آثار حيس في الحديدة.. تاريخ في مرمى الإهمال والتدمير (تقرير)
- الحديدة - خاص الخميس, 11 يوليو, 2019 - 04:47 مساءً
آثار حيس في الحديدة.. تاريخ في مرمى الإهمال والتدمير (تقرير)

[ تعرضت الآثار في حيس لاستهداف طائرات التحالف ]

لا يعرف كثير من المارة بجوار قلعة حيس التاريخية، التي تحيط بها أكياس النفايات من كل جانب، أنها كانت يوماً سداً منيعاً يحمي مدينة حيس، جنوبي محافظة الحديدة، والبلدات المجاورة لها من هجمات الغزاة والطامعين.

 

وعلى الرغم من قيمة القلعة التراثية والحضارية الكبيرة، إلا أن الإهمال الرسمي، وغياب الوعي الشعبي بقيمتها، حول ما تبقى منها إلى مقلب للقمامة ومأوى للكلاب الضالة، فضلاً عن محاولة بعض المواطنين استغلالها وتحويلها لعقارات وكتل خرسانية.

 

وبنيت القلعة التاريخية التي أنشأها العثمانيون في مركز مدينة حيس، جنوبي الحديدة، على أنقاض منشآت سلطانية تعود لعهد الدولة الرسولية، وفق ما أفاد أستاذ التاريخ بكلية التربية بزبيد ورئيس جمعية التاريخ والآثار بحيس الدكتور محمد حسن لطف لـ"الموقع بوست".

 

القلعة الأثرية التي تعرضت لإهمال متعمد طوال العقود الثلاثة الماضية لم يتبقّ منها سوى بقايا أسوارها العتيقة ونوبات الحراسة المستديرة بعد أن تهدمت الكثير من جدرانها، بينما تعاني البقية من التشقق والتصدع.

 

إهمال حكومي

 

وقال الدكتور لطف في حديثه لـ"الموقع بوست" إن القلعة تعاني من إهمال حكومي منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث أنشئ في الجزء الغربي منها مبنى حكومي وصاحب ذلك الإهمال نهب لممتلكاتها على مرأى ومسمع من الدولة والوجاهات والشخصيات الاجتماعية في المدينة.

 

وأوضح بأن أحد المواطنين قام باستقطاع جزء من الواجهة الشرقية، وأنشأ خزان ماء إسمنتيا في حرمها، بحجة تخصيصه لمياه الإغاثة، رغم توفر الاماكن البديلة، مما ينبئ بتسابق المتنفذين للسيطرة على ما تبقى من حرم القلعة والبناء عليه، كونه يقع على الشارع العام، وفق قوله.

 

وأشار إلى أن إنشاء خزان مائي في حرم القلعة يزيد من المخاطر المحيطة بها، حيث سيعمل استقرار المياه بجوار السور الشرقي للقلعة على زيادة الرطوبة والحاق أضرار بأساساته، لافتاً إلى أن إنشاء أي استحداثات في تلك الواجهة يعد اعتداءً وطمساً وتشويهاً للقلعة.

 

 ولفت لطف الذي يرأس جمعية التاريخ والآثار بحيس إلى مخاطر أخرى تتهدد قلعة المدينة الأثرية وما تبقى من جدرانها تتمثل في سقوط عدد من قذائف الهاون الحوثية عليها.

 

 تدمير ممنهج

 

أصبحت المعالم التاريخية في حيس تشكو الإهمال والعبث نتيجة وضع الاستحداثات وتأجير واجهاتها في ظل صمت الجهات المعنية الأمر الذي يجعل ذلك الإرث التاريخي مهدداً بالزوال والاندثار. 

 

ويؤكد أستاذ التاريخ بكلية التربية بزبيد الدكتور محمد حسن لطف لـ"الموقع بوست" بأن القلعة التاريخية لم تكن المعلم الأثري الوحيد في حيس الذي يتعرض للتدمير الممنهج، فجامع حيس التاريخي الذي يعتبر أحد كنوز التراث في تهامة يتعرض لخطر كبير نتيجة استهدافه المتكرر من قبل الحوثيين بقذائف الهاون.

 

 

ويعد الجامع الكبير بحيس، الذي يعود للحقبة الرسولية في اليمن (626- 858م)، من أهم وأجمل المباني الأثرية التي تجسد مدى التطور المعماري في عهد الدولة الرسولية، ويطلق عليه "الجامع المظفري" نسبة إلى السلطان المظفر الأول الرسولي، الذي اكتمل بناؤه في عهده.

