إلى اليمن غروندبرغ ]
يبدو أن مهمة المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، قاربت نهايتها، أو بالأصح قاربت من إكمال الترتيبات النهائية لتوقيع اتفاق خريطة الرياض وآليتها التنفيذية، إلا أن مهمته الحقيقية، وعلى الرغم من ذلك، ما زالت محفوفة بتعقيدات يكشف عنها استمرار الغموض الذي يلف الترتيبات الأخيرة، وبخاصة ذات العلاقة بقضايا الخلاف المرتبطة بالتسوية السياسية، ومن يصنع هذه التسوية ويقرها، ويمضي بها حتى إعادة السلطة للشعب.
تنشر وسائل الاعلام المحلية مؤخراً وبشكل يومي تسريبات وشائعات عما يجري في كواليس تجاذبات الموافقة النهائية من جهود الوساطة الأممية عقب توقف الوساطة الإقليمية، لكن هذه التسريبات تبدو في معظمها ضمن مهام تهيئة الأجواء أو تقسيط الأمل، أو بالأصح جس نبض الشارع اليمني، في ظل وصول هذا الشارع لمرحلة فقد فيها بصيص أمل في تسوية قريبة متوقعة وحاسمة، في ظل اعتياده على مثل هذا التوتر السياسي والإعلامي الذي يرافق جهود المبعوث الأممي وقبله الوسطاء الآخرون في كل مرحلة، لكنها في النهاية تنتهي بخيبة أمل، يبدأ الأطراف عقبها في تبادل الاتهامات إزاء المسؤول عن عرقلة الوصول إلى اتفاق.
إلا أنه يمكن القول إن المسار الراهن تقف خلفه الرياض بكل ثقلها، وهي التي تريد طي صفحة الحرب في اليمن، وتجاوز مأزقها هناك، من خلال تحقيق تسوية وفق خريطة طريق وضعتها هي، ويبدو أن ثمة توافقاً على كثير من تفاصيلها، وبخاصة المرتبطة بالمرحلة الأولى من الخريطة.
لقاء وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، بالمبعوث الاممي في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني كان بمثابة خطوة متقدمة للأمام، لاسيما أنه أعقبها تصريحات للحوثيين يطالبون فيه الرياض ببدء تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بخصوص «إجراءات بناء الثقة» وهنا لا بد أن نسأل: كيف يتم البدء في التنفيذ دون توقيع الاتفاق؟ وهو سؤال يذهب بقراءة ما يجري بعيداً، لكن على الرغم من ذلك نقول إن الطرفين لم يُظهرا إيجابية في التعامل مع ما يتم الترتيب له أكثر من هذه المرة، لكن ما زال الغموض سيد الموقف.
المبعوث الأممي لليمن استأنف، أمس الأربعاء، لقاءاته، إذ التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في الرياض.
وطبقاً لمصادر رسمية فقد استمع العليمي إلى «إحاطة من المبعوث الأممي بشأن اتصالاته الأخيرة المنسقة مع الرياض وسلطنة عُمان والمجتمع الدولي لاستئناف عملية يمنية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة».
وفق ما طرحته المصادر الرسمية فهذا يعني أن المبعوث وضع أمام العليمي ما انتهت إليه جهود الوساطة، بما فيها مسودة الاتفاق والآلية التنفيذية، وتعديلات الحوثيين الأخيرة على مسودة الاتفاق، وعلى ما يبدو أن الجانب الحكومي وافق عليها.
وذكرت وكالة الأنباء الحكومية أن اللقاء «تطرق إلى تطورات الوضع اليمني، بما في ذلك مستجدات الوساطة السعودية من أجل وقف شامل لإطلاق النار، وتخفيف معاناة الشعب اليمني، وإحياء مسار السلام وفقاً لمرجعياته الوطنية، والإقليمية، والدولية».
وأشارت الوكالة الحكومية إلى أن الرئيس العليمي «أكد دعم المجلس والحكومة لجهود الأمم المتحدة وولاية ومهام مبعوثها الخاص ذات الصلة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن وعلى وجه الخصوص القرار 2216».
