[ من عرض مسلّح لمناصري الحوثيين في عمران، ديسمبر 2023 (محمد حمود/Getty) ]
في ظلّ الهجمات الحوثية على السفن الإسرائيلية أو المتوجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر، والرد الأميركي البريطاني بقصف أهداف للحوثيين في محافظات يمنية متعددة، ثم إعلان واشنطن إعادة جماعة الحوثيين إلى لائحة المنظمات الإرهابية، تكبر المخاوف من تأثيرات ذلك على خريطة الطريق الخاصة بحل الأزمة اليمنية، ومن إمكانية عودة اشتعال جبهات اليمن مجدداً.
وتجدد جماعة الحوثيين في كل مناسبة التأكيد على استمرارها في تنفيذ العمليات بالبحر الأحمر حتى يتم إدخال الغذاء والدواء إلى غزة، فيما لم يتم بعد التوقيع على اتفاق ينهي الأزمة اليمنية، بعدما سبق للمبعوث الأممي هانس غروندبرغ الإعلان عن التوصل إلى محدداته العامة مع الأطراف اليمنية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
تصعيد محدود في جبهات اليمن
وتزامنت عمليات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي مع تصعيد محدود في جبهات اليمن العسكرية الداخلية، على الرغم من الهدنة المعلنة في إبريل/ نيسان 2022 برعاية أممية، حيث شهدت جبهات تعز ومأرب وشبوة والبيضاء هجمات حوثية على مواقع الجيش التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
وفي ديسمبر الماضي، كشف وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة المعترف بها معمر الإرياني، في تصريح أوردته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها التابعة للشرعية، أن التقارير الميدانية تكشف أن جماعة الحوثيين "تخطط لشنّ عملية عسكرية في محافظتي مأرب وشبوة من خلال تنفيذ عملية الكمّاشة ضد مدينة مأرب من جبهتي العلم، شمال المحافظة، وجبهة البلق الشرقي وحريب، جنوبي المحافظة". ولفت إلى أن ذلك يأتي بالتزامن مع "هجوم على مديريات بيحان وعين وعسيلان ومرخة العليا ومرخة السفلى بمحافظة شبوة".
وأردف الإرياني أن التقارير الميدانية تفيد بأن جماعة الحوثيين قامت في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول ومطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، بعمليات تحشيد على جبهات محافظة مأرب، وبدأت بنزع وتفكيك حقول الألغام التي كانت قد زرعتها في الخطوط الأمامية بعدد من جبهات القتال. وأشار إلى "حصول الجماعة على طيران شراعي، وتدريب مجموعة من عناصرها على استخدامه في المعركة المحتملة".
خلال فترة الهدنة الموقعة في إبريل 2022 برعاية أممية، شنّ المقاتلون الحوثيون هجمات مسلحة على مواقع الجيش في جبهات مأرب وتعز وشبوة ولحج والبيضاء والساحل الغربي، كما استهدفوا بالطيران المسيّر مواقع للجيش في مأرب وشبوة وتعز والساحل الغربي.
وقتل اثنان على الأقل من "قوات العمالقة" الجنوبية خلال تصديها، الخميس الماضي، لهجوم شنته جماعة الحوثيين على القويم في المنطقة الحدودية بين مديرية بيحان بمحافظة شبوة، ومحافظة البيضاء التي تقع تحت سيطرة الحوثيين. وبحسب المركز الإعلامي لـ"ألوية العمالقة"، فقد استهدفت مدفعية الألوية تعزيزات ومواقع انطلاق الهجوم الحوثي.
على أن أبرز الهجمات الحوثية خلال الهدنة كانت الهجوم الذي شنّه مقاتلو الجماعة في أغسطس/ آب الماضي على مواقع القوات الجنوبية الموالية للقوات الحكومية في جبهة الحدا الحدودية بين محافظتي البيضاء ولحج. وتسبب الهجوم بمقتل 10 عسكريين وإصابة 12 آخرين.
ومن الهجمات العنيفة التي شنّها الحوثيون الهجوم على تلال جبلية تطل على مديرية حريب، جنوبي مأرب، شرق صنعاء، في مارس/ آذار الماضي، والذي أدى إلى مقتل عشرة من أفراد الجيش. وجاء هذا الهجوم متزامناً مع استهداف الطيران المسيّر التابع للحوثيين موكب محافظ تعز نبيل شمسان خلال عودته من مدينة المخا الساحلية، غربي البلاد، حيث أدى هذا الاستهداف إلى مقتل أحد مرافقيه وإصابة اثنين آخرين.