 

ويشير إلى أن توقف ترميم المجمع الرسولي منذ عدة سنوات وإبقاء المجسات الشرقية على الوضع الحالي يعد أكبر تهديد للجامع ويسرع من سقوطه، لافتاً بأن الوضع مشابه في عدة مساجد أثرية بحيس كمسجدي الطاوسي الزيلعي (الخماشة) اللذين تعرضا للقصف الحوثي مما أدى إلى تضررهما بشكل كبير.

 

بدوره كشف الناشط الإعلامي حسام بكري عن استحداثات لنافذين جوار سور جامع حيس الكبير تهدد أبرز معلم تاريخي في حيس والذي صمد قروناً من الزمن رغم العوامل التي تهدد وجوده.

 

ونشر البكري في تدوينة على صفحته بموقع "فيسبوك" صورة لبناء إسمنتي في حرم الجامع الأثري، مشيرا إلى أن البناء الذي استحدثه نافذون أمام الجامع التاريخي يعكس الواقع الخطير الذي تعيشه المعالم الأثرية في مدينة حيس.

 

ووصف بكري الاستحداثات أمام جامع حيس التاريخي بالجريمة، داعياً المسؤولين في المديرية إلى هدم ومسح أي استحداثات تتهدد المعالم الأثرية بحيس.

 

تحذيرات

 

وحذر لطف من التدمير الممنهج للآثار في حيس، داعيا الجهات المختصة إلى وضع آلية مناسبة لإزالة الاستحداثات التي امتدت إلى حرم المواقع الأثرية، والعمل على تنفيذ القوانين التي من شأنها منع تكرار مثل هذه التصرفات الغير مسؤولة تجاه معالم المدينة التاريخية.

 

ولفت بأنه وبالرغم من حالة الإهمال الحكومي المزمن وخطر القصف الحوثي المتكرر لا تزال كثير من آثار مدينة حيس الدالة على أصالة التهاميين وتجذرهم التاريخي صامدة وشامخة، وهذا ما يستدعي وقوف الجميع من سلطة محلية ومواطنين للحفاظ عليها.

 

نفي حكومي

 

وحول موضوع الاعتداء على قلعة حيس التاريخية وبناء خزان أسمنتي في حرمها، يقول العقيد عبد الله معيمرة مدير أمن مديرية حيس، إن موضوع القلعة أخذ أكثر من حجمه نتيجة المكايدات والمماحكات البعيدة عن الواقع.

 

وأوضح في تصريح خاص لـ"الموقع بوست" أن الخزان الموجود بجانب القلعة لا يمثل أي تهديد لها وتم بناؤه برضى أهل الحي جميعاً ومباركتهم بعد أن أصبح الماء الهم الشاغل للسكان في حيس بسبب انقطاع مشروع المياه الوحيد عقب تفجير الحوثيين لخزاناته.

 

وأشار إلى أن الخزان عبارة عن عمل خيري تم بناؤه على نفقة امرأة ويتسع لـ16 وايت ماء ويخدم جميع السكان، لافتا إلى أن ظروف المأساة التي تعيشها المدينة تفرض مساندة أي عمل خير يعود بالنفع للمواطنين.

 

وأكد أن المرحلة والظروف التي تمر بها حيس تقتضي إبعاد هذه القضية عن المكايدات، فتوفير المأكل والمشرب والأمن والأمان بات مطلب الجميع في المدينة التي تعيش مأساة حقيقية بل ودفعت الثمن عن تهامة كلها، وفق قوله.

 

قصف متكرر

 

المعالم التاريخية في مدينة حيس أصبحت في طريقها للاندثار والزوال بسبب القصف المتكرر للحوثيين على المدينة والذي طال القلعة والجامع الكبير، بالإضافة إلى بعض المنازل الأثرية شمال المدينة والتي يعود بناؤها لقرون مضت، بحسب ناشطين في المدينة.

 

وتزخر مدينة حيس بالكثير من المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية، من أهمها مسجد ومدرسة الإسكندرية الذي يرجع تاريخ بنائه إلى عهد الدولة الرسولية، وموقع كيده الذي يعد من المواقع الأثرية القديمة التي تعود إلى عصور ما قبل الإسلام واكتشفت فيه رسوم مخربشات للإنسان الأول (البدائي) وعصر ما قبل التاريخ.

 

ورغم سيطرة القوات الحكومية، في فبراير 2018، على مدينة حيس جنوبي محافظة الحديدة، لا تزال قذائف الحوثيين تشكل خطراً على حياة المدنيين في المدينة التي يتعرض عدد من أحيائها لقصف مدفعي وصاروخي مستمر خلف المئات من الضحايا المدنيين.


التعليقات