عززت مصافي التكرير الأميركية مكاسبها من زيادة صادرات المنتجات النفطية إلى أوروبا عقب الحرب الأوكرانية والحظر المفروض على الشحنات الروسية، منذ عام 2022 وحتى الآن.
ورغم تصاعد اضطرابات البحر الأحمر الممتدة منذ أشهر، وتأثيراتها المتزايدة في تدفق صادرات النفط العالمية وتكاليف الشحن، فإن مصافي التكرير في الولايات المتحدة تبدو المستفيد الأكبر من هذه التوترات لو تفاقمت خلال المدة المقبلة، بحسب تقرير تحليلي حديث اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.
ويعدّ البحر الأحمر مهمًا لأسواق النفط العالمية، لتحكُّمه بمرور 8.5 مليون برميل يوميًا في المتوسط من النفط الخام والمنتجات المكررة عالميًا.
شحنات وقود الطائرات الأكثر تضررًا
تتزايد المخاوف بشأن تدفقات النفط العالمية مع تصاعد الاضطرابات حول مضيق باب المندب التي أجبرت أكثر من 20% من ناقلات النفط -حتى الآن- على اللجوء إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
وتعدّ شحنات وقود الطائرات الأكثر تأثرًا باضطرابات البحر الأحمر المتصاعدة التي أجبرت نحو 50% من إجمالي تدفقات الديزل على تجنّب هذا الطريق حتى الآن، بحسب التقرير الصادر عن شركة أبحاث وود ماكنزي.
ويتسبب الدوران حول أفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح في زيادة وقت الرحلة إلى أوروبا أكثر من أسبوعين، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن وانخفاض هوامش تكرير المنتجات النفطية الأوروبية.
وتوضح هذه الخريطة -التي أعدّتها وحدة أبحاث الطاقة- مسافات الرحلات عبر قناة السويس وطريق رأس الرجاء الصالح:
المسافة بين طريق رأس الرجاء الصالح وقناة السويس
ومن المرجّح أن تتزايد "تأثيرات الدومينو" المتصلة بتغيير حركة التدفقات التجارية إلى أوروبا وآسيا، ما يرجّح تأثُّر قطاع التكرير العالمي لبعض الوقت في المستقبل، بحسب تقرير وود ماكنزي، الذي رجّح أن تكون مصافي التكرير الأميركية المستفيد الأكبر من ذلك.
وتوقّع التقرير أن تتعاظم فرص استفادة مصافي التكرير الأميركية من زيادة التصدير لأوروبا على حساب صادرات المنتجات المكررة من الشرق الأوسط والساحل الغربي للهند، التي تواجه تحديات بسبب اضطرابات البحر الأحمر.
تحولات للتجارة عبر البحر الأحمر
سلّط تقرير شركة الأبحاث، الضوء على تفاعلات السوق الحالية وسيناريوهات تكيّفها مع احتمالات تصاعد التوترات الإقليمية أكثر من ذلك، بما في ذلك إغلاق البحر الأحمر.
ومرّت التدفقات التجارية للنفط الخام والمنتجات المكررة بتحولات ضخمة منذ سريان العقوبات على صادرات المشتقات الروسية أوائل عام 2023، مع تأثّر التدفقات المتجهة شمالًا وجنوبًا عبر البحر الأحمر.
ومع تزايد الاضطرابات بالبحر الأحمر، أصبحت الصادرات الروسية معرّضة لمخاطر التوقف أكثر من السابق، لمرور 80% من شحناتها من النفط الخام والمنتجات المكررة عبر البحر الأحمر للوصول إلى الشرق الأوسط وآسيا.
وانخفضت تدفقات النفط الخام المتجهة شمالًا نحو أوروبا خلال العام الماضي، بعد تخفيضات واسعة النطاق في إمدادات تحالف أوبك+ بفعل سياسات الخفض الطوعية التي نفّذتها دول التحالف بقيادة السعودية وروسيا.
وكانت استجابة شركات التكرير الأوروبية لهذا التحدي عبر التوسع في معالجة مزيد من الخام الأميركي، كما اضطر المورّدون الأوروبيون إلى زيادة واردات نواتج التقطير المتوسطة من الشرق الأوسط والهند، في إطار البحث عن بدائل الخام والمشتقات الروسية المحظورة.
تحتاج هوامش التكرير الأوروبية إلى بقائها مرتفعة لتشجيع الشركات على جذب صادرات الشرق الأوسط والهند وتغطية تكاليفها المتزايدة نتيجة ارتفاع أسعار الشحن، مع اضطرار بعض المورّدين للسفر عبر طريق رأس الرجاء الصالح الأطول مسافة وتكلفة.