مناورات حوثية في مختلف المحاور
وخلال العام الماضي وفي ظل الهدنة المعلنة، نفذت القوات المسلحة التابعة لجماعة الحوثيين عدداً من المناورات العسكرية في مختلف المحاور وبمختلف الأسلحة، حيث تحاكي هذه المناورات الهجوم على مواقع افتراضية للعدو. ففي ديسمبر الماضي، قام سلاح الجو اليمني - صنعاء بتنفيذ مناورة تحاكي مهاجمة أهداف على الأرض بطائرات حربية من طرازي "ميغ 29" و"سوخوي 22".
وفي الشهر نفسه، نفذت القوات المسلحة التابعة للحوثيين مناورة "لستم وحدكم" لوحدات من منتسبي اللواء الأول حماية رئاسية - الجوف. وأجرت القوات المسلحة التابعة للحوثيين في نوفمبر الماضي مناورة عسكرية لدفعة "طوفان الأقصى" من قوات حرس الحدود.
ونفذ اللواء الثامن - حماية رئاسية مناورة عسكرية في سبتمبر/ أيلول الماضي باسم "مولد النور"، كما نفذت قوات الدعم والإسناد في قوات صنعاء مناورة عسكرية بعنوان "طوفان الأقصى" في نهاية أكتوبر الماضي.
وفي يوليو/ تموز الماضي، نفذت قوات المنطقة العسكرية الثالثة وألوية الحسم مناورة عسكرية في مديرية صرواح بمحافظة مأرب، شرقي صنعاء، تحت اسم "مناورة الولاية"، بمشاركة سلاح الطيران المروحي الذي نفذ قصفاً مكثفاً على مواقع العدو المفترضة، وبمشاركة وحدات المشاة والآليات والقناصة والمدفعية ووحدة ضد الدروع والطيران المسير.
ونفذت قوات الدعم والإسناد التابعة للحوثيين في يونيو/ حزيران الماضي مناورة "وإن عدتم عدنا" بمشاركة 3 آلاف جندي وفي كل أقسام العمليات القناصة والمدفعية ووحدة ضد الدروع والطيران المروحي والطيران المسيّر والآليات بمختلف أنواعها والصاروخية قصيرة المدى.
ونفذت القوات المسلحة التابعة للحوثيين في مايو/ أيار الماضي مناورة "الوفاء للشهيد القائد" الكبرى التي نفذتها المنطقة العسكرية الرابعة، وشاركت فيها وحدات قتالية من مختلف تشكيلات القوات المسلحة. وتعد هذه المناورة واحدة من أكبر التمرينات التي تجريها القوات المسلحة اليمنية، حيث جرت على مساحة 100 كيلومتر مربع بطابع هجومي على مواقع ومعسكرات مفترضة للعدو، وتهدف إلى رفع حالة الجاهزية، وتحاكي الاستعداد القتالي بتنفيذ عمليات هجومية مفترضة ضد مواقع العدو.
ونفذت القوات المسلحة التابعة للحوثيين في مارس الماضي مناورة عسكرية كبيرة شاركت فيها مختلف وحدات القوات المسلحة تحت اسم "مناورة الصمود في وجه العدوان". وشاركت في المناورة جميع الوحدات العسكرية من قوات المشاة من قادة السرايا والفصائل والوحدات المتخرجة من الدورات العسكرية، وقوات الدعم القتالي من مختلف التخصصات وخدمات الدعم القتالي. كما شاركت القوة الصاروخية، والمدفعية، ووحدات ضد الدروع، والهندسة، والدفاع الجوي، وسلاح الجو المسير، والقوة الصاروخية، والمروحيات، ومختلف الوحدات العسكرية. كما جرت المناورة بتناسق وتكامل بين كافة الوحدات المشاركة بالتنسيق مع الاتصالات العسكرية وتوفير خدمات الدعم القتالي لكافة التخصصات.