مما سبق، نرجح أن المبعوث الأممي قد يزور عُمان أو صنعاء خلال الأيام المقبلة للقاء جانب الحوثيين وإطلاعهم على الصيغة النهائية لمسودة الاتفاق والآلية التنفيذية، ليتسنى إعداد برنامج التوقيع عليهما، لكن يبقى هذا احتمالاً لأن الغموض ما زال يكتنف كثيراً من قراءات مسار الوساطة.
علاوة على ذلك، تأتي جهود المبعوث الأممي في سياق السعي الحثيث بهدف تحقيق تسوية يمنية قريبة قبل تفاقم الوضع الإقليمي جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، واستمرار تنفيذ الحوثيين هجمات ضد أهداف إسرائيلية، بالإضافة إلى استهدافهم السفن الإسرائيلية أو المحسوبة على إسرائيليين، التي تمر قبالة المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر.
تأتي هذه الجهود بالتزامن مع إعلان الخارجية الأمريكية أن المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، سيواصل هذا الأسبوع «الدبلوماسية الأمريكية المكثفة والتنسيق الإقليمي لحماية الأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن وسط هجمات الحوثيين على الشحن الدولي» وفق ما حمله البيان الأمريكي، الذي يرى أن هذه الهجمات تهدد ما يقرب من عامين من جهود إنهاء الحرب في اليمن.
وقال البيان إن المبعوث الأمريكي يعمل مع الأمم المتحدة والرياض وأبوظبي ومسقط والشركاء الدوليين الآخرين لدعم حل الصراع في اليمن في أقرب وقت ممكن وتخفيف المعاناة التي سببها الصراع.
وأضاف أن لقاءات المبعوث الأمريكي تستهدف مناقشة «الخطوات اللازمة لتأمين وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق حوار سياسي يمني- يمني شامل بقيادة الأمم المتحدة، مع مواصلة الجهود لتخفيف الأزمات الاقتصادية والإنسانية».
في السياق، تشهد مناطق نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها تجاذبات سياسية من خلال ما تبذله مكونات من جهود لضمان مواقع متقدمة في طاولة مفاوضات التسوية.
التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في الرياض هيئة رئاسة مجلس حضرموت، في خطوة تؤكد دعم الحكومة لهذا المجلس، وهو ما سبق وأكدته الحكومة عقب تأسيسه.
خبر لقاء العليمي بهيئة رئاسة مجلس حضرموت نشرته، الأربعاء، صحيفة صوت حضرموت على حساباتها في منصات التواصل الاجتماعي. وذكرت أن العليمي أعرب عن مباركته لإشهار المجلس وإعلان هيئة رئاسته، متمنياً أن يشكل المجلس رافداً جديداً في منظومة العمل السياسي الوطني، وإضافة نوعية في جبهة الشرعية الدستورية لأجل استعادة الدولة وإحلال السلال والانطلاق في مسيرة التنمية والبناء.
مما سبق فإن دعم الحكومة لمجلس حضرموت الوطني ينطلق من الحرص على تعزيز قوة مكون الحكومة المعترف بها باعتبار مجلس حضرموت لم يعلن نفسه منافساً، بل يؤكد دائماً اعترافه بالحكومة، ويرفع علمها الوطني في فعالياته، كتأكيد واضح أنه جزء من الحكومة كمشروع، وفي ذات الوقت يقدم نفسه مدافعاً عن حق حضرموت في السلطة والثروة وضمان موقعها في مفاوضات التسوية السياسية المقبلة.
يؤكد مراقبون أن الحكومة باتت موافقة على مسودة اتفاق خريطة السلام وكذا الآلية التنفيذية، وعلى ما يبدو أن جميع المكونات المنضوية تحت لواء الحكومة تلتزم ذات الموقف، تحت ضغط من الرياض، بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال.
يرى متابعون أن مسار التفاوض مهما أبدت الأطراف من موافقة ما زال ملغوماً بعدد من القضايا التي تشكل خلافاً جوهرياً، فهل تم ترحيل هذه القضايا لمراحل لاحقة؟ من أجل تثبيت الواقع الراهن؟ سؤال مفتوح على احتمالات عديدة.