ووصل أكثر من نصف تدفقات نواتج التقطير المتوسطة إلى أوروبا في يناير/كانون الثاني 2024، عبر طريق رأس الرجاء الصالح، لكن إجمالي التدفقات من الشرق إلى الغرب انخفض.
ويرجع هذا بصورة كبيرة إلى تحول شحنات الديزل الهندية إلى آسيا بدلًا من التوجه إلى أوروبا، التي صارت وجهة غير مجدية تجاريًا بالنسبة للصادرات الهندية المترقبة لإعادة تحديد الأسعار من قبل المستوردين الأوروبيين.
وكانت شحنات وقود الطائرات الأكثر تأثرًا من هذا التحول بما يعادل 55% من الكميات، مقارنة بنحو 45% فقط من تدفقات الديزل، بحسب وود ماكنزي.
مصافي التكرير الأميركية الفائز الأكبر
تتوقع وود ماكنزي أن تكون مصافي التكرير الأميركية أكبر الفائزين من انخفاض هوامش التكرير الأوروبية بفعل الاضطرابات الجيوسياسية في أوكرانيا والبحر الأحمر.
وترجّح شركة الأبحاث زيادة تدفقات نواتج التقطير الأميركية إلى أوروبا مع تزايد مخاطر الاضطرابات، بينما سيعاد توجيه منتجات الشرق الأوسط المماثلة إلى الأميركتين وآسيا.
ويمكن لأسواق المنتجات المكررة أن تستجيب بسرعة للاضطرابات الحالية وتتكيف مع التدفقات المتغيرة على المدى القريب، لكنها ستتعرض لضغوط أكبر من المتوقع سابقًا خلال الربع الأول من 2024.
وإذا استمرت اضطرابات البحر الأحمر، وظلّت أسعار الشحن العالمية مرتفعة، فمن المرجح أن تضطر شركات التكرير الأوروبية إلى معالجة مزيد من الخام الأميركي، ما سيقلل عائدات الديزل ووقود الطائرات بصورة أكبر.
وقد تضطر هذه الشركات على الجانب الآخر إلى سحب مزيد من أحجام نواتج مصافي التكرير الأميركية لتعويض النقص، ما سيزيد الضغوط على هوامش التكرير الأوروبية، بحسب وود ماكنزي.
ماذا لو أغلق البحر الأحمر؟
إذا زادت الاضطرابات في البحر الأحمر وأدت إلى إغلاقه بالكامل في وجه تدفقات تجارة النفط الخام والمنتجات النفطية، فمن المتوقع إجبار التجارة على التدفق عبر طريق رأس الرجاء الصالح أو عبر قناة بنما.
وإذا حدث ذلك، فمن المتوقع أن يزيد الطلب على زيت الوقود منخفض الكبريت المعروف باسم الوقود البحري لاستعماله وقودًا للسفن، بنحو 250 ألف برميل يوميًا، حسب سيناريوهات وود ماكنزي.
ومن المتوقع أن تلجأ مصافي التكرير الأوروبية إلى شراء ملايين البراميل من بحر قزوين وأفريقيا، بدلًا من نفط الشرق الأوسط الخام الذي سيواجه مشكلة ضخمة حينها، ما سيزيد من ضغوط عائدات التكرير الأوروبية بصورة كبيرة.
وسيؤدي انخفاض هوامش التكرير الأوروبية على الجانب الآخر إلى ارتفاع الهوامش الإجمالية لحوض الأطلسي، بينما ستشهد مصافي التكرير الآسيوية زيادة في تكاليف تسليم النفط الخام، ما يرجّح أن تكون مصافي التكرير الأميركية أكبر مستفيد من تحقُّق سيناريو إغلاق البحر الأحمر.
على الجانب الآخر، يُتوقع أن تتزايد تدفقات وقود الديزل من الشرق الأوسط إلى أميركا اللاتينية، في حالة إغلاق البحر الأحمر وعدم القدرة على عبور قناة السويس.
في الوقت نفسه، سيتجه فائض مصافي التكرير الأميركية عبر المحيط الأطلسي إلى أوروبا، ما سينعكس على زيادة الإنتاج الأميركي على حساب إنتاج الشرق الأوسط وآسيا المرشح للانخفاض في سيناريو إغلاق البحر الأحمر، بحسب تحليل وود ماكنزي.