وتأتي هذه المناورات في ظل كشف الحوثيين عن امتلاكهم سلاحاً جوياً لم يكشف عنه قبل هدنة إبريل 2022، وفي ظل كف التحالف بقيادة السعودية عن دعم جبهات الشرعية بالضربات الجوية، حيث تسعى السعودية إلى إنهاء ملف الأزمة اليمنية، وهو الأمر الذي قد يرجح كفة الحوثيين في حال اشتعال الجبهات من جديد.
عودة صعبة إلى المربع الأول
غير أن المتابعين للشأن اليمني يستبعدون أن تكون الأطراف اليمنية قادرة على العودة إلى المربع الأول وإشعال جبهات اليمن، نتيجة استهلاكها طوال سنوات الحرب التي امتدت لثماني سنوات.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي صلاح أحمد غالب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحوثيين جماعة حرب، أي أنهم من دون اشتعال الحروب يفقدون سيطرتهم على المجتمع، وتظهر أمامهم مجموعة كبيرة من المطالب الحقوقية المعيشية للناس.
وأضاف غالب: "لأنهم كذلك، فقد كشفت التهدئة التي تمّت بينهم وبين الشرعية عن استحقاقات كبيرة لأبناء المناطق التي يسيطرون عليها، ظهر هذا جلياً بخطاب قيادات حزب المؤتمر التي شكلت لهم أزمة في شهري أغسطس وسبتمبر 2023 وأيضاً ارتفاع الصوت الحقوقي المطالب بتسليم الرواتب". وأشار إلى أن هذه الأزمة استمرت معهم إلى أن قاموا أخيراً بتهديد الملاحة الدولية، ومحاولة إشعال حرب أخرى لتستمر سلطتهم تحت عنوان الحرب الجديدة.
وأردف المحلل السياسي: "بالنسبة للشرعية لن تخوض حرباً على الحوثيين في هذا التوقيت، ولا توجد جبهة مرشحة لأن تخوض حرباً في هذه اللحظة، لأنهم لا يريدون أن يقدموا أي خدمة مجانية للقوى الدولية التي خذلتهم في حربهم مع الحوثي لثماني سنوات مضت، ولأنهم أيضاً يدركون حساسية القضية الفلسطينية في وجدان وذهنية الشارع اليمني، وهي القضية التي يرفع الحوثيون لافتتها بشكل كبير بتحركاتهم الأخيرة".
وأكد غالب أن "الشرعية لن تتخذ أكثر من موقف الدفاع عن النفس في حال حصول أي هجوم حوثي على إحدى جبهاتها لمدة قصيرة، أما إذا استمر الهجوم بشكل كبير ولمدة طويلة فإنها، أي الشرعية، ستوسع نطاق عمليتها العسكرية في جبهات أخرى، وربما يتدخل التحالف مرة أخرى وبشكل أكبر في الحرب، خصوصاً في المناطق الساحلية على البحر الأحمر في الحديدة وحجة".
أما المحلل والخبير العسكري العقيد وضاح العوبلي، فقال لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكننا الجزم بأن التطورات الأخيرة حتى الآن قد تنعكس على الجبهات في الداخل، حيث لا يوجد حتى الآن ما يمكننا من ربط التطورات الأخيرة بالجبهات الداخلية، كما أن الأطراف الخارجية وحتى هذه اللحظة لم تُظهر أي نوع من الاهتمام بالجبهات الداخلية التي تواجه الحوثيين، بل وحتى لم تلوّح مجرد تلويح إلى إمكانية تحريك الجبهات".
ولفت العوبلي إلى أن "الجبهات الداخلية باتت مرتبطة كلياً بحزمة من الالتزامات من خلال مسار التفاوض الجاري عبر المبعوث الأممي، وكذلك الوساطة السعودية العمانية المشتركة، ومن جهة أخرى بمسارات التسوية السعودية الإيرانية الجارية برعاية صينية"، معتبراً أن "هناك حزمة من الضمانات المتبادلة بين جميع الأطراف تضمن من خلالها تحييد هذه المسارات عن التطورات الجارية، وربما هذا ما أكدته بعض هذه الأطراف ضمنياً خلال الأيام الماضية".
وأكد المحلل العسكري أن "كل الاحتمالات تبقى واردة ومرتبطة ارتباطاً مباشراً بما قد يحصل من تطورات خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل رمال الأحداث المتحركة والتي قد تنعكس في أي لحظة بتطورات على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية".